القراءة.. سفر مجنون في اللاوعي

01:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
القراءة جنون، رغبة في اللاوعي، العالَم كالمكتبة، المكتبة كالعالَم، المفارقات الساخرة والجدية، تاريخ جميع الكتب، تاريخ كتب بعينها، الأسماء الأولى المدونة على الأغلفة، أو اللقب العائلي، الكلمة على الورق، وعلى الشاشة، مكتبات تجمع بين الشهرة العالمية والخصوصية.
كل ما سبق هو الموضوعات التي يتناولها كتاب الإسباني «خورخي كاريون» وعنوانه «زيارة لمكتبات العالم»، وقد ترجمته إلى العربية «ريم داود»، وصدر عن دار العربي للنشر بالقاهرة، ويتحدث عن القراءة بأسلوب يبعث على الارتياح، ثم يناقش التناقضات التي تثير الانزعاج أو الإحساس بالتهديد، يعيد تركيب التقاليد المعتادة، وفي الوقت ذاته يشير إلى أنه لا يتناول إلا الأمثلة، باستثناء الخرائط وتأريخ المكتبات؛ إذ يستحيل إعادة تركيب هذه الأمور، لأنها تشكلت من الغياب والاندثار، وطرحت أفكار التجانس والمجاز المرسل، وتكونت من مجموعة من الشظايا البراقة، وبقايا آثار من التاريخ المستقبلي، أو موسوعة لن يستطيع أحد كتابتها أبداً.
«كل مكتبة لبيع الكتب هي نسخة مكثفة من العالم، أنت لا تحتاج إلى جواز سفر لتتجول داخل مكتبة، وتقترب من العوالم التي تقدمها إليك والتي تختصرها في لفظة «العالم»، المكتبة خريطة بداخلها جو متميز من الحرية، يتباطأ فيها الزمن، وتصبح السياحة نوعاً مختلفاً من القراءة» هذه بعض خلاصات مؤلف الكتاب.
ينطلق المؤلف من إسبانيا إلى باريس حيث مكتبة «شكسبير أند كومبني»، ويحكي عن أشهر المؤلفين الذين احتضنت تلك المكتبة نقاشاتهم، ومنهم جيمس جويس وإرنست هيمنجواي وشعراء «جيل البيت» وغيرهم، هؤلاء المؤلفون الذين تعاونوا مع أصحاب المكتبة، الذين قاموا بتوزيع الكتب الممنوعة من النشر، وقاوموا الاحتلال النازي والحرب، كما يعبر المحيط إلى الأمريكتين، فيزور أشهر المكتبات في الولايات المتحدة الأمريكية مثل «سيتي لايتس» في سان فرانسيسكو.
بعدها ينطلق إلى المكسيك ليشتري الكتب من أكشاك «بلازا دي آرماس» التي تشبه أكشاك سور الأزبكية في القاهرة، ويحكي عن أصحاب الكتب المستعملة التي يبيعونها على الأرصفة وفي جراجات منازلهم، ثم ينطلق إلى مصر ومنها إلى فلسطين ثم المغرب، ويتحدث عن أشهر الكتاب العرب مثل نجيب محفوظ ومحمد شكري، ويزور أشهر المكتبات في تركيا والصين واليابان، وينطلق باحثاً عن النسخ النادرة لأمهات الكتب، ويحكي عن مغامراته مع الباعة الذين أرادوا بيع الكتب بأعلى الأسعار له، لكنه «انتصر» في النهاية، ونجح في الحصول عليها «بأسعار مناسبة».
يرى الكاتب الإسباني خورخي كاريون، الحاصل على الدكتوراه في «الإنسانيات» من إحدى جامعات برشلونة، أن أقدم مكتبة في العالم من حيث الاستمرار في نشاطها منذ افتتاحها حتى الآن هي مكتبة «برتراند» في لشبونة، وقد تأسست عام 1732، ومن أشهر المكتبات التي سبقتها إلى الوجود مكتبة دار النشر التابعة لجامعة كامبردج (تأسست في 1581)، ويبدو أن المكتبات الأولى لبيع الكتب لدى الإغريق والرومان كانت إما أكشاكاً متنقلة، وإما أكواخاً، وفيها يتم بيع الكتب أو تأجيرها، أما مكتبة الإسكندرية القديمة فهي الأولى في التاريخ التي اعتمدت نظام الفهرسة، ويبدو أن فكرتها جاءت من مكتبة أرسطو الخاصة، بحسب المؤلف.
يتتبع المؤلف الأفكار السياسية والدينية والأخلاقية التي تقف وراء مصادرة كتب بعينها والتنكيل بأصحابها قديماً وحديثاً، ويستشهد في هذا السياق بما أورده هنري جنكنز في كتابه «ثقافة التجمع» عن أن أكثر الكتب التي أثارت جدلاً واسعاً في العقد الأول من هذا القرن «هاري بوتر» التي كانت محور أكثر من 500 قضية مختلفة في محاكم ولايات أمريكية عدة، وفي عام 2002 في ولاية نيومكسيكو، قامت إحدى الكنائس بحرق ثلاثين نسخة من السلسلة باعتبارها «شيطانية الطابع، وتعلم الناس السحر الأسود».
زار «كاريون» «ساحة جامع الفنا» في مراكش، ورأى أنها مكتبة في حد ذاتها «لكنها حكر على من يعرفون لغتها ومفرداتها الشعبية، أعني بذلك مروضي الأفاعي، وباعة المراهم ورواة الحكايات» ورأى المؤلف كذلك أن طنجة بما أنها النقطة الأقرب في المغرب إلى الجزء الجنوبي من أوروبا، سرعان ما اجتذبت أدباء ورسامين أوروبيين، أضفوا «الطابع الاستشراقي» عليها.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"