السعادة تصنعها تفاصيل صغيرة

تولد شعوراً بالرضا والأمل
00:16 صباحا
قراءة 6 دقائق
تحقيق: هديل عادل

ليست الأشياء العظيمة والإنجازات الكبيرة، هي وحدها التي تصنع الفرح في حياتنا، وتدخل البهجة إلى نفوسنا، فلو التفتنا إلى الأمور الصغيرة التي نعيشها في يومياتنا، لوجدنا أنها يمكن أن تكون سبباً في سعادتنا إذا لم نتجاوز عنها، وتفاعلنا معها بطريقة إيجابية، ولو كنا ممن يعتقدون أن السعادة التي ننتظرها مرتبطة فقط بإنجازاتنا الكبيرة وأحلامنا، التي لم تتحقق بعد، يجب أن نتخلى عن هذه القناعة، التي تفقدنا لذة الحياة ومتعتها، وتبقينا في حالة انتظار أحلام قد لا تتحقق، ولو تحققت قد نتفاجأ بأن سعادتنا بها جاءت منقوصة لسبب ما، وفي أحسن الأحوال عندما تكون فرحتنا بإنجازاتنا العظيمة كبيرة، فإننا نكون قد حرمنا أنفسنا من متعة أشيائنا الصغيرة، التي لا تقل أهمية عن سعادتنا بإنجازاتنا العظيمة.
تبحث هدى محمد، (معلمة) عن السعادة في حياتها، فتجد أنها كانت قليلة ونادرة، وتقول: «إن السعادة رزق من الله»، وتحاول أن ترضى بحياتها، رغم معاناتها التي لا تنتهي، مضيفة: لا أذكر أنني شعرت بالسعادة المطلقة في حياتي، دائماً ما كانت المنغصات تحاصرني وتسرقها مني، وكلما انتظرتها مع تحقيق إنجاز مهم في حياتي أو في حياة أبنائي، تأتي فرحتي منقوصة، لظروف خارجة عن إرادتي، وهذا لا يعني أنني أستسلم لهذه الظروف، ولكنها أحياناً تكون أقوى مني، وأجد نفسي في أكثر الأوقات التي يجب أن أكون فيها في قمة فرحتي، أتألم وأشعر بحاجة ملحة للبكاء، ومرت السنوات وتخرج أبنائي في الجامعة وتزوجوا، وأنا في انتظار الفرحة الحقيقية، واليوم صرت أبحث عن هذه السعادة مع أحفادي، الذين أنسى معهم همومي وآلامي.

وتتحدث جيهان سرحان (تربية رياضية) عن علاقتها بالسعادة، قائلة: السعادة بالنسبة لي مقترنة بالرضا، إيماناً ويقيناً بالآية القرآنية «ولسوف يعطيك ربك فترضى»، فأنا مؤمنة أن الإنسان إذا كان لديه تسليم مسبق بالقضاء والقدر، فإنه سيشعر بالمعني الحقيقي للسعادة، ويتذوق لذة الشعور بالرضا وحلاوته، أما عن نفسي فإنني أتعامل مع الحياة بنظرة إيجابية تحقق لي أهدافي التي أتطلع إلى تحقيقها، ولكني في نفس الوقت لا أربط سعادتي بتحقيق أهدافي فقط، فتجدني أضع لي هدفاً يومياً بسيطاً، أسعد بتحقيقه، وأكون في قمة سعادتي عندما أشعر بأنني أرضيت الله في سلوكياتي، وسعادتي لا توصف عندما أتشارك مع زوجي أدق تفاصيل حياتنا، أو يستحسن زوجي وأبنائي طبق طعام أعددته بيديَّ لهم، وأثنوا عليه بعبارات إعجاب شديدة، وفي أحد الأيام كان سر سعادتي أنني حصلت على ترقية، وكانت سعادتي لا توصف عندما شهدت شهادة حق وقت سؤالي عن أحد الأشخاص، وهذه الشهادة غيرت مجرى أمور كثيرة، وإلى جانب هذه التفاصيل الصغيرة، يبقى شعوري بأنني موجودة في هذه الحياة، ومشاركة في عملية البناء، وأنني أضع رأسي على وسادتي في آخر اليوم، وبدني معافى وأولادي ومن أحب بخير، كل ذلك يعني في نظري قمة السعادة والحمد لله.

أحرص على التغيير

وتعتبر تجربة أم خالد درساً عملياً لكل من يعتقد أن السعادة مرتبطة فقط بالأشياء العظيمة والإنجازات الكبيرة، تقول: لا أحب الحياة الروتينية، وأحرص على التغيير في معظم تفاصيل حياتي ومنها ديكور منزلي ومظهري الخارجي ويومياتي..إلخ، ومع كل تغيير أقوم به، أشعر بالتجديد والانبساط، كما أنني من محبي الرحلات والتنزه مع أفرد عائلتي وصديقاتي، وكلما كان الجو جميلاً أو سمعت بافتتاح إحدى الفعاليات الترفيهية في أحد الأماكن، انطلقت إليها، ولعل هذه السلوكيات كانت تحقق لي السعادة التي أبحث عنها، ولكني كنت دائماً قلقة بشأن مستقبل أبنائي، وانتظر تحقيق أحلامي التي ستجلب لي السعادة الحقيقية في نظري، وأهم أحلامي كانت بناء بيت كبير أضع عليه لمساتي الخاصة، وتخرج أبنائي من الجامعة وزواجهم، وكثيراً ما تخيلت نفسي وأنا في قمة سعادتي في حفل زفاف ابني أو ابنتي، ولكن شاءت الأقدار أن أصاب بمرض عضال قبل أن أعيش هذه اللحظات، وعندما تزوج معظم أبنائي، كنت حاضرة معهم في حفلات زفافهم بجسدي المنهك فقط، إذ إنني لم أكن قادرة على مشاركة أبنائي فرحتهم ومجاملة ضيوفي، الذين كنت أرى في أعينهم نظرات الألم، وكانوا هم من يخففون عني آلامي، وفي هذا لا أقول سوى الحمد لله، الذي ما أخذ منك إلا ليعطيك، وما أعطاك إلا ليأخذ منك.

