بيوت العين القديمة.. أماكن في القلب

شيّدت من الطين والحجر الجيري
00:48 صباحا
قراءة 4 دقائق
العين:هديل عادل

بيوتٌ قديمة تروي جدرانها حكاية ماضٍ عريق، بتفاصيلها العمرانية البسيطة، وتقسيماتها الداخلية التي تختلف في مكوناتها ومساحاتها ما بين غرفة وأكثر، بعضها من الطين وبعضها من الحجر الجيري، وعلى الرغم من اختلاف مواقعها، فإن هناك بعض التشابه في طرازها العمراني، ويتميز بعضها بأبراجه ومساجده، التي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة، وإلى جانبها أفلاج العين وواحاتها الوافرة بالنخيل، مستكملة عناصر اللوحة التاريخية لواحة العين، التي طالما كانت مستقراً لسكان المنطقة، ومحطة للقوافل التجارية العابرة.

بداية يتحدث محمد الظاهري، مدير مبانٍ تاريخية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، عن الأماكن التي تتركز فيها المباني التقليدية، والمواد المستخدمة في بنائها، قائلاً: يعد محيط الواحة، المجال الأول الذي يتيح فهم المباني التقليدية في العين، حيث تتركز هذه المباني في القرى والحارات الواقعة على أطراف واحات النخيل، وقد شيدت باستخدام الطين المستخرج من مزارع النخيل ومنتجاتها الثانوية، وتشمل هذه المباني الحصون والأبراج الدفاعية، والمنازل المحصنة التي بنيت لحماية السكان والمناطق الزراعية في الواحات، وكذلك المساجد التي يؤمها العاملون في مزارع النخيل.
واستُخدمت التقنيات التقليدية في جميع هذه المباني، من الجدران الطينية السميكة مع فتحات صغيرة محدودة للضوء والهواء، مسقوفة بجذوع، والحصير المصنوع من سعف النخيل، وبلاط الطين على الأرضيات والجدران.
وعن دور هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في حماية البيوت القديمة في العين كجزء من التراث المادي لدولة الإمارات، يضيف: قامت الهيئة بتطوير استراتيجيات ومنهجيات مهمة لحفظ المباني، من أجل صون التراث الثقافي لإمارة أبوظبي والترويج له، وأطلقت الهيئة في هذا الإطار أخيراً مبادرتها «بيتي القديم»، التي تتيح للجمهور من مختلف الفئات العمرية القيام بجولة على عدد من البيوت التاريخية في مدينة العين، ويعتبر بيت عبدالله بن سالم الدرمكي من الأمثلة الحية على البيوت المبنية من الطين، التي طبقت فيها الهيئة استراتيجيات الاستقصاء والحفظ، وكانت مرحلة الاستقصاء تهدف إلى مسح البيت وتحليل مواد البناء المكونة له من أجل تقييم نسب الملوحة والمسامية ومدى انتشار النمل الأبيض، ومن ثم قياس الشروخ والتصدعات الموجودة في المبنى، من أجل تحديد أثرها المحتمل في سلامته الإنشائية، وقد أدى هذا البحث إلى تطوير استراتيجية حفظ مستدامة، تجنبت المساس بالقيمة المعنوية والتاريخية لهذا المبنى. أما عمليات الحفظ، فبدأت بالتخلص من التراب المسامي في أسفل الجدران، وإعادة بناء أجزاء من الجدران المتضررة بشكل كبير، باستخدام قوالب طينية تقليدية مجففة بالشمس، كما تم سد جميع الشروخ الكبيرة، وزودت العتبات العليا بدعائم، كما تم تدعيم المبنى بأعمدة خشبية.

ملامح معمارية

ويتناول عمر الكعبي، باحث مبانٍ تاريخية في الهيئة، الحديث عن المباني القديمة في واحة الجيمي، موضحاً أسماء أصحاب هذه المباني، وأهم ملامحها المعمارية، قائلا: يمثل منزل ومسجد بن حمودة الظاهري، إلى الجهة الشمالية لواحة الجيمي، معلماً مهماً في الواحة، ويرجع تاريخه لأكثر من مئتي عام، ويتميز ببهوه الواسع، الذي تتوسطه بئر عميقة، ويقع المسجد الذي يضم قاعة الصلاة وفناء صغيراً في الجانب الشرقي للمنزل، وإلى الجنوب من منزل بن حمودة، هناك منزل خلفان وسيف بن عبدالله الظاهري، وهو منزل صغير من الطوب الطيني، يرجع تاريخه إلى نحو تسعين عاماً، ويقع المنزل بالقرب من الحدود الشمالية لواحة الجيمي، ويبرز العديد من المعالم الأصلية لبناء المنازل في واحات العين وحولها.
ويعتبر منزل سلطان بن عبدالله الظاهري، أحد أنواع المباني، التي تتكون من غرفة واحدة، ويقع مباشرة إلى الغرب من منزل خلفان وسيف بن عبدالله الظاهري.
أما بيت القبيسي، الواقع في حي المعترض، فيعد مثالاً مهماً للعمارة المحلية من حقبة ما قبل النفط، في الستينات من القرن الماضي، وتم الاعتماد بصورة أساسية في بنائه على الحجر الجيري المحلي والجص، ويتكون من صفين من الغرف وممرات خارجية على الجانبين الشمالي والجنوبي، وفناء مسور، ويلاحظ زائر هذا البيت تشابه طريقة البناء مع البيوت الطينية، ولكن بمواد مختلفة، حيث توفرت بعض المواد الإضافية مع ازدياد التبادل التجاري بين الدول المجاورة.

ملامح تاريخية

يعتبر بيت بن بدوة الدرمكي من البيوت القديمة، التي استطاعت التنقيبات الأثرية تحديد ملامحها التاريخية، حيث يمكن تأريخ هذا البيت للقرن السابع عشر، في ضوء اللقى الأثرية المكتشفة، ويستطيع زائر البيت التعرف إلى تاريخ المبنى، وعمليات التنقيب التي أجريت للحفاظ عليه، حيث يمكن تمييز الأجزاء المرمّمة من الأجزاء الأصلية، من خلال الفرق البسيط للون الطين، وهو من البيوت الطينية التي تحتوي على برج بُني من الطوب الطيني، ويتكون البيت من غرف عدة، تتفاوت فترات بنائها ودرجة اكتمالها، ويقع على حافة واحة القطارة.

مركز القطارة للفنون

يواصل محمد الظاهري، الحديث عن المباني التاريخية في واحة القطارة، مؤكداً جهود هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في صون التقاليد المعمارية الخاصة بدولة الإمارات، مضيفاً: تعمل الهيئة مع شركائها لدعم وحماية المواقع الأثرية والتاريخية، إلى جانب إعادة ترميمها وافتتاحها للحفاظ على استمراريتها، لما تشكله من رمز معنوي وتاريخي مهم، وتتعاون الهيئة بشكل وثيق مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في مجال حفظ وحماية المواقع التاريخية، ومن البيوت التي استثمرت لتكون معلماً سياحياً بارزاً في مدينة العين، بيت ابن عاتي الدرمكي، حيث تم استخدام جزء من البيت ليكون مركزاً للفنون، وأطلق عليه اسم «مركز القطارة للفنون»، ويحتوي هذا البيت أيضاً على متحف مصغر تحت الأرض، يعرض المكتشفات التي عثر عليها خلال عملية بناء مركز الفنون، وهو من البيوت التي تعود إلى القرن السابع عشر، ويتميز بعدد غرفه، وببرجه ذي الثلاثة طوابق، كما يحتوي على بئر ومدبسة، تمت تغطيتها لغرض الحماية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"