الشارقة.. قلب ينبض بالتراث الإنساني

«الأيام» حدث عالمي تتواصل نجاحاته
01:46 صباحا
قراءة 5 دقائق
الشارقة:«الخليج»

بين الماضي والحاضر واستشراف المستقبل، وبين أطفال اليوم وجدّات وأجداد الأمس، وتلك الفرحة المشتركة ومسيرة يوم التراث العالمي التي انطلقت من الشارقة بمشاركة 10 دول عربية وآسيوية وأوروبية، تحيي الإمارة كل عام أيامها التراثية.
هذه الأيام، التي يتخللها اليوم العالمي لإحياء التراث برعاية «اليونيسكو»، أصبحت عالمية، وعاماً بعد آخر تحصد إعجاب وحضور ومشاركة الكثيرين من أبناء الدولة والضيوف من مختلف الجنسيات.
كل العالم يتابع ويعرف قدر الشارقة وأهلها وعشقهم للتراث والأدب والفنون، جنباً إلى جنب مع الحداثة والتطور، وكل ذلك وفق فكرٍ سديد وخطة مدروسة ومنهاج عملٍ فريد تؤمن به الإمارة وتعمل وفقه لتكون العلامة الفارقة في معادلة التراث والحداثة، والأصالة والمعاصرة.
أيام الشارقة التراثية يقف خلفها بالتوجيه والدعم منذ انطلاقتها قبل أربعة عشر عاماً صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مؤمناً بأن الحداثة يجب أن تكون منضبطةً بميزان الأخلاق والقيم.
وشرح سموه ذلك في كلمته الضافية أمام ضيوف المنتدى الدولي للاتصال الحكومي الذي ينظمه مركز الشارقة الإعلامي عندما استعرض سموه ما كتبه المفكرون عن التقدم والتطور وما يتبعهما من تلوث في الأخلاق والقيم قائلاً: «إذاً ، نحن أمام مشكلة، وهذه المشكلة تكمن في.. إذا تقدمنا.. حطمنا الأشياء الثانية، ربما تضيع الأخلاق، تضيع المبادئ، وكثير غير ذلك، ما هو ملموس، وغير ملموس، من تلوث في الأجواء، في المجتمع، تجربة الشارقة.. هذه الإمارة الصغيرة، بطموحها الكبير، وَضعتُ لها خطةً.. ليست خطة من الأهواء، وليست خطة من عاطفةٍ.. هي خطة علمية مدروسة، ميدانها التقدم العلمي والتقني، مرفود من كلا الجانبين، بالتقدم الأخلاقي والتقدم الاجتماعي، وكأنهما جناحان لهذا التقدم. والتطورُ في هذا التقدم يأخذُ سنين».

هذا الحوار الإنساني العالمي لا يزال يتواصل بين الأصالة والتراث، والحداثة والتقدم، وما توفره القيم والأخلاق من سدٍ متين، ليكون ما تعمل به الشارقة من توازنٍ عميق، أهّلها لتصبح علامة فارقة في الاهتمام بالثقافة والمعرفة والتراث، ونقطة ضوء مميزة وسط كل الإرث الحديث من الحضارة الإنسانية المتطورة، انطلاقاً من فهم سموه المتعمق للتاريخ والشعوب ومعايشة تجارب الواقع، ليقدم سموه منهاجاً أصيلاً للتطور والتقدم.
كل ذلك تنقله الشارقة عاماً بعد آخر، بالتركيز على تلك التجارب الإنسانية الكبيرة لأهلنا في الماضي، وكيف كابدوا الصعاب وجابهوا المحن للوصول إلى ما عليه اليوم من تطور وتقدم.

كل ذلك تطرحه الشارقة عبر دعمها اللامحدود لبرامج التراث داخل الدولة وخارجها خلال أيامها المميزة والمتطورة عاماً بعد آخر، لتقدم للصغار والجميع، كل القيم التي آمن بها الكبار، وعملوا بها، ليصلوا إلى طريق الخير والتطور والنجاح، متسلحين بفكرٍ سديد وبهويتهم الأصيلة وتراثهم الغني.
هذا العام، اختير شعار «بالتراث نصون الطبيعة»، وهو يترجم كل الجهود التي عملت عليها الشارقة طوال سنين، لتحصد ثمارها من العمل على تنمية الإنسان وترقيته وتطوير شخصيته اعتماداً على الاهتمام بالتعليم والثقافة والمعرفة التي تشكل التراث القلب النابض لهم، كونها تشير إلى الهوية الخاصة التي تميز إنسان هذه الأرض الطيبة الولود والودود. التراث يصحبه اهتمام غير عادي بالطبيعة والبيئة، وهما من أكبر اهتمامات الشارقة منذ وقت طويل، لا تنازعها فيه مدينةٌ أخرى، اهتمام جعل الشارقة مقراً ثابتاً للبيئة النظيفة والطبيعة والثقافة والتراث، وهي مفردات الهوية المميزة.

