أحمد العسم: جماعة «الشحاتين» آمنت بأن الشعر لا يؤطر

الإبداع ألق لا يتطلب الرتوش
04:02 صباحا
قراءة 4 دقائق

طالما تساءل المتابعون اليوم، عن سبب اختفاء الجماعات الشعرية في الإمارات، وهي ظاهرة كانت موجودة في ذلك الزمن البعيد القريب الذي طالما يوصف بالزمن الجميل، منتصف ثمانينات من القرن الماضي كانت تلك البداية، التي أرخت لمجموعة من الشعراء الذين التقوا على فكرة واحدة، هي فكرة الإبداع والإخلاص لجوهر الشعر بوصفه معادلاً للحب والحياة، كانت ذلك الزمن نقياً وقريباً من هاجس الأحلام التي جاهر بها شعراء تلك المرحلة، المرحلة التي أقل ما توصف أجواؤها بالمناخات النقية التي لم تتلوث بالأنا التي فرقت شمل الأحبة، ولكنها مع ذلك لم تشتت أرواحهم تلك الهائمة في سماء الشعر، والتي لما تزل حاضرة إلى اليوم، ولو في صورة لقاءات شعرية في المنازل والبيوت ومن خلال قراءة المنتج بوسائل الاتصال المعاصرة، كالهاتف و»الواتس أب والفيس بوك» وغيرها.

أحمد العسم مؤسس جماعة «الشحاتين» الشعرية في رأس الخيمة بصحبة عبدالله السبب وماهر العوبد يشير إلى ما سبقت الإشارة إليه بنوع من الحنين، إلى تلك الأيام التي غلبت على مبدعيها روح العمل الجماعي والتفاني في عشق الشعر وجعله منصة عالية يسرح فيها الخيال وتتمسرح فيها الصورة وتتمرأى فيها الفكرة طازجة مبتكرة، كأنها صاعدة من صدفة في أعماق البحر على هيئة بلورة نقية وشفافة وناصعة.

انطلقت فكرة الشحاتين من تلك الحالة الاستثنائية التي جمعت أكثر من شاعر، اتفقوا على بلورة خطاب واع ولا يتبنى مشروعاً آخر سوى الشعر، كانت قصيدة النثر هي العامل المشترك بين عناصر الجماعة، ولأن الذائقة الجمعية لم تكن حينذاك متفقة مع هذا الشكل الجديد، الذي بدا مريباً نوعاً، كما يؤكد أحمد العسم، فقد تم تجاهل الجماعة وعدم نشر نتاجاتها في الصحف والمجلات، غير أنّ هذا المشكل لم يدم طويلاً، بعد إصرار الجماعة على مشروعها، الذي يقع في قلب المسألة الإبداعية والجمالية.
في التسلسل الزمني يتحدث العسم عن نزق محرري الصفحات الثقافية، التي أغلقت سبل النشر أمام الشحاتين، وفي التسلسل الزمني يعود العسم إلى عام 1984 حين كتب قصيدة بعنوان «دعيني وارحلي» يقول فيها:

(لقد كرهت هواك
غدا قد يأتي العيد
فاذكريني أنت
يا من كان العيد يوم لقاك).
بعد مضي مدة يقول العسم «كنت محظوظاً أنا وعبدالله السبب، حين آمن المحرر الثقافي جمعة اللامي بموهبتنا، وقرر نشر بعض مخطوطاتنا في بريد القراء، وكان مسؤولاً حينها عن بريد الموهوبين من الشعراء والقاصين، كانت تلك النقلة - رغم أنها في بريد القراء - يقول العسم - مهمة في تعريف الجمهور ببعض نتاج «الشحاتين»، وواصلنا كتابة مقطوعات شعرية ننشرها هنا وهناك، وفي تلك المرحلة مرت «الشحاتين» بفترات قلقة، يدخلها أعضاء، ثم سرعان ما يخرجون من دون سبب واضح، تحارب من قبل بعض الشخصيات الثقافية والأسماء، ويؤازرها البعض، وممن آزر الجماعة وآمن بمشروعها الذي يتبنى قصيدة النثر يذكر العسم: نجيب الشامسي، الدكتور هيثم الخواجة، الراحل جمعة الفيروز، وجمعة الفيروز كما يؤكد العسم، كان الأكثر تشجيعاً وحماسة، ليس «للشحاتين» فقط، وإنما أيضا لكل التجارب الجديدة التي تتبنى مشروع الكتابة الإبداعية بمستوياتها المختلفة، شعرا وقصة ورواية ونصاً مسرحياً وغيرها.

