«حمى الضنك».. البعوضة «تكسر» عظامك

02:13 صباحا
قراءة 6 دقائق
مرض «حمى الضنك» له العديد من المسميات الأخرى، مثل: «الحمى الدنجية» و«حمى تكسير العظام» و«حمى عدن» و«الدنجي» و«أبو الركب»، و«حمي الدنجي النازفة للدم»، وهي عدوى تسببها أنواع معينة من الفيروسات، التي تنتقل للمرضى عن طريق جنس محدد من البعوض، وهو مرض سريع الانتشار، خاصة في المناطق والأقاليم الحارة حول العالم، ومصدر هذه الفيروسات هو الإنسان.
تسبب هذه الحمى مرضاً شبيهاً بالإنفلونزا، وفي بعض الحالات يتفاقم وتصبح حالة مرضية شديدة يمكن أن تقود إلى الوفاة، وفي هذه الحالة تسمى «حمى الدنجي الوخيمة»، وخلال السنوات الأخيرة، ارتفعت معدلات الإصابة بهذا المرض، وانتشرت بصورة عالية وغير مسبوقة على مستوى العالم، إلى درجة أن ما يقرب من نصف سكان الكرة الأرضية قد يتعرضون لخطر الإصابة بمرض «حمى الضنك»، ويتفشى هذا المرض في البيئات ذات المناخ المداري وشبه المداري في العالم، وأكثر الإصابات في الأماكن الحضرية والمدن، وسوف نتناول في هذا الموضع جوانب هذا المرض وأعراضه وأسبابه وطرق العلاج والوقاية.
الأنواع والانتشار

توجد 4 أنواع من «حمى الضنك» حسب الفيروسات الأربع، التي تسبب هذا المرض، وكل نوع من هذه الفيروسات كان له منشأ ومصدر جغرافي، لكن مع تقارب العالم وكثرة السفر انتشرت كل أنواع هذه الفيروسات في العالم، وفور تماثل المريض للشفاء يكتسب مناعة وحصانة ضد نوع «حمى الضنك» التي أصابته طوال فترة حياته، لكن هذه الحصانة لا تعفيه من الصابة بالأنواع الأخرى من «حمى الضنك»، ويمكن أن تكون الإصابة القادمة لنوع آخر أشد تأثيراً وحدة مثل «حمى الضنك الوخيمة»، أما عن خريطة انتشار المرض فهو تقريباً يتواجد في كثير من دول العالم، ويتوزع حول خط الاستواء، لكن هناك بعض المناطق التي يتركز فيها، ففي قارة آسيا ينتشر المرض بنسبة 70% من إجمالي المصابين في العالم، فهو ينتشر ويتواجد بكثرة في جنوب شرق آسيا وجنوب الصين، وفي أمريكا الجنوبية، وفي قارة إفريقيا، كما وصل إلى جنوب الولايات المتحدة وجزر الكاريبي، وهو الآن في بعض دول أوروبا، وانتقل المرض في المدينة الأكثر شيوعاً، وأسهم في ذلك التوسعات العمرانية الكبيرة.
المرض الحاد

هناك تصنيف آخر لمرض «حمى الضنك»، من حيث درجة المرض، النوع الأول الخفيف والبسيط، والنوع الثاني الحاد والشديد ويسمى حمى الضنك الحاد، وهذا النوع يرتبط بالنزف الشديد والاضطراب في وظائف بعض أعضاء الجسم، و«حمى الضنك الوخيمة» منتشرة في بلدان آسيا وأمريكا الجنوبية، وهذا النوع له درجات من القوة أيضاً، وتسمى أشد حالاته «متلازمة حمى الضنك»، وهذه الحالة الأخيرة من أسباب التدهور الخطر وحدوث الوفاة، بل أصبحت من العوامل الأساسية في حدوث وفيات الأطفال في العديد من دول تفشي المرض، لأنه ليس هناك أي علاج حاسم وناجع لـ«مرض حمى الضنك الوخيمة»، إلا في حالات الكشف المبكر والرعاية الصحية اللصيقة والكاملة التي يمكن أن تقلل من معدلات الوفاة، ويعد مرض «حمى الضنك» من أكثر الأمراض الفيروسية انتقالاً عن طريق مفصليات الأرجل، ويحتل الدرجة الثانية بعد الملاريا في مسببات الحمى للأشخاص، الذين تضطرهم أعمالهم للسفر إلى البلاد الموبوءة بالمرض، وينتمي الفيروس المسبب له إلى عائلة الفيروسات المصفرة.
بعوضة الزاعجة

