التلوث.. طاعون العصر

01:18 صباحا
قراءة 6 دقائق

أظهرت الأبحاث التي أجريت مؤخراً أن أكثر من 20 مليون حالة وفاة تحدث سنوياً بسبب التلوث، وتقع معظم هذه الوفيات في جنوب وشرق آسيا في بلدان متخلفة، وذلك طبقاً لما ذكره موقع «جاردن أوف ليف» الأمريكي. وأشارت دراسة أخرى أجريت قبل ذلك إلى أن 40٪ من جميع الوفيات في العالم سنوياً ناتجة عن التلوث بشكل أو بآخر.

ومرت على الإنسان العديد من الكوارث البيئية، والتي كانت سبباً في وقوع الكثير من الوفيات، ومن بينها أمراض الكوليرا والطاعون وغيرهما، وشهد تاريخ البشرية أمراضاً وصفت بالفتاكة، بحيث كانت الإصابة بها سبباً في القضاء على قرى ومدن كبيرة.

يعاني العالم في عصرنا الحالي شكلاً جديداً من أشكال الطاعون، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن طاعون العصر الحديث كان مسؤولاً عن وفاة 7 ملايين حالة بالموت المبكر، وهذا الطاعون هو ما يعرف بالتلوث.

وأدت زيادة النشاط البشري، وبخاصة في المجال الصناعي، إلى انتشار ظاهرة التلوث، وتعدد أنواعه ومصادره، فلم يعد مفهوم التلوث قاصراً على تلوث الهواء، بل تعداه إلى أنواع وأشكال أخرى.

ويؤدي تعرض الشخص إلى أي نمط من أشكال التلوث إلى إصابته بأمراض كثيرة، والتي ربما أدى بعضها إلى وفاة من يصاب بها.

ويمكن تعريف التلوث بأنه التغير الذي يطرأ على النظام البيئي الطبيعي، وذلك عبر العديد من الملوثات، والتي يمكن أن تكون طبيعية من تفاعل البيئة نفسها، أو دخيلة من صنع البشر، ويعد النشاط البشري هو السبب الأول في مخاطر التلوث.

وترجع العديد من الدراسات زيادة معدلات الإصابة بالسرطان، وكذلك زيادة أنواعه إلى المواد الكيميائية الاصطناعية والمبيدات والأدوية الزراعية، وهي سبب تلف الخلايا.

وتتعدد أشكال وأنواع التلوث، كتلوث الهواء بالغازات المختلفة وأدخنة المصانع والسيارات، أو تلوث ضوضائي بسبب الآلات وحركة وسائل النقل المختلفة.

ونتناول في هذا الموضوع مشكلة التلوث بكل تفاصيلها، مع بيان أسباب هذه الظاهرة وأنواعها، وكذلك الأمراض المختلفة التي يمكن أن تحدث نتيجة هذه المشكلة، ونقدم طرق الوقاية التي ينصح بها الخبراء والباحثون، وكذلك البدائل الطبيعية التي تمنع حدوث هذه التلوثات.

أنواع عديدة

أضاف الموقع: توجد مجموعة كبيرة من أنواع التلوث، والتي ترتبط بمصدره والقطاع الذي يؤثر فيه، ويأتي تلوث الهواء كأول هذه الأنواع وأكثرها تأثيراً.

ويكون سبب هذا التلوث دخول غازات ضارة للغلاف الجوي، كالأدخنة والغبار، وهو ما يتسبب في تغيرات بيولوجية أو فيزيائية أو كيميائية، وعندما يستنشق أي كائن حي هذا الهواء الملوث يصاب بضرر.

وتتعدد الأسباب وراء هذا النوع، كاستخدام المبيدات الحشرية والأسمدة، وكذلك حرق أنواع الوقود الأحفوري المختلفة، والأدخنة التي تتصاعد من المصانع، والمواد السامة التي تنتج من المفاعلات النووية.

ويلي ذلك تلوث الماء، ويعتبر هذا النوع أكثر الأسباب في حدوث الوفاة حول العالم، نتيجة العديد من الأسباب، ويتلوث الماء نتيجة تغير خصائصه، كزيادة درجة ملوحته، ويمكن أن يتلوث كيميائيا لوجود مواد سامة به، مثل الزئبق أو الرصاص أو متبقيات المبيدات الحشرية، وهو ما يجعله ساماً، ولا يصلح للشرب أو الري.

