السكن والطريق إلى العمل مرضان مزمنان

يقطعون آلاف الأميال يومياً بسبب غلاء الإيجارات
18:35 مساء
قراءة 4 دقائق
التوجه الى العمل والعودة منه رحلة عذاب يومية يتعايش معها من اجبرتهم أزمة غلاء الايجارات على الإقامة في مدينة غير التي يعملون فيها. والواقع يقول إن هناك الآلاف يقيمون في عجمان والشارقة وأم القيوين ويعملون في أبوظبي ودبي. وإذا كان الدوام 8 ساعات يومياً فالوقت الذي يقضيه هؤلاء على الطرق ذهاباً وإياباً يفوق ذلك بكثير. ويؤكد الذين يسافرون يومياً أميالاً طويلة الى أعمالهم، ثم العودة الى اسرهم في نهاية الليل على المعاناة الشديدة التي يعيشونها بسبب السفر، ووصل الحال بهم الى التعرض للاصابة بالأمراض النفسية والجسدية التي قربتهم من الشيخوخة سواء بسبب رعب هذه الرحلة اليومية الاجبارية أو البعد عن الأهل. في هذا التحقيق نرصد معاناة البعض من هؤلاء:د. اشرف عبدالمعز موجه تربية رياضية بالمنطقة التعليمية الغربية بأبوظبي، ويقيم بأسرته في أم القيوين يؤكد أنه جاء من غربة الى غربة، وان امنيته في الحياة أن يكون بجانب أسرته، مشيراً الى أنه حصل على موافقة وزارة التربية والتعليم بالنقل الى منطقة الشارقة التعليمية، إلا أنه لم يوفق بسبب تأخره في المواعيد المحددة للنقل.وقال إن سبب أزمته والكثير من زملائه تكمن في أن المنطقة الغربية بأبوظبي لا يتوافر بها مساكن حكومية خاصة بالمدرسين واسرهم، ولكن يوجد بها سكن للعزاب فقط، موضحاً أن المنطقة التعليمية بأبوظبي وعدت بتوفير سكن للأسرة خلال العام الدراسي المقبل. وأكد على أن كل من يعمل في المنطقة الغربية لا يجد سكناً لأسرته، وأنه ليس الحالة الوحيدة، انما هناك حالات عديدة تعاني من المشكلة نفسها، لافتاً الى أن بعده عن اسرته له تأثير كبير في حالته النفسية، وفي الاسرة، وبخاصة الأولاد، الذين يرى الدموع في عيونهم وقت سفره. 10 سنوات يوسف عيد مدرس تربية موسيقية بمدرسة سعيد الخضري بعجمان يؤكد أنه كان يقطع يومياً مسافة تزيد على 180 كيلومتراً، ليصل الى عمله في المنامة، ثم العودة الى عجمان لمدة عشر سنوات رغم مرضه، مشيراً الى أنه تقدم بطلب الى الوزارة لينقل الى عجمان التي يسكن فيها مع اسرته، وانتظر فترة طويلة حتى ظهرت شواغر في مدرس التربية الموسيقية مما ساعد في نقله الى مدرسة سعيد الخضري التي يعمل فيها حالياً.وأوضح ان فترة العشر سنوات التي قضاها في الذهاب الى عمله في المنامة، والعودة الى السكن في عجمان كانت شاقة عليه، لأنه كان يستيقظ قبل الفجر، ويتناول طعام الافطار في الطريق، لافتاً الى أن الطريق كان صعباً خاصة في أيام الشتاء، بسبب الضباب الذي كان يغطي الطريق ومشاهدته لحوادث يومية أثرت في حالته النفسية، لشعوره بأنه مقبل على الموت. وقال إن تلك الفترة اثرت في اسرته التي لم يكن يراها إلا نادراً، لأنه كان يفضل النوم في الاجازة الأسبوعية من الارهاق والتعب، موضحاً أنه طوال تلك الفترة لم يسمح لنفسه أبداً بأن يتأخر عن مواعيد العمل ولو دقيقة واحدة، وأدى واجبه تجاه الطلاب بأمانة واخلاص، لأن التدريس مسؤولية كبيرة. أزمة نفسية م.ح مدرس رياضيات يسكن مع اسرته في أم القيوين ويعمل في إحدى مدارس مزيدع بعجمان يقول إنه يسافر يومياً ما يقارب من 200 كيلومتر وأن الوقت الذي يقطع فيه تلك المسافة يصل الى الساعتين، مؤكداً أنه يستيقظ يومياً عند الرابعة فجراً، ويخرج من البيت قبل أذان الفجر، مما سبب له ارهاقاً شديداً، وبمجرد وصوله الى المدرسة يبدأ في التفكير في رحلة العودة.وأشار الى أن تلك الرحلة اليومية اثرت في نفسيته وفي اسرته، خاصة ابنه وابنته في مرحلة المراهقة، ولم يعد يستطيع التواصل معهما، ومتابعتهما، انحصرت حياته بين العمل والنوم، لدرجة أن معظم افراد أسرته تناسوه ولم يعد أحد منهم يشركه في مشاكله، مما يشعره بأزمة نفسية شديدة. صداع المهندس علاء الطناحي يسكن في عجمان ويعمل بإحدى شركات المقاولات في أبوظبي يسافر يومياً من عجمان الى أبوظبي، وإن السفر يستهلك من وقته ما يزيد على ثلاث ساعات، لافتاً الى أن الميعاد الذي يتوجب عليه الحضور فيه الى العمل هو الثامنة صباحاً، مما يجعله يستيقظ من النوم في الرابعة صباحاً حتى ينهض برفقائه الذين يذهبون معه، مما أدى الى ارهاقه بدنياً، لدرجة ان الطبيب نصحه بالراحة التامة لمدة تزيد على 15 يوماً عندما شعر بالصداع الذي لازمه مدة طويلة، ويتعاطى المسكنات بناء على أوامر الطبيب.وأضاف: أنه يعاني من تعب نفسي شديد، لدرجة أنه يفكر في العودة الى بلده، لاحساسه بأنه ينتحر بطريقة غير مباشرة في عمله. وأضاف: أن اسرته المكونة من طفل وطفلة لم يعد يلتقي بهم إلا في الاجازة الاسبوعية يوم الجمعة، لأنه يذهب للعمل والاسرة نائمة، ويعود وطفلاه يغطان في نوم عميق. وأكد أنه يشعر بأن قدرته على العطاء لم تعد كما كانت رغم صغر عمره، إلا أن العمل تحول الى آلية شديدة له ولبقية الزملاء، لدرجة أن الجميع يبدأ بعد منتصف اليوم في النظر الى الساعة ليحسب الوقت المتبقي على خروجه من العمل، مشيراً الى أن رحلة العودة من أبوظبي تكون لها مخاطر لأن الجميع يكون تحول إلى شبه انسان، ولم يعد يذكر أي شيء، وتتحول الرحلة الى ما يشبه الحلم، مما يعرضهم الى مخاطر الطريق.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"