«جدار بحري».. اقتراح لإنقاذ جاكرتا قبل 2050

«أسرع المدن غرقاً» بسبب التغير المناخي
03:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
إعداد: عبير حسين

يتسبب الاحتباس الحراري في ذوبان سريع للكتل الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي ، ما ينتج عنه ارتفاع مستويات المياه في المحيطات، الأمر الذي ينذر بغرق مدن وعواصم كبرى حول العالم، خلال العقود القليلة المقبلة، خاصة في حوضي المحيطين الهندي والهادي. وتهدد مياه الفيضانات عدة مدن ساحلية كبرى يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة، وأهمها جاكرتا عاصمة إندونيسيا، ومانيلا عاصمة الفلبين، ودكا عاصمة بنجلاديش، إضافة إلى مدينة بومباي، المركز المالي للهند.
وحذر تقرير حديث نشره معهد باندونج للتكنولوجيا في إندونيسيا من أن جاكرتا أسرع مدن العالم غرقاً، مشيراً إلى أنها مهددة بالاختفاء بحلول عام 2050. وأكد التقرير ارتفاع المياه بنسبة 2.5 متر في شمال العاصمة خلال العقد الماضي، أي ما يعادل 25 سم كل عام، ويرجع ذلك إلى وجود المدينة على أرض واسعة تضم مستنقعات بحرية، والتي يمر من خلالها 13 نهراً.
وقبل عدة أشهر، بدأ سكان شمال جاكرتا، الأقرب إلى البحر، بإخلاء بعض المباني السكنية التي بدأت المياه المتصاعدة تغمر طوابقها الأرضية تدريجياً. وعليه، بدأت الحكومة الإندونيسية خطوات جدية؛ لإنقاذ العاصمة من الغرق، ومناقشة عدة اقتراحات عاجلة، ويعد بناء جدار بحري عملاق، يمتد على مسافة 32 كلم من ساحل المدينة، إضافة إلى 17 جزيرة صناعية، أكثر الخطط الطموحة لتكون خط الدفاع الأول عن العاصمة.
وقال مايكل أوبنهايمر، الباحث في جامعة برنستون الأمريكية، والمشارك في وضع تقرير خاص للجنة الدولية للتغيرات المناخية حول المحيطات والتغيرات المناخية: «خسرنا المعركة الحالية ضد التغيرات المناخية. مستويات البحار والمحيطات ستواصل الارتفاع، والفيضانات ستصبح أسوأ في المستقبل القريب».
وأكد هنري أندرياس، الباحث في معهد باندونج للتكنولوجيا لمجلة «نيو ساينتست»: «تشهد جاكرتا أزمة لم يشهدها العالم الحديث؛ إذ تؤكد كل النماذج أن أكثر من ثلث المدينة سيغمر بالكامل في المياه بحلول 2050». وأضاف: «تعد فكرة بناء جدار بحري ضخم حول المدينة أحد أهم مشروعات الإنقاذ؛ لكنها تواجه عدة تعقيدات، أولها الكُلفة المادية المرتفعة التي تصل إلى 42 مليار دولار في اقتصاد نامٍ، إضافة إلى ضرورة التفكير في توفير مياه عذبة لعشرة ملايين شخص يعيشون فيها إلى جانب الملايين من السياح سنوياً، خاصة وأن أنهارها جميعها ملوثة، كما أنها تعاني عدم استخدام تقنيات متطورة لإعادة تدوير المياه، وهي تكنولوجيا متطورة لا توفرها إلا المدن الكبرى التي تواجه نفس المخاطر مثل سنغافورة وسان فرانسيسكو».
تشارلز ليستر، مدير مركز المحيطات في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا قال: «تمثل حالة جاكرتا لمحة عن مستقبل مظلم للحضارات الإنسانية التي تتشبث بالسواحل في جميع أنحاء العالم». ولفت الانتباه إلى مشكلة أخرى تعانيها العاصمة الإندونيسية، وهي المياه الجوفية التي يعتمد عليها 40% من سكان المدينة في توفير احتياجاتهم الأساسية، مشيراً إلى أن بناء الجدار البحري سيواجه بصعوبات هندسية بسببها؛ إذ ستؤدي إلى هبوط الأرض في حالة تشبه ما حدث عندما غرق الوادي المركزي في كاليفورنيا الأمريكية بمقدار 30 قدماً لنفس السبب خلال العقد الماضي.
كارتر سميث الباحث المختص في دراسة التعديلات الهندسية الساحلية في جامعة ديوك البريطانية أوضح: «يبدو المستقبل مكلفاً للغاية بالنسبة لجاكرتا؛ لإنقاذ نفسها. إنها مهمة باهظة الثمن، ولا يوجد مكان على الأرض يتكيف مع التغيرات المناخية بنفس الطريقة. وهناك اعتبارات اقتصادية وسياسية واجتماعية في كل مدينة».

الهندسة الزرقاء

أشارت إيما جونستون، عالمة الحياة البحرية بجامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، إلى أن 70% من المدن الكبرى في العالم أقيمت على سواحله، وهناك تصورات حول إمكانية الحياة أسفل المياه. وأضافت: «نشعر بالرعب إزاء البحار والمحيطات. في كل ثقافات العالم تقريباً، أسطورة من نوع ما حول وقوع طوفان أو فيضان، ولتبديد هذه المخاوف حاولنا طوال التاريخ التحكم في الحياة المائية والبحرية وترويض تأثيراتها علينا عبر اللجوء إلى الهندسة الصارمة التي سببت أضراراً هائلة بالبيئة؛ عبر تشييد السدود والجدران الواقية للشواطئ، وكذلك شق القنوات على نحو يزيل الرواسب من قيعان البحيرات والبحار، وأثبتت التجارب فشل كل المساعي لترويض الطابع البري للمحيطات».
وطرحت جونستون مفهوم «الهندسة الزرقاء»، التي تشبه «العمارة الخضراء» أو «المستدامة»، وتراعي المتطلبات البيئية على اليابسة، وقالت عنها: «الهندسة الزرقاء نمط بناء يحرص على حماية الحياة البحرية».
وحذرت جونستون من مخاطر تشييد الجدار البحري في جاكرتا الذي سيخلف أضراراً على البيئات البحرية والنظم الإيكولوجية هناك، وقالت ل«bbc future»: بفضل مثل هذه النظم يتوفر الغذاء للأسماك وغيرها من الأحياء المائية، التي تنتج 20% من حجم البروتين الموجود في العالم. كما أنها تشكل موطناً لغابات تحت الماء، تضطلع بدور لا يقل أهمية عن دور غابات الأمازون لخدمة المحيط الحيوي للأرض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"