واختلفت نظرة ياسمين يوسف (إدارة تقنية معلومات)، لمفهوم السعادة بعد لحظة فارقة في حياتها، شعرت من خلالها بالمعنى الحقيقي للسعادة، تتحدث عنها، قائلة: قبل سنوات كنت أسعد بإنجازاتي الكبيرة والأمور البسيطة أيضاً، ولكن كان ذلك يحدث بتلقائية ومن دون إدراكي لأهمية التفاصيل الصغيرة في تحقيق السعادة لنا، ولهذا كانت تمر الكثير من التفاصيل الصغيرة من بين يدي بدون أن أشعر بتأثيرها الإيجابي في حياتي، ولكن بعد سماعي محاضرة للدكتور إبراهيم الفقي (رحمه الله)، عن السعادة، عرفت وتأكدت أن السعادة هي قرار شخصي ينبع من قناعة الإنسان، وأصبحت أسعد بأقل وأبسط الأمور في حياتي اليومية، وليس شرطاً بالنسبة لي أن تكون فرحتي سببها إنجازاتي الكبيرة، ومن خلال تجربتي الشخصية والتغيير الإيجابي الذي شعرت به في حياتي، بعد أن أدركت المعنى الحقيقي للسعادة، فإنني أؤيد وبشدة فكرة ربط الفرح والسعادة بأبسط الأمور والإنجازات في يومياتنا وحياتنا، لأننا في ظل سرعة الأحداث وانشغالاتنا الكثيرة، نحتاج إلى الشعور بالسعادة والأمل الذي يساعدنا على الاستمرارية، وإلا ستصبح حياتنا بلا لون ولا طعم، وسنتحول إلى آلة، ومن أعظم ألوان السعادة في وجهة نظري الرضا بما قسمه الله لنا، والإيمان بأن السعادة هي نعمة من الله، يجب أن نحافظ عليها.

يومياتي لا إنجازاتي

ترجع آيات عمر «صيدلانية»، الفضل في شعورها بالسعادة إلي يومياتها، وليس إنجازاتها حتى المهمة منها، قائلة: أنا إنسانة أحب المرح والاستمتاع بوقتي، وأحب أن أقوم بالأعمال والسلوكيات التي تجلب لي ولغيري الإحساس السعادة، ولأني امرأة عاملة، فلا شك أن يومي مزحوم بمهام العمل وواجباتي العائلية، ولكني دوما حريصة على إضافة لمساتي الخاصة على يومي ومحيطي، من خلال نشر البهجة وأجواء الفرح في المكان الذي أتواجد فيه.

وتسعدني تفاصيل كثيرة في يومياتي، تبدأ من لحظات انتقاء ملابسي التي سأرتديها، وحين ألمس أو أسمع إطراء من أحدهم علي، وعندما أرى تقديراً أو إشادة من مديري على عمل قمت به، وتكون سعادتي كبيرة عندما أرى التقييم المدرسي لابتني متميزاً، نتيجة ساعات طوال من الجد والاجتهاد، وأحب أن أشارك في حل مشاكل المقربين مني، ومن أسعد أوقاتي عندما أنجح في إنزال وزني والمحافظة على لياقتي.

هند الدهمان: نحن من يزرعها

ترى الاختصاصية النفسية هند الدهمان، أن منظور الإنسان للسعادة أهم عوامل إيجادها والشعور بها، قائلة: السعادة لا تهبط علينا من السماء، بل نحن من يزرعها في داخلنا، ومن كان ينتظر الحصول على كل شيء ليصبح سعيداً، لن يحصل على السعادة في أي شيء، لأن القناعة من أهم أسباب شعورنا بالسعادة، فهي تجعلنا راضين بما نحن عليه، كلما نظرنا إلى من هم أقل منا في النعم، ومن هم أكثر منا في البلاء، ويخطئ الكثيرون حين يعتقدون أن السعادة هي ألا تمر بالآلام، وألا تواجه الصعاب، بل السعادة في أن تحافظ على رباطة جأشك وتفاؤل قلبك، وأنت تواجه الصعاب والآلام.

وتضيف: تعتبر السعادة مطلباً ورغبة وحاجة أساسية يبحث عنها الجميع، ويتمنى تحقيقها في حياته، وكل إنسان له نوع خاص من السعادة، حسب ما يراها ويريدها، ولكنها في المعنى العام لها، شعور بالبهجة والاستمتاع، ولا شك أنه لكل إنسان طريقته في تحفيز أحاسيسه للشعور بالسعادة والوصول إليها، والإنسان بطبيعته يربط شعوره بالسعادة بتحقيق أهدافه.

وتوضح الاختصاصية النفسية آلية البحث عن السعادة، قائلة: إلى جانب شعورنا بالسعادة عند تحقيق أهدافنا، فنحن مطالبون بالبحث عن مصادر مختلفة ومتجددة للسعادة، إذ لا يجب أن نربط شعورنا بالسعادة فقط بتحقيق أهدافنا مهما كانت أهميتها بالنسبة إلينا، لأن السعادة الحقيقية مرتبطة بشعورنا بأننا بصحة جيدة، وبأننا قادرون على تلبية احتياجاتنا، أو بوجود عاطفة في حياة الشخص، وانشغاله بعمل منتج أو نشاط يحبه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"