السودان.. المخاض العسير

03:43 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.أميرة محمد عبدالحليم*

لم يرغب المتظاهرون في السودان عندما اعتصموا أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في بداية شهر إبريل الماضي في تولي مجلس عسكري السلطة، بل كانت محاولة للحصول على دعم المؤسسة العسكرية ووقوفها إلى جانبهم على غرار ما شهدته الاحتجاجات في الجزائر، وبالفعل انحازت القوات المسلحة السودانية للمحتجين وأطاحت بحكم الرئيس عمر البشير، بل وأخضعته للتحقيق والمحاسبة على قضايا تتعلق بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

إلا أن العلاقات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى المعارضة وتحديداً «تحالف الحرية والتغيير» وهو الفصيل الرئيسي في الاحتجاجات يشوبها التشكك والحذر وانعدام الثقة، فقد عبر الدعم الذي قدمته القوات المسلحة السودانية للمتظاهرين وتنفيذها مطالبهم، وتأكيدها عدم استخدام القوة لفض الاعتصام المقام أمام مبنى القيادة العامة، عن نجاح الثوار في السودان في تنفيذ مطالبهم ما أعطى مزيداً من الثقة لقوى المعارضة والقدرة على تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي يؤدي إلى إقامة حكم مدني معبر عن الأطياف كافة المكونة للشعب السوداني.
لكن الخلافات التي سرعان ما أصابت العلاقات بين المجلس العسكري وقوى المعارضة، تؤكد أن الطريق نحو تحقيق مطالب الثوار في السودان لن يكون سهلاً، في ظل عدم الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير حول ركائز المرحلة الانتقالية القادمة، فقد اتفق الجانبان على تشكيل مجلس سيادي مدني يحل محل المجلس العسكري الانتقالي، يضم مدنيين وعسكريين، إلا أن نسب التمثيل وصلاحيات المجلس تواجه اختلافات في الرأي بين الجانبين، فقد أمهل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي المجلس العسكري 60 يوماً لترتيب نقل السلطة للمدنيين في السودان، حتى لا تقع على السودان عقوبات من المنظمة القارية، التي ترفض- وفقاً لقانونها التأسيسي- تغيير السلطة بالقوة.
وكانت قوى إعلان الحرية والتغيير قد قدمت «وثيقة دستورية» للمجلس العسكري الانتقالي، تشكل رؤية متكاملة حول صلاحيات ومهام المؤسسات خلال الفترة الانتقالية، لكنها لا تتحدث عن أعضائها. وتطالب قوى الحرية والتغيير ب«مجلس رئاسي مدني»، يضطلع بالمهام السيادية خلال الفترة الانتقالية، و«مجلس تشريعي مدني»، و«مجلس وزراء مدني مصغر» من الكفاءات الوطنية، لأداء المهام التنفيذية.
ومن أبرز البنود التي تضمنتها الوثيقة، وقف العمل بدستور 2005 الانتقالي، وتحديد فترة انتقالية لمدة أربع سنوات، وإلى جانب تشكيل مجلس سيادي لإدارة شؤون البلاد، تشكيل مجلس تشريعي انتقالي يتألف من 120 إلى 150 عضواً. ونصت الوثيقة أيضاً على جعل إعلان حالة الطوارئ في يد مجلس الوزراء فقط دون أي جهة أخرى.
كما نصت على اختيار وزراء الفترة الانتقالية وأعضاء المجلس التشريعي بواسطة قوى الحرية والتغيير «على أن يراعى تمثيل القوى المشاركة في التغيير».
كما تريد قوى الحرية والتغيير أن يتألّف المجلس المشترك من 15 مقعداً من غالبية مدنية مع سبعة مقاعد للعسكريين على أن تكون للمجلس قيادة مدنية، وتعهدوا بالاستمرار في الاعتصام أمام مقر الجيش حتى تلبية مطالبهم.
على الجانب الآخر، يرغب المجلس العسكري الانتقالي في تكوين مجلس سيادي يتألف من عشرة مقاعد، سبعة منها لممثلين للجيش وثلاثة للمدنيين. وأعلن مسؤول عسكري كبير أن رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح برهان سيترأس المجلس السيادي.
