«محميات الضفة».. البوابة الأوسع للاستيطان

03:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

للمرة الأولى منذ ربع قرن يصادق وزير الحرب الصهيوني، نفتالي بينت، على إنشاء سبع محميات طبيعية جديدة في الضفة الغربية المحتلة إلى جانب توسيع 12 محمية طبيعية أخرى. ولا يمكن معرفة معنى هذه المصادقة التي تطال ما لا يقل عن 130 ألف دونم
من أراضي الضفة الغربية من دون إدراك أن المحميات الطبيعية إحدى وسائل الاحتلال لمنع الفلسطينيين من استغلال أرضهم وتسهيل وصولها إلى أيدي المستوطنين.
المحميات الطبيعية شكلت على مدى سني الاحتلال الخزان الاستراتيجي لعمليات توسيع المستوطنات.
وأُعلن عن هذه «المحميات» لتنشأ في مواقع استراتيجية في المنطقة المعروفة ب«ج» والخاضعة تماماً للسيطرة الإدارية والأمنية الصهيونية.
وتقع معظم هذه المحميات في غور الأردن الذي أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، مراراً نيته ضمه بعد تشكيل ائتلافه الحكومي الجديد. وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية، فإن إعلان بينت شمل مغارة سوريك القريبة من بيت سوريك، ووادي المقلك شرقي جبل الزيتون في القدس، فضلاً عن وادي ملحة جنوبي مجرى نهر الأردن، ووادي الفارعة شمال الأغوار. وتم توسيع محميات قائمة على قمم الجبال غرب البحر الميت وأم زوكا في الأغوار، وعين الفشخة على البحر الميت، ومناطق قرب أريحا وشرق طوباس.

تنافس انتخابي

والواقع أن الإعلان عن إنشاء المحميات الطبيعية الجديدة يأتي في إطار التنافس الانتخابي على كسب رضى اليمين المتطرف عبر توسيع الاستيطان وتقييد حركة الفلسطينيين. وهي تأتي بعد أن منحت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لحكومة نتنياهو بأن توسع الاستيطان من دون قيود، بعد أن اعترفت بالقدس عاصمة للكيان وبأن المستوطنات لا تتعارض مع القانون الدولي، والأراضي المحتلة «متنازع عليها» وليست محتلة.
وفور تولي بينت وزارة الحرب بادر إلى عدة خطوات ترمي إلى تسهيل فرض السيادة عبر تشجيع الاستيطان من جهة، وعبر تحويل تسجيل أراضي المستوطنات من وزارة الحرب التي تدير الاحتلال إلى وزارة المالية الصهيونية.
وتشهد معطيات وتجارب الماضي القريب والبعيد على أن الإعلان عن محميات طبيعية كان البوابة الأوسع للاستيطان. وحسب هذه المعطيات فإن نحو 20 في المئة من أراضي غور الأردن الفلسطينية أعلنت محميات طبيعية و«حدائق وطنية» إلى جانب الأراضي التي خصصت للاستيطان فعلياً. ولا يضير الاحتلال وهو ينفذ مثل هذه المشاريع أن تكون الأرض ملكية خاصة أو عامة، فما يهمه هو منع الفلسطينيين من استغلالها لتحويلها لاحقاً لمشروعه الاستيطاني. وقد سبق للاحتلال أن أعلن، بأوامر عسكرية، عن تغيير غرض المحميات وتسليمها لمستوطنات كما حدث مثلاً مع جبل أبو غنيم. فقد أقيمت على أراضي هذا الجبل الذي كان محمية طبيعية مستوطنة «هارحوما» بعد اقتلاع 60 ألف شجرة حرجية.
وحدث الأمر نفسه بأشكال مختلفة مع أجزاء من أراضي رام الله التي أقيمت عليها مستوطنة «دوليف»، وأراضي قرب بيت لحم، حيث أقيمت مستوطنة «إفرات». وتكرر الأمر مع في ما لا يقل عن 20 مستوطنة أخرى تم إنشاؤها أو توسيعها على أراضي كانت مصنفة كمحميات طبيعية. كما أن القائد العسكري الصهيوني للضفة الغربية أمر في منتصف العام الفائت بإلغاء الإعلان عن محمية قرب قلقيلية، وحوّل أراضيها لتوسيع مستوطنة «ألفي منشيه». وحسب معهد الأبحاث التطبيقية «أريج»، فإن الاحتلال حول 700 كيلومتر مربع من أراضي المنطقة «ج» في الضفة الغربية إلى محميات طبيعية. وتشكل هذه المحميات نسبة عالية جداً من مجموع مساحة المنطقة «ج» التي تبلغ 3456 كيلومتر مربعاً، وتشكل 61 في المئة من أراضي الضفة الغربية المحتلة.