ومن ملوثات الماء أيضاً اختلاطه بالصرف الصحي، حيث يتم التخلص منه مع مياه الشرب، ومن الملوثات كذلك تسرب النفط إليه.

ضوضائي وضوئي

يتسبب تلوث التربة في أن تفقد خصوبتها، وبالتالي يقل إنتاجها، وتعتبر أهم ملوثاتها الإفراط في استخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية، وتراكم النفايات، وتأثيرات مياه الصرف الصحي.

وتشمل أنواع التلوث كذلك التلوث الضوضائي، أو ما يعرف بالتلوث الضجيجي، والذي يتسبب فيه ارتفاع الأصوات والضجيج، وهو ما لا يحتمله الإنسان، ويسبب له مشاكل سمعية ونفسية.

وتتسبب فيه الأصوات التي تصدر من المصانع والآلات ووسائل النقل على اختلافها، ومكبرات الصوت، والمطارات ومحطات القطارات.

ويعد هذا التلوث من الأنواع الخطيرة في المدن الكبيرة، والذي يسبب الإرهاق والتوتر وتلف السمع الدائم، بالإضافة إلى آلام الرأس واضطرابات النوم، وزيادة مستوى الكولسترول في الدم.

ويمكن أن يصاب الشخص بالتلوث الضوئي، وذلك عند رؤية أضواء صناعية لا يمكنه أن يتحملها، وهو ما يسبب اضطراباًَ في الرؤية.

مشاكل كثيرة

يتسبب التلوث في الإصابة بالعديد من المشاكل الصحية والأمراض، والتي تؤثر في مختلف أعضاء الجسم، بحسب نوع التلوث، وتغير تركيب الهواء بسبب اختلاط الجسيمات الغريبة به، ما يضر بأي كائن حي، وذلك طبقاً لما نشرة موقع «شركة هانيويل» الأمريكية.

وتشمل هذه الجسيمات أكاسيد الكربون والكبريت والنتروجين، والمركبات المشعة، وتنطلق هذه الغازات التي تضر صحة الإنسان من المصانع المنشأة داخل الكتل السكنية، كما أن لعوادم السيارات تأثيراً كبيراً.

وأضاف الموقع: يمكن أن يصاب الشخص بسبب هذه الأدخنة والغازات بسرطان الرئة وسرطان الدرن، وأمراض الكبد والجهاز العصبي وأمراض القلب.

ويعاني الفرد بسبب تعرضه للتلوث الضوضائي، والذي يكون مصدره المصانع والموسيقى الصاخبة ووسائل النقل، التوتر والإجهاد العصبي.

ويصاب بهبوط ذهني وجسمي، ويشكو من طنين في الأذنين، والذي من الممكن أن يصل إلى الصمم في بعض الأحيان، كما أنه يعاني أمراض الجهاز العصبي، وارتفاع ضغط الدم، والاضطرابات العصبية.

أنواع السرطان

يؤدي التعرض لتلوث الماء إلى الإصابة بأمراض الكلى، كالفشل الكلوي والتهابات الكلى، كما يكون الشخص عرضة لسرطانات الجهاز البولي، كسرطان المثانة، ويصاب كذلك بأمراض الجهاز الهضمي.

ويصاب الإنسان بالأميبا، ويصيب الكبد والأمعاء، كما يمكن أن يصاب بالكوليرا، والإسهال، وبخاصة الأطفال، ويتسبب تلوث الماء في الإصابة بالتهاب الكبد والملاريا، وشلل الأطفال.

ويعتبر التلوث الإشعاعي من أخطر أنواع التلوث، والذي يتسبب فيه تعرض الشخص بشكل مستمر للإشعاع، كالأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية، وأشعة الليزر وإكس، والأشعة الذرية.

قائمة الأمراض

تشمل قائمة الأمراض التي يمكن أن يصاب بها الإنسان سرطان الجلد، وأمراض العيون، كالتهاب الشبكية، وفقر الدم والعقم، والحروق والتشوه الولادي.