ينتقل مرض «حمى الضنك» عن طريق لدغات أنثى بعوضة الزاعجة المصرية المصابة بالمرض، التي تعد الناقل الأساسي لهذا المرض، ثم يدخل الفيروس إلى جسم الشخص السليم، والعكس عندما تلدغ بعوضة الزاعجة شخصاً مصاباً بالفيروس في فترة نشاط الفيروس وهي تصل من 5 أيام إلى 13 يوماً من بعد ظهور أول أعراض هذا المرض، ثم يمكث الفيروس فترة الحضانة في البعوضة، التي تصل من 5 إلى 11 وبعدها تصبح البعوضة مصابة وتنقل المرض طوال فترة بقائها على قيد الحياة، والشخص المصاب هو مصدر الفيروس والبعوضة هي الناقل، وتعيش بعوضة الزاعجة المصرية في المدن، وتتكاثر وتتغذى أثناء النهار عكس أنواع البعوض الأخرى، وتلدغ الأشخاص في فترات الصباح الباكر، وفي بداية قدوم الليل بعد المغرب، وتتنقل أنثى البعوضة بين أكثر من شخص لتتغذى على الدماء، وبذلك تصيب أعداداً كثيرة، وينتقل المرض أيضاً عن طريق بعوضة الزاعجة المرقطة، لكن بدرجة أقل، وهذا النوع من البعوض له قدرات كبيرة على تحمل انخفاض درجات الحرارة، والعيش في البرد والثلوج والتأقلم والبقاء على قيد الحياة؛ ولذلك هذا النوع من البعوض انتشر في أوروبا وأمريكا الشمالية عن طريق التجارة الدولية.
نزيف الأنف والفم

أعراض «حمى الضنك» تظهر بعد لدغة البعوضة الحاملة للمرض بفترة تصل إلى 4 إلى 8 أيام، وتختلف هذه الأعراض حسب درجة المرض وشدته، فمثلاً النوع البسيط من المرض يمكن ألا تظهر أية أعراض في بعض الحالات، وتظهر في حالات أخرى مثل ارتفاع درجة حرارة الجسم؛ حيث تصل إلى 40 درجة مئوية، وإصابة الشخص بالصداع الشديد مع ألم حاد في الظهر، إضافة إلى الأوجاع الشديدة التي تصيب المفاصل والعضلات، وحالة من التقيؤ والغثيان، وألم خلف العين، وانتفاخ في الغدد، وطفح جلدي في بعض الأماكن في الجسم، وهذه الأعراض تزول وتختفي بعد 8 أيام من ظهورها، أما الأعراض التي تظهر في النمط الشديد من المرض وهي «حمى الضنك النزفية» هي نفس أعراض الحمى البسيطة السابقة مع التطور السلبي، وتتفاقم هذه الأعراض بعد عدة أيام، ومنها حدوث نزول الدم من الأنف والفم، إلى جانب نزيف آخر تحت الجلد ويظهر مكانه على شكل كدمات، ويحدث ضمور في الأوعية الدموية والأوعية الليمفاوية، ثم تتناقص كمية الصفائح الدموية التي تسهم بحدوث تجلط الدم، مما يسبب سيولة في الدم وزيادة في النزيف، ثم تقود هذه الحالة في النهاية إلى موت الشخص المصاب، إذا لم يعالج بالصورة المناسبة.
النوع القاتل

