جامعيون ... جامعة القاهرة شاهد عيان على قرن من الزمان

حافظت على استقلالها منذ بداية التأسيس
01:15 صباحا
قراءة 4 دقائق
تحتفل جامعة القاهرة بعيدها المئوي، التي يعد إنشاؤها في بدايات القرن الماضي فصلاً أساسياً في تاريخ مصر الحديثة، وكان ثورة على نظام فُرض على المصريين، حيث قضى عليهم بأن يطلبوا العلم مغتربين عن بلادهم، وكان إنشاء الجامعة المصرية أول ضربة توجه إلى هذا النظام لتقويضه، وأول حجر في بناء الاستقلال، وحين يكتب المصريون تاريخهم، فإنهم ينوهون بثورة ،1919 وبما قدمه زعماء الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال، ويغفلون أن وراء ذلك كله إنشاء الجامعة، التي تعثر مشروعها في البداية، حين كان فكرة، لأن الإنجليز والحكومة رفضا إنشاءها، اكتفاء بالكتاتيب، وبمستوى مقدر من العلم لا يتجاوزه المصريون.في هذا الجو الاحتفالي الذي تشهده جامعة القاهرة حالياً بمناسبة مرور مائة عام على تأسيسها، صدر كتاب د. محمود فوزي المناوي عن المكتبة الأكاديمية بعنوان جامعة القاهرة في عيدها المئوي، ويرصد هذه المسيرة منذ أن اقترحت مجلة الهلال في الأول من فبراير عام 1900 إنشاء كلية لتثقيف الشباب المصريين في بلادهم، بدلاً من إرسالهم إلى أوروبا، وكان مصطفى كامل أول من تبنى فكرة إنشاء جامعة مصرية.ورغم معارضة الخديو عباس للفكرة فإن بعض الأمراء أيد المشروع، وبوجه خاص الأمير حيدر فاضل، وجمعت اكتتابات بلغت ثمانية آلاف جنيه، لكن المشروع تعثر للأسباب التي ذكرناها من قبل إلى أن تحمس الشيخ محمد عبده وأحمد المنشاوي باشا للفكرة، واقترح الأخير إنشاءها في أرض يملكها في باسوس وأبو الغيط، على أن ينقل الأساتذة يومياً من القاهرة وإليها على مركب بخاري، لكن الفكرة خمدت بعد وفاة المنشاوي، ثم الشيخ محمد عبده، وفي العام 1906 أرسل مصطفى كامل الغمراوي بك نداءً إلى الصحف، يدعو فيه إلى إنشاء الجامعة وقرن نداءه بمبلغ 500 جنيه، وجاء فيه: كثر بحث الجرائد في الزمن الأخير في ارتقاء المعارف في مصر واقترح أن تكون الجامعة لجميع السكان على اختلاف جنسياتهم وأديانهم حتى تقوم الإلفة بينهم، وأن تقام الجامعة على شاطئ النيل، وفي أجمل بقاع مصر، وأن تكون بها حديقة من أجمل الحدائق، وأن يكتتب على الأقل ألف من سكان مصر بمبلغ مائة جنيه على الأقل.ولبى سعد زغلول النداء وقرر تبني المشروع وتبرع له بمائة جنيه وعقد الاجتماع الأول في داره يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول ،1906 وحضره عدد كبير من الشخصيات العامة والمفكرين والأثرياء، وبلغت المبالغ التي اكتتبوا بها 4485 جنيها، وقرروا انتخاب لجنة تحضيرية مكونة من سعد زغلول وكيلاً، وقاسم أمين سكرتيراً، وحسن سعيد أمينا للصندوق، وتم تأجيل انتخاب الرئيس لحين شغله بأحد أفراد العائلة المالكة، ووقع الاختيار على أحمد فؤاد ولي العهد آنذاك.