المنطقة «ج»

ويعرف الجميع أن المنطقة «ج» تعتبر الذخيرة الأساسية لحياة سكان الضفة الغربية ليس بما تحويه من أراضٍ فقط، وإنما بم تحويه أيضاً من مصادر مياه وموارد طبيعية. وتعني سيطرة الكيان على هذه المناطق ومنع الفلسطينيين من استزراعها والبناء عليها حشر الفلسطينيين في بقية الضفة الغربية التي لا تزيد مساحتها على 39 في المئة. وواضح أن الغاية الأساسية من كل هذه الخطوات هي مصادرة مستقبل الفلسطينيين في أرضهم، ودفعهم للهجرة بعيداً عنها. ويكثف الاحتلال عمليات الاستيطان في هذه المنطقة، وخصوصاً بعد اتفاقيات أوسلو في محاولة مكشوفة لمنع قيام دولة فلسطينية، عبر تقطيع التواصل الجغرافي، وعبر توسيع الاستيطان اليهودي وخلق وقائع ديموغرافية جديدة هناك. وتشهد المعطيات على أن الاحتلال نجح في زرع ما لا يقل عن 413 ألف مستوطن في أراضي الضفة الغربية المحتلة من دون حساب 215 ألف مستوطن داخل القدس الشرقية المحتلة ومحيطها.
واعتبرت السلطة الفلسطينية إعلان بينت دليلاً على مواصلة حكومة الاحتلال سياستها الإجرامية ضد الفلسطينيين.
وطالبت الخارجية الفلسطينية مجلس الأمن الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه جرائم الاستيطان المتواصلة والمتصاعدة. وطالبت الأمم المتحدة بالإسراع في اتخاذ الإجراءات العملية الكفيلة بتنفيذ القرار الأممي 2334 الذي ينص على عدم شرعية الاستيطان، ومخالفته للقانون الدولي. وشددت على أن إعلان بينت يسرع مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية كمجرم حرب، وأنها ستتحرك تجاه هذه المحكمة لإفادتها بالمخاطر القانونية المترتبة على إعلان بينت.

وسيلة لحماية الاستيطان

وفي كل حال من الواضح أن تذرع الاحتلال بمصادرة الأراضي والإعلان عنها «محميات طبيعية» أو «قواعد عسكرية» لم تعد تقنع أحداً. فالاحتلال لا يرمي البتة لحماية الطبيعة والبيئة بقدر ما يتطلع إلى حماية مشروعه الاستيطاني على حساب أراضي الفلسطينيين الخاصة ومستقبلهم الوطني على أرضهم. ويعرف العالم أن الكيان يمارس بشكل منهجي سياسة تقييد حركة الفلسطينيين، وتشجيع الاستيطان لخلق وقائع على الأرض يتمنى أن يضطر العالم بعدها للإقرار بها.
لكن، وعلى الأقل، وفق قرار المحكمة الدولية بشأن الجدار العنصري وقرار 2334 الأممي عام 2016 والخشية الناتجة عن احتمال فتح تحقيق في جرائم الحرب الصهيونية وبينها الاستيطان، لا يبدو أن الكيان قادر على فرض موقفه.
تبقى الإشارة إلى أن الورقة الرابحة بأيدي الفلسطينيين في مواجهة منهجية الاستيطان هي استمرار تمسك الفلسطينيين بأرضهم ومقاومتهم لهذا المشروع. وهذا يستدعي قبل كل شيء توحيد الجهود لإنجاز مصالحة فلسطينية توفر أسس الصمود لهذه المقاومة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"