وكان المجلس العسكري الانتقالي الحاكم قد عقد جولة ثالثة من المحادثات مع تحالف الحرية والتغيير يوم الاثنين 29 إبريل الماضي، لكن الجانبين لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن تشكيل المجلس الحاكم الجديد.
كما تشكلت لجنة للوساطة بين المجلس العسكري وقوى «إعلان الحرية والتغيير» من شخصيات وطنية ورجال أعمال وصحفيين، أبرزهم الخبير الإعلامي محجوب محمد صالح، ورجل الأعمال، أسامة داود. وصرحت مصادر في لجنة وساطة، أن اللجنة قدمت مقترحاً تضمن تشكيلة «المجلس السيادي‎» مكوناً من ثلاثة عسكريين وسبعة مدنيين بقيادة رئيس المجلس العسكري الانتقالي. كما تضمن المقترح تشكيل مجلس «الأمن والدفاع القومي» مكوناً من سبعة عسكريين وثلاثة مدنيين هم: رئيس الوزراء، ووزيرا المالية، والخارجية.
ففي محاولة الوصول إلى توافق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير قدمت لجنة الوساطة اقتراحاً يهدف إلى إقامة مجلسين انتقاليين أحدهما سيادي مدني وآخر عسكري، كذلك قدم الوسطاء حزمة من الاقتراحات حول كيفية عمل الهيئات التنفيذية والتشريعية خلال المرحلة الانتقالية.
وأوضح المتحدث باسم المجلس العسكري شمس الدين الكباشي أن المجلس تلقى مبادرة من لجنة الوساطة لكنها غير مكتوبة، وهي مرحب بها.
وأمام التشكيك والحذر المتنامي بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الذي قدم بدوره وثيقة للحل، يظل المشهد في السودان يحمل الكثير من التكهنات والمخاوف حول مستقبل التغيير، في الوقت الذي تستمر القوى الاحتجاجية في اعتصامها أمام مبنى القيادة العامة للجيش حيث وعدت جماعات المعارضة بمواصلة الاعتصام خارج وزارة الدفاع حتى تلبية مطالبها، مشددة على ضرورة أن تكون هناك قيادة مدنية للمجلس الحاكم، وتنضم إليها باستمرار قوى داعمة جديدة من الشعب، فقد شارك متظاهرون قدموا من إقليم دارفور يوم الجمعة 3 مايو الجاري وطالبوا المجلس العسكري الانتقالي بتسليم السلطة لشخصيات مدنية.
وفي الوقت الذي أكد المتحدث باسم المجلس العسكري، شمس الدين كباشي، في مؤتمر صحفي إنه تم الاتفاق مع قوى إعلان الحرية والتغيير، على فتح بعض الطرق المحيطة بالاعتصام للتيسير على المواطنين. نفى تحالف قوى الحرية والتغيير وجود أي اتفاق مع المجلس العسكري على فتح بعض الجسور ورفع الحواجز من الطرق في أماكن الاعتصام في الخرطوم أو الأقاليم.
كما لا يتوقف الأمر عن تحقيق التوافق بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف قوى الحرية والتغيير، حيث من المتوقع أن تثير بعض بنود الوثيقة الدستورية المقدمة من قوى الحرية والتغيير للمجلس العسكري بعض الخلافات مع قوى المعارضة الأخرى ومن هذه البنود تحديد الفترة الانتقالية بأربع سنوات، الأمر الذي لا توافق عليه قوى سياسية أخرى خارج قوى الحرية والتغيير. كما أن البند المتعلق بتكوين مجلس سيادي انتقالي دون تحديد كيفيته، قد يكون مثاراً للخلاف، وكان الصادق المهدى زعيم حزب الأمة المعارض قد أعلن رفضه للوثيقة التي قدمتها قوى الحرية والتغيير للمجلس العسكري.
ولا يزال المشهد في السودان يثير الكثير من السيناريوهات غير المحسومة فيما يتعلق بتشكيل وإدارة المرحلة الانتقالية، وما يمكن أن يظهر من مواقف جديدة للمجلس العسكري الانتقالي وكذلك لقوى المعارضة المختلفة سواء المنضوية في الاعتصام أم التي لم تشارك حتى الآن.


*خبيرة الشؤون الإفريقية مركز الأهرام
للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"