أوراق ثقافية ... 500 قطعة فنية نادرة للمرة الأولى في معرض الفن الإسلامي

كنوز ونفائس تحتضنها أبوظبي وتختصر 140 عاماً
18:18 مساء
قراءة 4 دقائق

بين كلمات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، التي تزين صفحات كتاب أصفر يحاكي بلون صفحاته أثر يد التاريخ في معروضات معرض الفن الإسلامي، وتقول بتوقيع سموه إنّ معرض فنون الإسلام سجلٌ حافلٌ من الإبداعات والروائع الإسلامية الثمينة، وهو خزين خصب لا ينضب، يحكي لنا تاريخ أمة كان لها باعٌ طويلٌ في بناء الحضارة الإنسانية، وإغنائها علماً وفناً وتراثاً، وكلمات لا تقولها المعروضات نفسها، لكنها تهمس بها في أذن الزائر للمعرض، يقف هذا الأخير مدهوشاً لروعة حدثين اجتمعا في أبو ظبي، حدث استحضار التاريخ العريق في اليوم الحاضر، وحدث الحاضر الذي يؤسس للتاريخ القادم، مستعيداً عظمة المجد العربي الإسلامي الذي مثلته روائع الفنون الإسلامية التي اجتمعت لدى ناصر الخليلي، في مجموعته التي تضم أكثر من عشرين ألف قطعة يعرض منها في المعرض حوالي خمسمائة قطعة فنية نادرة لم يتم عرضها من قبل، تعود إلى العصور الإسلامية الأولى بدءاً بالقرن السابع وصولاً إلى القرن العشرين الميلادي، وتختصر ألفاً وأربعمائة عام من تاريخ شعوب الهند والصين وأفغانستان من الشرق الأقصى، وإيران وتركيا والعراق وسوريا من الشرق الأوسط، ومصر وتونس والسودان من شمال ووسط إفريقيا وإسبانية وصقلية من أوروبا المسلمة.

الكلمات إذن، هي أول ما يرسخ في ذهن متصفح بياض خلفية معرض الفن الإسلامي، كنوز من مجموعة ناصر الخليلي في قصر الإمارات بأبوظبي، وفي البدء كانت الكلمة، الكلمة التي اتخذت لها حيزاً دلالياً وإشكالياً لا شكلياً فحسب، في المساحة الفارغة بين اللون واللون، والبياض والأسود أو الأحمر أو الأزرق الإطار، وقبلاً، في المساحة المتخمة بالأحداث والإرهاصات التاريخية التي شكّلت حيز الذاكرة الجمعية العربية والإسلامية، وكلاهما واحدٌ في التاريخ والحاضر والمستقبل، لتضيء الكلمات عربيةً مكتوبةً بحروف من ذهب وحبر أسود على بياض ورق التاريخ، تستفزه على الحراك، في فعل العلم المبدع على أيدي كبار العلماء العرب والمسلمين الذين نلتقي بعض إبداعاتهم في أجنحة معرض الفن الإسلامي، حاضرين في رسوم تترجم معارفهم وعلومهم، كما في خارطة من كتاب المسالك والممالك للأسطخري، المرسومة في أصفهان بإيران، العام 1306 ميلادي، أو صفحات من كتاب شرح قانون ابن سينا، لقطب الدين محمود الشيرازي، والمخطوطة بالذهب والألوان المائية على الورق، في شمال غرب إيران، وتعود إلى أوائل القرن الرابع عشر الهجري.

والكلمة فعل قراءة وناتجه معاً، تستمد من الخطاب القرآني الشريف قوتها لتسحر الرائي بدلالات بيانها الساحر، وتأخذ بعقول ناظريها والقارئين فيها والمستمعين إلى تلاوتها، وتحضر في الأشكال المتعددة للكتابة القرآنية التي يستعرض معرض الفن الإسلامي تاريخ تطورها رسماً وشكلاً، من العصر الإسلامي المبكر في نماذج تعود إلى القرن الثامن الميلادي، وصولاً إلى العهد العثماني في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العرشين الميلادي.

ويضم المعرض نسخاً للمصحف الكريم، يعود بعضها إلى أكثر من ألف سنة، أو ألف ومائتي سنة على وجه التحديد، ومنها صفحة من المصحف الأزرق، مكتوبة بالخط الكوفي على الرق، من تونس، أوائل القرن التاسع الميلادي، وصفحة من مصحف مكتوبة بالخط الكوفي على الرق، من أواخر القرن الثامن الميلادي، وصفحتان لخاتمة مصحف في مجلد مكتوبتان بالخط النسخي المذهب على الرق، مخطوطة بمدينة بالنسيا في الأندلس العام 1199 ميلادي، وصفحتان استهلاليتان مذهبتان من الجزء الثامن والعشرين لمصحف من ثلاثين جزءاً نُسخ لقطب الدين محمد بن زنكي، حاكم سنجر ونصيبين في الجزيرة بين العراق وسوريا، العام 1198 ميلادي، وغيرها كثير.

ولأن الشعر ديوان العرب، فإن الكلمة الشعرية ماثلةٌ أيضاً في كتابٍ، وعلى صوانية، أو آنية من النحاس، أو المعدن، أو على قطعة من حرير، أو وسادة، أو خزانة أو صندوق خشبي، ونجد مثل ذلك في صفحات معروضة من كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي، مخطوطة بالذهب والألوان المائية في إيران في القرن الخامس عشر الميلادي، وصفحات من ديوان أبي الطيب المتنبي، مخطوطة بالذهب والألوان المائية أيضاً، في ناخجافان في آسيا الوسطى، ويعود تاريخها إلى العام 1313 ميلادي.

ويتأكد لزائر معرض الفن الإسلامي، كنوز من مجموعة ناصر الخليلي، ما للكلمات العربية من حضور في أدوات الاستعمال اليومية في حياة المسلمين في العصور الماضية، على امتداد قطع سجاد قديم، أو غطاء صندوق خشبي عريق النسب، متقن الصناعة، لا تزداد أهميته بشكله فقط، بل بما احتواه من خزائن نفيسة، وما خبّأه من أسرار الحكم والنفوذ، وطبائع القادة والسادة.

بل هي الكلمة تتخذ المشهد التاريخي إطاراً لها في الصورة والمنمنمة، العائدة بالزائر إلى تاريخ مغرق في القدم، أقلّه الخمسمائة عام، إلى العصرين الصفوي والقاجاري في إيران، في شهنامة هوتون، المنسوبة إلى التاجر الذي قسّم المخطوط إلى أجزاء، والمنجزة في تبريز في الأربعينات من القرن السادس عشر الميلادي، في أكثر من مائتين وثمان وخمسين منمنمة وضعها كبار الفنانين والحرفيين في ذلك العصر،

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"