يقظة دولية تجاه المحنة الفلسطينية

02:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

منتصف يناير الجاري ليس بعيداً، ومع ذلك فإن الخامس عشر من هذا الشهر بالنسبة لانعقاد مؤتمر السلام الدولي في باريس، يبدو بعيداً بعض الشيء، وذلك بالنظر إلى التوترات السائدة في منطقتنا وفي العالم، التي تقصي الاهتمام بالقضية الفلسطينية وسلام الشرق الأوسط. ما زالت الحرب في اليمن وفي سوريا رغم الهدنة، تستأثر بأكبر قدر من الاهتمام، بل إن الأزمة الأخيرة الناشبة بين الولايات المتحدة وروسيا قد طغت على الاهتمامات الإقليمية والدولية.
ويؤمل الآن أن ينعقد مؤتمر السلام في موعده، بعد أن تم ترحيل هذا الموعد من 21 ديسمبر الماضي إلى موعده الجديد هذا. ويمثّل المؤتمر مبادرة فرنسية طموحة، من أجل إحياء الاهتمام الجدّي بالقضية الفلسطينية، واستعادة الدور الأوروبي بعد طول انفراد أمريكي كانت تحبّذه كلٌّ من «تل أبيب» وواشنطن.
الأنباء عن المؤتمر تتحدث عن مشاركة ما لا يقل عن 70 مسؤولاً سياسياً من دول العالم فيه، وأن الهدف منه هو تحسين فرص استئناف المفاوضات ومنح الأمل للرازحين تحت الاحتلال ولكل من يؤمنون بالسلام.
وقد وفّر صدور القرار الدولي 2334 في 23 ديسمبر الماضي بخصوص إدانة الاستيطان، أرضية صالحة لانعقاد مؤتمر باريس، فالسلام لا يمكن أن يكون وعداً في الهواء بلا محتوى، وقد حدد قرار مجلس الأمن بعض محدّدات هذا السلام وهو رفض الاستيطان الصهيوني، واعتباره غير شرعي وعقبة كبيرة في وجه حل الدولتين، وأن السلام والاستيطان ضدّان متعاكسان، لا يمكن أن يتلاقيا.
علاوة على ذلك فقد جاء خطاب الوزير جون كيري الذي خصصه لشرح موقف بلاده من سلام الشرق الأوسط ليحمّل «تل أبيب» مسؤولية التقهقر الحاصل، وليشدّد مجدّداً على أن حل الدولتين هو الحل الوحيد فيما الهدف الأول والأكبر للاستيطان غير الشرعي هو سلب الأرض التي يمكن أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية.
الجانب الصهيوني الذي تلقى صفعة مدوية مع صدور القرار الدولي، وأقلقته إدانة كيري، بات يتخوف من انتكاسة دبلوماسية ثالثة تنجم عن المبادرة الفرنسية، التي يتبناها الحزب الاشتراكي الحاكم وقبل شهور من انتخابات رئاسية جديدة في فرنسا.
وزير الخارجية افيغدور ليبرمان وصف مؤتمر باريس المزمع بأنه «ليس مؤتمراً بل مؤامرة!». وقال إن انعقاد المؤتمر «سيزيد من موجة العداء لليهود، وعليه فإنه يدعو الفرنسيين اليهود للهجرة إلى ارض الميعاد». ولعلها من المرات النادرة التي يتعرض فيها محفل سياسي إلى مثل هذا الهجوم قبل انعقاده، علماً أن الجهة الداعية ليست فلسطينية أو عربية أو إسلامية، بل هي فرنسا التي بنت مفاعل ديمونا النووي وصدّرت طائرة ميراج الحربية إلى «تل أبيب»، وتشاركت مع الدولة العبرية وبريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وقد ظهر سوء النوايا لدى الجانب «الإسرائيلي» إذ رفض المشاركة في المؤتمر وكانت النية معقودة على دعوة الجانبين، فلما رفضت «تل أبيب» المشاركة، فقد ارتؤي عدم دعوة الجانب الفلسطيني وعرض النتائج لاحقاً على الفريقين.
ليست هناك توقعات محددة بشأن المؤتمر الذي سيشكل لا شك مناسبة إعلامية هائلة. وسوف تتجه الأنظار إلى المشاركة الأمريكية وقبل بضعة أيام فقط من انصراف الإدارة الحالية، كما ستتجه الأنظار إلى المشاركة الروسية لمعرفة ما إذا كانت هناك انشغالات أخرى جدية لموسكو في المنطقة عدا الأزمة السورية. غير أن الموقف الإجمالي لفرنسا والاتحاد الأوروبي من القضية الفلسطينية وسلام الشرق الأوسط، وكذلك الموقف الدولي الذي جرى التعبير عنه في مجلس الأمن، وخطاب كيري، كل ذلك ينبئ أن المؤتمر الدولي سيشدد على حل الدولتين وحدود 1967 والقدس عاصمة لدولتين، مع إدانة الاستيطان والإرهاب، وهي قضايا يجد اليمين الأكثر تطرفاً في «تل أبيب» أنها تتعارض مع الأطماع الصهيونية في ابتلاع القدس والأغوار وأجزاء واسعة من الضفة الغربية.
ولهذا فقد استبقوا انعقاد المؤتمر بشن حملة شعواء عليه قبل انعقاده..
الآن ودون استباق النتائج، فإن أهمية عقد المؤتمر تكمن في ما بعد إعلان نتائجه، بحيث لا تبقى هذه المخرجات كما هو الحال في مناسبات سابقة، حبراً على ورق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"