انتخابات الرئاسة التونسية.. مفاجآت كاشفة!

04:05 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد عز العرب *

توجه في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، نحو سبعة ملايين ناخب تونسي إلى صناديق الاقتراع الموزعة على 27 دائرة انتخابية داخل البلاد؛ لاختيار رئيس جديد للجمهورية (تمتد ولايته حتى عام 2024) من بينهم 24 مرشحاً؛ بعد انسحاب اثنين من المرشحين (سليم الرياحي رئيس حزب الوطن الجديد، ومحسن مرزوق رئيس حزب حركة مشروع تونس) لمصلحة المرشح المستقل عبد الكريم الزبيدي. نتائج الانتخابات كانت مفاجئة من حيث نسبة المشاركة المتدنية؛ ومن حيث من اختارهم الشعب لخوض الجولة الثانية.
شهدت هذه الانتخابات تكثيف تأمين عملية الاقتراع؛ إذ شارك 70 ألف عنصر أمن في تأمينها، إضافة إلى 12 ألف عسكري، فضلاً عن تشكيل ائتلاف بين جمعيات؛ لمراقبة الانتخابات الرئاسية موزعة على كافة الدوائر الانتخابية؛ بهدف ضمان حسن سير العملية الانتخابية، ومراقبة عمل هيئة الانتخابات. كما شارك البرلمان العربي بوفد برئاسة نائب رئيس البرلمان «عادل العسومي» في مراقبة الانتخابات؛ حيث قام الوفد بتغطية أكبر عدد ممكن من المراكز الانتخابية. غير أن كل ذلك - بخلاف تفسيرات أخرى- لم يؤد إلى تزايد نسب المشاركة التي بلغت 45 في المئة، على نحو يشير إلى تراجعها عن الاستحقاقات الانتخابية السابقة التي شهدت مشاركة ما يقارب ثلثي الناخبين.
وقد عقدت الانتخابات الرئاسية التونسية في ظل سياقات ضاغطة؛ كونها جاءت مفاجئة للأحزاب والتيارات السياسية التي لم تكن قد استكملت استعداداتها لخوض السباق الرئاسي قبيل وفاة الرئيس الراحل «الباجي قايد السبسي»، فضلاً عن احتدام الاستقطاب المدني الديني الذي بات مهيمناً على الانتخابات، إضافة إلى وجود حالة من الغضب الشعبي على النخب السياسية والحزبية التي لم تحقق التطلعات الجماهيرية عقب الثورة التونسية، على نحو ما انعكس في التصويت العقابي لرموز المرحلة الماضية، سواء المدنية أو الدينية.
فعلى الرغم من أن بعض التحليلات كانت ترجح حظوظ عبد الكريم الزبيدي أو عبد الفتاح مورو مرشح حزب النهضة، فإن النتائج التقديرية الأولى تشير إلى أن المرشحين قيس سعيد ونبيل القروي سيخوضان جولة الإعادة بعد حصولهما على أعلى الأصوات 18.4 للأول، و15.6 للثاني. فقيس سعيد أستاذ القانون الدستوري، أشارت استطلاعات الرأي إلى حصوله على ترتيب متقدم بشكل تدريجي خلال الفترة الماضية. وقد اعتمد في حملته الانتخابية على الزيارات الميدانية للأسواق والأحياء الشعبية، واللقاءات المباشرة مع الناخبين، ويسانده مجموعة من الشباب المتطوعين.
وسعيد لا يحظى بدعم أي حزب من الأحزاب التونسية، التي برهنت الانتخابات الحالية عن ضعف تأثيرها لدى الناخب التونسي؛ بل يركز على محورية دور المواطن في التغيير المجتمعي. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أحد تصريحاته «علينا أن ننتقل من دولة القانون إلى مجتمع القانون.. شعار الشعب يريد.. يعني أن يحقق الشعب ما يريد». ولعل ذلك ضمن أسباب أخرى قد أسهم في تأهله للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية رغم تواضع الموارد التي يمتلكها. هذا فضلاً عن صراحته في بعض القضايا الشائكة داخل المجتمع التونسي؛ ومنها رفضه مبدأ المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة.