ويعاني من يتعرض للتلوث الكهرومغناطيسي الصداع والأرق، ويصاب بأمراض الجهاز العصبي، كما أنه عرضة لأمراض الدم وخلل الهرمونات.

ويعد مصدر هذا التلوث الضوضاء اللاسلكية التي تنتج عن الراديو والتلفاز، وشبكات الضغط العالي، وموجات الاتصالات الهاتفية.

إجراءات الأمان

تعد الوقاية هي السبيل الأول لتفادي أمراض التلوث، وإن كانت الوقاية من الآثار السلبية للتلوث تقع في المقام الأول على الحكومات ومؤسسات الدولة، إلا أن هناك بعض الإجراءات التي ربما ساعدت على التخفيف من هذه الآثار السلبية.

ويجب بداية على من تفرض عليهم أعمالهم أو مهنهم التعرض بشكل مباشر لأي نوع من أنواع التلوث الالتزام بإجراءات الأمان الحيوي، كارتداء الكمامات وملابس الوقاية، وغيرها من الأدوات المساعدة.

ويمكن لبعض السلوكيات أن تساعد على الوقاية من التلوث، ومن ذلك عدم التخلص من زيوت الطهي والقلي في أحواض المطبخ، وكذلك عدم سكب مواد التنظيف المنزلية وغيرها من مواد كيميائية في المرحاض، وبصفة عامة عدم استعمال المرحاض كسلة مهملات.

وينبغي التقليل من استخدام المبيدات الزراعية، والحرص على عدم سكبها هي أو المواد الكيميائية الأخري، كزيت السيارات في أنظمة الصرف الصحي، وذلك حتى لا تصل إلى مصادر المياه كالأنهار.

توفير الطاقة

يمكن الحرص على توفير الطاقة، والذي يفيد في تقليل ملوثات الهواء، وذلك بإيقاف أجهزة الحاسب الآلي والتلفاز، عند عدم الحاجة إلى استعمالها، وكذلك استخدام المصابيح الموفرة.

ويفضل استخدام الدهانات المائية أو التي تخلو من المذيبات، لأن المذيبات مواد كيميائية متطايرة، كما ينصح بإغلاق العلب والأوعية الخاصة بها بإحكام، لمنع تطاير المواد الكيميائية. وينصح باستخدام البدائل الآمنة للمبيدات الحشرية والأسمدة النباتية، والتي لا تدخل في تركيبها المعادن الثقيلة، وهي التي ربما كانت سبباً في تلوث التربة والضرر بالإنسان والحيوان.

ويحبذ استخدام المواد القابلة لإعادة التدوير، لأنه يقلل من استنزاف الموارد، كما يقلل من تلوث التربة، وتشمل هذه المواد المواد الزجاجية والورقية القابلة لإعادة التدوير.

ويجب الاعتماد على طرق معالجة النفايات الصحيحة قبل التخلص منها، لأن بعضها يكون قابلاً للتحلل الحيوي، والآخر يحتاج إلى فصله حتى لا يلوث التربة.

معدل الوفيات

أكدت دراسة حديثة أن التلوث وراء مقتل ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، ويكون سبب أغلب الوفيات الأمراض التي يسببها التلوث كالسكتات القلبية وسرطان الرئة والدم.

وقال الباحثون إن أغلب هذه الوفيات التي تحدث بسبب التلوث - وهي أكثر من 90% - تحدث في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، في حين أن 25% من إجمالي الوفيات في الدول التي تنمو صناعياً يرتبط بالتلوث، ومن أمثلة هذه الدول الصين والهند. وأكدت أن الهواء الملوث كان أكبر الأسباب وراء الوفيات، حيث أسفر عما يزيد على 6 ملايين حالة وفاة، وأتت المياه في المرتبة الثانية حيث يؤدي تلوثها إلى انتشار أمراض الجهاز الهضمي والعدوى الطفيلية، وهو الأمر الذي تسبب في وفاة أكثر من 1.5 مليون شخص.

وسجلت الدراسة أكبر عدد من الوفيات بسبب التلوث في الهند، حيث مات نحو 2.5 مليون شخص، ثم الصين، والتي توفي بها 1.8 مليون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"