الصهيونية ضغطت على العثمانيين لإقامة دولة في فلسطين

استغلت بعض الفرمانات وقدمت رشى
12:56 مساء
قراءة 3 دقائق

يتناول كتاب الدولة العثمانية واليهود للدكتور أحمد نوري النعيمي موضوعاً قلما جرى التطرق إليه وهو محاولات الحركة الصهيونية لدى السلاطين العثمانيين لإقامة دولتها المزعومة في فلسطين. بحيث انتهى المؤلف إلى أن اهتمامات اليهود بفلسطين لا تعود إلى ظهور الحركة الصهيونية منذ مؤتمر بازل عام ،1897 بل إلى تاريخ سابق، لاسيما بعدما أصبحت هذه الاهتمامات واضحة منذ اتبعت السياسة الروسية استراتيجية جديدة ضد اليهود وذلك في عام 1882 وهذا لا يعني بأن اليهود لم يعملوا قبل هذا التاريخ أيضاً، إذ إنه بعد استقرارهم في الدولة العثمانية، حينما قام ملك إسبانيا فرديناند بطرد اليهود من اسبانيا، انصبت جهودهم على السيطرة على المجالات الحيوية في الدولة العثمانية بعد أن اعتنق قسم من هؤلاء الدين الإسلامي، وعرفوا فيما بعد بيهود الدونمة.

واعتبر المؤلف بأن جهود اليهود لإقامة دولتهم المزعومة في فلسطين أصبحت واضحة إلى حدّ بعيد بعد هجرتهم من روسيا القيصرية على أثر المذابح المشهورة ضدهم، حيث أصدر السلطان مجموعة من الفرمانات أكدت على منحهم الجنسية العثمانية. بحيث أن جهود اليهود لم تقتصر على الاستقرار في الدولة العثمانية، واعتبارهم من رعاياها، بل أخذ اليهود يسعون للتأثير على السلاطين العثمانيين بغية إطلاق باب الهجرة إلى فلسطين. هذا في الوقت الذي قامت فيه الدولة العثمانية بإصدار بعض الفرمانات الجزئية لصالح اليهود، الأمر الذي أدى إلى استغلالها من قبلهم، وزيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مع اتباعهم منذ ذلك التاريخ سياسة المراوغة والتحايل على القانون المحلي، عبر قيامهم بشراء الأراضي بأسماء عربية تركية، وإقامة مستعمرات صهيونية.

كما عمدوا إلى سياسة الرشوة مع المسؤولين العثمانيين سواء في سراي يلدز أو متصرفية القدس، وعندما كانوا يصطدمون بمن يرفض طلباتهم، يلفقون عليه تهمة الانتساب لجمعيات سرية مناهضة للسلطان العثماني.

وتوصل المؤلف في الكتاب الصادر عن الدار العربية للموسوعات في بيروت إلى أن اتصالات حدثت بين السلطان عبدالحميد وهرتزل. وأن الأول كان يرمي من وراء اتصالاته مع هرتزل إلى تحقيق الأهداف التالية: معرفة النوايا الحقيقية للمنظمات الصهيونية، معرفة القوة الحقيقية لليهود، بالإضافة إلى معرفة مراكز الاستقطاب الدولي في تلك الحقبة التي بدأت تساند الحركة الصهيونية، ومعرفة العلاقة بين اليهود والماسونية في الدولة العثمانية، وكشف تنظيمات جمعية الاتحاد والترقي.

وبالنسبة لهرتزل كان ينوي من وراء هذه الاتصالات مع، انجاز المهام الآتية:

- انفاق مبالغ هائلة من أجل استيطان اليهود في فلسطين، واستغلال انهماك الجيش العثماني في الدول البلقانية، حيث حاول تقديم مليونين من الليرات الذهبية عند لقائه مع عبد الحميد، وبعد أن وصلت الحركة الصهيونية إلى نتيجة غير مرجوة من هذه الاتصالات، قررت إبعاد عبد الحميد عن السلطة. فقدمت الدعم في كافة المجالات لجمعية الاتحاد والترقي، لا بل أن رجال الجمعية كانوا يؤكدون أن الصهيونية لا تتعارض مع ولاء الرعايا اليهود للدولة العثمانية.

وفي نهاية الأمر استطاعت الصهيونية الإطاحة بحكم عبد الحميد، حيث قام رجال الاتحاد والترقي بتوسيع باب الهجرة إلى فلسطين، ولاسيما أن العقل المدبر للاتحاد والترقي كانوا يهود الدونمة. وأدت سياسة الاتحاد والترقي إلى نتيجتين هما: زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتشجيع الصهيونية بعض الحركات القومية المتطرفة مثل الطورانية التي بدأت تظهر في الأفق في هذه الحقبة الزمنية، والتي قامت باتباع سياسة التتريك في الأراضي العربية، وكانت الغاية من ذلك فصم عرى العلاقة بين العرب والأتراك، كي تنفرد وحدها في تنفيذ مخططاتها في المنطقة العربية.

واستنتج المؤلف من كل ذلك، أن جل الدراسات التي ظهرت في العالمين العربي والإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى، لم تكن تميز بين حقبتين: الأولى تبدأ من قيام الدولة العثمانية إلى قيام انقلاب 27 ايريل/ نيسان ،1909 والثانية تبدأ من هذا التاريخ إلى سقوط الدولة العثمانية. وبرأي المؤلف تتميز الحقبة الأولى بين العرب والأتراك بمتانة العلاقة بينهما، حيث إن العثمانيين تأثروا بالثقافة العربية، أكثر من تأثر العرب بالأتراك، وجاء هذا التأثر عن طريق الإسلام.

وفي ما يتعلق بالحقبة الثانية، فإنها أدت إلى التوتر في العلاقات العربية التركية، لأن قادة الاتحاد والترقي اتبعوا سياسة التتريك مع العرب، والتعاطف مع الحركة الصهيونية، وكان هذا كفيلاً بإبعاد الأتراك عن العرب، وبالتالي دفع العرب للمطالبة باستقلالهم عن الدولة العثمانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"