وكذلك نبيل القروي القابع في سجن المرناقية المعبر عن تيار «الشعبوية». وقد اعتمد القروي على القناة التلفزيونية «نسمة» التي يملكها وجهود زوجته (التي تعمل بشركة مايكروسوفت) ومساعداته على قاطني المناطق الفقيرة، وهو ما راهنت عليه حملته الانتخابية على نحو يثير تساؤلات بشأن تأثير المحدد الإعلامي والمال السياسي في توجيه دفة الانتخابات. فبعد انسحاب القروي من حزب نداء تونس الذي أسسه الرئيس الراحل السبسي، أطلق منظمة خيرية حققت انتشاراً واسعاً في المناطق النائية. وبالتوازي مع ذلك، أطلق القروي قناة إخبارية تبث على مدار اليوم، وتركز على مظاهر البؤس والفقر، فضلاً عن تغطيتها للاحتجاجات الفئوية والكوارث الطبيعية؛ مثل: الفيضانات، ومعاناة المواطنين من انقطاع المياه والكهرباء. وأصبحت صوتاً ناقداً لحكومة الشاهد، وهو ما جعلها تحظى بمشاهدة واسعة بعد تكوين صورة لرجل الأعمال الناشط في المجال الخيري.
ووفقاً لرؤية المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن القروي تمكن من خلال قناته التلفزيونية وأعماله الخيرية من الدخول إلى بيوت المهمشين، وفي غياب دور مؤسسات الدولة، يصبح من السهل على القروي ملء هذا الفراغ. فضلاً عن التأثير العكسي لمحاولة أجهزة الدولة، وخاصة رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، منع ترشحه بعد توقيفه الشهر الماضي؛ إثر قرار قضائي بسجنه بشبهة التهرب الضريبي وغسل الأموال، عقب شكوى قدمتها منظمة «أنا يقظ» المعنية بمكافحة الفساد.
وصرحت زوجة «نبيل القروي»، في حوار لها مع «يورو نيوز» في 11 سبتمبر/أيلول 2019 بأن «رئيس الحكومة والمرشح الرئاسي، «يوسف الشاهد»، وحركة النهضة مسؤولان عن القرار القضائي بإلقاء القبض على زوجها»، كما صرّح أمين عام حركة الشعب، زهير المغزاوي، في أغسطس/آب 2019 بأن «إيقاف المرشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي، محاولة من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لاستهداف الخصوم السياسيين له قبيل الانتخابات الرئاسية المبكرة، وأن القضاء أصبح يستعمل لتسوية الخصوم السياسيين، وهذا خطر كبير سيهدد التجربة الديمقراطية». وهناك تساؤل كبير يطرح في حال احتمال فوز القروي بالجولة الثانية للانتخابات، يتعلق بوضعه وإمكان حدوث فراغ في الدولة لأول مرة. وبغض النظر عمن سيصل إلى كرسي قرطاج قيس سعيد أو نبيل القروي، فإن هناك حزمة من المشكلات الضاغطة التي تواجه الرئيس المقبل، على النحو التالي:
1- تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ يظل التحدي الرئيسي لأي رئيس هو تغيير حياة المواطن التونسي إلى الأفضل، وتقليص معدلات البطالة وتخفيض نسب الفقر، خاصة في المناطق الفقيرة والنائية بالمحافظات المختلفة، بما يؤدي إلى تراجع الاحتجاجات الفئوية الناتجة عن عدم سداد أجور العاملين، وتوقف الإنتاج لدى بعض الشركات والمصانع، وإحالة العاملين إلى التقاعد.
2- مواجهة شبكات الفساد المؤسسية، على الرغم من حملة مكافحة الفساد التي أطلقها «يوسف الشاهد» في عام 2018 تحت شعار: «لا حياد مع الفساد» والتي تم خلالها إلقاء القبض على عدد من رجال الأعمال وبعض المسؤولين في المستويات الوسطى.
3- مكافحة التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة، على نحو ما تعكسه التهديدات القادمة من شمال إفريقيا، والحرب على تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم «داعش»، لا سيما أن ذلك الملف يرتبط بالاستقرار التونسي الداخلي في ظل إثارة الحديث عن ملفات الجهاز السري لحركة النهضة، والاغتيالات، والتسفير إلى بؤر الصراعات المسلحة العربية، وخاصة سوريا.
4- تنويع بدائل حركة السياسة الخارجية التونسية؛ حيث يكون لزاماً على الرئيس التونسي القادم الموازنة في تحركاته على الصعيد الخارجي، عبر الانفتاح على كل الدول العربية، وإيلاء اهتمام خاص بتفاعلات الأزمة الليبية واستعادة العلاقات مع سوريا.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"