كان الفيروز، كما يؤكد العسم، صاحب رؤيا مختلفة، آمن بتجربتنا وكان يقول دائما «إذا أردت أن تكتب، فأنت صاحب الشأن، تحرر من الجدار الذي في داخلك».

ويتحدث العسم عن نشر نتاجات المجموعة في مجلات عدة، كمجلة نادي الإمارات، ومجلة نادي الرمس، وعدد من الأندية الأخرى.
الآن، وقد تشتت شمل الجماعة بالمعنى الكياني، أي بمعنى انفراط عقدها كاسم، فثمة قفزة نوعية يعيشها أفرادها الآن، وهي استمرارها كفكرة، فروح الجماعة ما زالت طازجة لدى أفرادها الذين يلتقون في التجمعات، وربما عند شاطىء البحر وفي قمم الجبال، هذا يعني بحسب ما يؤكد العسم أن الجماعة مستمرة كروح تؤمن بالعمل المشترك والجماعي، ومن ذلك تجربة كتاب «مشهد في رئتي».

وعن الإطار العام الذي جمع «الشحاتين»، واستمرارها مدة زمنية معقولة، يوضح العسم أن الفكرة كانت جد بسيطة، ويمكن تلخيصها بعبارة واحدة، «لقد التقينا على ضرورة حتمية الشعر مجلجلاً من دون رتوش، كانت الفكرة لكتابة الشعر هي الأساس، وهذا يعني اتفاق الجميع على جوهر الشعر، رغم اختلافنا عن بعضنا بعضاً في المعالجة النهائية للنص، بمعنى ابتكار الصورة والدلالة، واستشراف المعنى»، ولا أخفيك يؤكد العسم أنّ «ثمة اتفاقاً عاماً عند الجماعة على عدم حصر الشعر في إطار الشكل، أو ما اتفقت الذائقة الجمعية عليه، فالشعر لا يؤطر ولا تحدده أطر أو كليشهات، هو عالم، بل عوالم تحلق في فضاء الحرية التي هي حق مكتسب للشاعر وحده».

وعن علاقة الجماعة مع اتحاد كتاب الإمارات يؤكد العسم أنها كانت طيبة جداً، وكثيراً ما كنت أكتب نصاً ما، وأرسله إلى مجموعة من الكتاب والشعراء المعروفين، من هؤلاء الشاعر حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الذي كان بدوره شاعراً مرهفاً يقدر الإبداع ويتذوقه.

ويؤكد العسم تبني الجماعة خياراً ونهجاً مغايراً يثري الشعر ولا يقف عائقاً أمام تألقه أو دهشته، بعد أن تغيرت المفاهيم، وأصبح بإمكان جمهور الشعر أن يستوعب الجميع، من يتبنى الشعر العمودي والتفعيلة وكذلك قصيدة النثر، وهذه الأخيرة فرضت وجودها بقوة في الساحة الإماراتية، كما هو حالها في الساحة الشعرية العربية بوجه عام.
يستمر العسم في كتابة الشعر متوهجاً بألق تلك اللحظات المغامرة التي انبجست ذات زمن قرب البحر، وعلى مقربة أكثر من شغاف:

(قريباً سأقول
لا كثيراً
كثيراً لا
وتتبعني لا)
{{{
مزدحم رأسي
مزدحم قلبي
الأوراق البيضاء
وقت إضافي
في ملعب فارغ).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"