أما أعراض النوع الأشد خطورة من مرض «حمى الضنك»، الذي يصنف على أنه قاتل وهو «متلازمة صدمة الضنك»، وتظهر أعراضه بعد 4 إلى 7 أيام من الأعراض الأولى السابقة، وتشمل أعراضه التقيؤ المتكرر والدوخة وعدم الاتزان والشعور بألم شديد صادر من البطن، ونزيف من النوع الأكثر حدة وهو النزف الوخيم في اللثة وتقيؤ دموي وإجهاد كبير وتعب عام، وخلل في الأوعية الدموية بسبب تسرب البلازما وتراكم السوائل، ويصاب المريض بصعوبة وضيق في التنفس، ويحدث قصور في وظائف بعض أعضاء الجسم، ثم يحدث انخفاض حاد في ضغط الدم يؤدي إلى الموت، وهي ما تسمى بالإصابة بالصدمة، وهذه الأعراض القوية تظهر بعد تطور الحالة سلبياً وتفاقمها، وتحتاج إلى رعاية صحية وعناية مركزة فورية، ومع هذه العناية الطبية يمكن أن تتراجع هذه الأعراض وتقل احتمالات الوفاة، أما في حالة الأطفال فتظهر أعراض قريبة من حالات البرد والالتهاب المعوي مثل التقيؤ والإسهال، لكن الخطر أكبر في حالة تفاقم الحالة وارتفاع درجات الحرارة والدخول في حالة الخطر.
قتل الناقلة

بالنسبة للوقاية من مرض «حمى الضنك» لا يوجد مصل أو لقاح للحماية من هذا المرض، إلا أنه حدث تقدم كبير في تطوير لقاح لـ«حمى الضنك الوخيمة»، ويمكن الوقاية بمكافحة والقضاء على البعوضة الناقلة لهذا المرض؛ وذلك عن طريق التخلص من النفايات الصلبة التي يتكــــاثر عليها البعوض، وتغطية خزانات المياه المنزلية وتنظيــــفها باســــــتمرار، واستخدام المبيدات الحشرية، للقضاء على هذا النوع من البعوض، واستخدام شبابيك السلك المانعة لدخول البعوض والملابس الطويلة وأجــــهزة قــــتل البعــــوض، أما العلاج فليس هناك أي أدويـــــة فعالة لهذا المرض، لكن الرعاية الصحية ومعالجة أعراض المرض والتخفيف من تفاقمه هي الطرق المتوافرة للعلاج، والحفاظ على سوائل الجسم وتخفيض درجات الحــــرارة بالأدويــة المعتادة.

458 مليون حالة سنوياً

تكشف منظمة الصحة العالمية أن مرض حمى الضنك زادت معدلاته بصورة هائلة في العقود الأخيرة وأن الأرقام الحقيقية للحالات المصابة تفوق أرقام التقارير الرسمية المسجلة، وطبقاً لآخر تقرير عن المصابين فإن الأعداد وصلت إلى ما يقرب من حوالي 458 مليون حالة مريض سنوياً، منهم حوالي 150 مليون حالة شديدة المرض، وتصل حالات الوفاة بهذا المرض إلى حوالي 25 ألف شخص سنوياً، أي بنسبة 5% من إجمالي المصابين ولكنها تقل إلى 1% عند العلاج بشكل جيد وسريع، وترتفع معدلات الوفاة بين الأشخاص الذين يعانون من انخفاض في ضغط الدم وتصل نسبة الوفاة منهم إلى 28% من إجمالي حالات الوفاة، وحمى الضنك تنتشر في حوالي 130 دولة في العالم، كما تكشف المنظمة أن ما يقرب من 20% من سكان العالم معرضون لخطر الإصابة بهذا المرض، مما يضع هذا المرض في قائمة أكثر الأمراض انتشاراً حول العالم والمنقولة عن طريق وسيط، وزاد حمى الضنك حوالي 30 ضعفاً في الـ 50 سنة الأخيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"