عبد العزيز المسلم، رئيس اللجنة العليا المنظمة لأيام الشارقة التراثية،قال: هذا العام أضفنا إلى خريطة فعالياتنا أسابيع التراث العالمي، وجائزة الشارقة للتراث، ومجلة الموروث، ومكتبة الموروث، وغير ذلك الكثير، فالاهتمام بالتراث أصبح هدفاً وطنياً وإنسانياً في الإمارات. أن يبقى الاهتمام بالتراث والهوية هدفاً وطنياً وإنسانياً، يعني أن التنمية تنطلق من قاعدة متينة من القيم والأخلاق التي كانت الأساس القوي لإنسان هذه الأرض، ولتبقى القيم منهجاً عاماً، وخطةً مدروسة تنقل حصاد وخلاصة الماضي إلى أبناء اليوم، وخطة مدروسة طريقها العز والفخار وميدانها العلم والهوية، والثقافة والإنسان المثقف ببيئته ووطنه.

أيام الشارقة التراثية عنوانها الواسع العريض فرحة الصغار قبل الكبار، فرحةٌ مشتركة مكانها ملتقى الأيام.
عندما تدلف إلى مقر أيام الشارقة التراثية، تتلقاك فرحة الصغار وهم يجوبون كل الأركان، تجدهم الأكثر عدداً والفرحة تغمر أعينهم البريئة بوجودهم هنا، وسط هذه البيئة الطبيعية الحقيقية بكل ما تضمه.

تدلف إلى ركن الحرف اليدوية فتجدهم يتفحصون ويحاولون تجربة الأدوات، وسؤال المشرفين، ويقدمون تعليقات تمجد فكر وقوة شكيمة الأجداد على ما اخترعوه.

تغادر إلى أقسام ومعارض الدول الخليجية المشاركة، فتجدهم هناك، ينظرون ويتأملون، وربما يسألون أسئلة عن التشابه الكبير بين العادات في هذه الدول.

وفي حلبة العروض التراثية التي تستضيف الفرق المحلية والعربية والعالمية التي تقدم عروضها يومياً، تجد الأطفال فرحين، بل ومشاركين. تجدهم في عروض العيالة والنوبان والليوا والحربية وفن الآهال والفنون الجبلية وزفة الحنة وفني الإنديما والدان، وفي عروض الفرق المقدونية ضيفة الأيام للمرة الأولى.

قرية الطفل بأيام الشارقة التراثية، قدمت العديد من الورش التدريبية التي شهدت مشاركة كبيرة من الأطفال من مختلف الأعمار.

هذه الورش المفيدة تزامنت مع عروض مسرح قرية الطفل، والمكتبة وتعليم الخط، والمسابقات، والألغاز التراثية. من أجمل ما يستمتع به الأطفال، ويوضح الرؤية المتعمقة للقائمين على أمر «الأيام»، قيام السوق العربية لفنون العرائس والفرجة الشعبية. السوق يتضمن عدداً كبيراً من الفعاليات تتنوع ما بين الأراجوز وعرائس القفاز الكبيرة، وعرائس التدوير، وعرائس الفم والعرائس الإلكترونية والورقية والصقلية وخيال الظل والأقنعة وعرائس العصا والخيط والطاولة، إلى جانب ركن مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، والعروض الخاصة من مختلف المتخصصين.

قرية الحرف التراثية تتضمن جدولاً حافلاً وشاملاً لكل الحرف التي تمثل أركان الحياة الماضية القريبة لأجدادنا الذين لا يزالون يعيشون بيننا.

في المقهى الثقافي، يحضر التألق المعرفي والأدبي والشعري بقوة. 17 ندوة على مسرح الأيام تمثل طعم الحدث وتناقش عدداً كبيراً من الموضوعات. وإلى جانب أبناء الإمارات، يشارك العديد من الباحثين والأدباء والمتخصصين في تقديم وإدارة الندوات من قطر ومصر والسعودية والسودان والجزائر وتونس وفلسطين والمغرب والعراق وسوريا والعراق واليمن ولبنان.

كل هذا الثراء يؤكد أن أيام الشارقة التراثية أصبحت حقلاً خصيباً يلتقي فيه الماضي والمستقبل في ضيافة الحاضر. هي حقلٌ يضم ساحات يعود فيها الأطفال إلى الماضي بصحبة فريدة من الأشياء والناس والطبيعة والبيئة.

هي أيام تعود بهم إلى حياة أهلهم وحضارتهم، وتغرس فيهم القيم الجميلة النبيلة من الصبر والتفكير والذكاء وحب الأرض والوطن والعشيرة. قيمٌ تعود بهم إلى الماضي القريب لتنقل لهم ما يتسلحون به ويكون درعاً واقية لهم في مسيرة العلم والتطور والحداثة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"