وفي حفل أقيم بقاعة مجلس شورى القوانين افتتحت الجامعة المصرية رسمياً، في مقر الجامعة الأمريكية بميدان التحرير حاليا، وانتقلت من مكان لآخر، بسبب ارتفاع الإيجارات، إلى أن استقال أحمد فؤاد من رئاسة الجامعة، التي رشح لها الأمير يوسف كمال، فاعتذر وانتخبت لرئاستها حسين رشدي باشا، وجاءت النقلة الحقيقية في تاريخ الجامعة حين أحاط د. محمد علوي باشا (طبيب الأميرة فاطمة إسماعيل)، مجلس إدارة الجامعة في 17 يونيو/حزيران سنة ،1913 علماً بأن الأميرة تنوي عمل وقفية، وأنه أقنعها بتخصيص جزء منها للجامعة، وكان نص الوثيقة التي وقعت عليها الأميرة يقول إن البرنسيسة فاطمة هانم إسماعيل تبني الجامعة المصرية بمالها، وتوقف 661 فدانا للريع، 6 أفدنة في الجيزة للبناء، 18 ألف جنيه لإقامة البناء، وتعين أربعة أعضاء من مجلس إدارة الجامعة لاختيار ناظر الوقف.وتم وضع حجر الأساس في 30 مارس/آذار ،1914 وكتب على اللوح الرخامي الجامعة المصرية، الأميرة فاطمة إسماعيل سنة 1332 هجرية التي فارقت الحياة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني سنة ،1920 وكانت أول رسالة دكتوراه تناقش في الجامعة تلك التي تقدم بها طه حسين في 4 مارس/آذار سنة 1914 عن حياة أبي العلاء المعري، وهو الذي تقررت على يديه في ما بعد مجانية التعليم في آخر وزارة لحزب الوفد عام ،1951 قبل ثورة يوليو، أما مجانية التعليم الجامعي فتقررت عام 1961.وبعد قيام ثورة يوليو صدر قرار مجلس الوزراء بتغيير اسم الجامعة المصرية، الذي تغير من قبل إلى جامعة فؤاد الأول ليصبح جامعة القاهرة، وذلك في 23 سبتمبر/أيلول 1953.قبل ذلك كان السير إلدون غروست قد كتب تقريراَ عن الجامعة ذكر فيه أن الأعضاء اتفقوا على المبادئ العامة، وذكر أن من بين هذه المبادئ تكون إدارة الجامعة مطابقة لرأي الحكومة المصرية، فأحدث هذا التصريح ضجة في المجتمع المصري اعتقادا أن في ذلك تعريضا باستقلال الجامعة.وصرح الأمير أحمد فؤاد للصحف وقال علنا في مجلس الجامعة إني أعلق على رؤوس الأشهاد، مكرراً ما قلته سابقاً ومراراً، من أن الجامعة المصرية ومجلس إدارتها وجمعيتها العمومية مستقلة تمام الاستقلال، وليس لأي سلطة أو جهة من الحكومة، أدنى تدخل في أعمالها، وأن كل القرارات التي قررتها اللجنة والتي ستقررها إنما أصدرتها وستصدرها بتمام الاستقلال.وأسهمت الجامعة في نمو المشاعر الوطنية مع ارتفاع مستوى ثقافة المجتمع، الذي أحدثه التعليم الجامعي، إذ أصبح الطلبة هم الطليعة المؤججة للأحاسيس القائدة للاحتجاجات، على أوضاع البلاد السياسية تحت نير الاحتلال البريطاني، ولم يقتصر دور الطلبة على العمل السياسي، لكنه تجاوزه إلى العمل الاقتصادي، باعتبار أن كلا منهما يكمل الآخر، ولذلك ظهر مشروع القرش من خلال جهود بعض طلبة الجامعة، بهدف السعي لتخليص الاقتصاد المصري من سيطرة الأجانب، وتقديرا لأهمية الجامعة ومساندة لدورها في خدمة المجتمع، بادر عدد من القادرين على رصد بعض الأوقاف لخدمة العلم والتعليم والمتعلمين في الجامعة المصرية، وهكذا يظهر التفاعل بين الجامعة المصرية والمجتمع المصري.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"