جانتس ونتنياهو.. تناوب الفشل!

03:26 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

فشل رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في تشكيل ائتلاف حكومي، يمكن أن يحظى بثقة الأغلبية في الكنيست واضطر إلى إعادة التكليف للرئيس رؤوفين ريفلين الذي اضطر بدوره لتكليف زعيم «أزرق أبيض»، الجنرال بني جانتس بمهمة تشكيل الحكومة.
تظهر قراءة نتائج الانتخابات وطبيعة التعقيدات التي تعيشها «إسرائيل»، أن المصاعب ذاتها التي واجهت نتنياهو، وهو يحظى بتأييد معسكر اليمين (55 نائباً) ستواجه جانتس الذي لا يملك معسكراً متكاملاً يؤهله لتشكيل حكومة تنال الأغلبية المطلوبة. ولا ريب أن هذا يعني، في نطر المراقبين، أن الكيان دخل في أزمة حكومية يصعب تخيل سبل الخروج منها قريباً.

عقبات واختراقات

فنتنياهو، حتى الآن، أفلح في رص صفوف معسكر اليمين خلفه لدرجة دفعت زعيم حركة شاس، أرييه درعي لرفض توجه جانتس إليه للتفاوض على دخول الحكومة. وأبلغ درعي، جانتس بأن المدخل للتفاوض مع أي من مكونات معسكر اليمين يوجد عند نتنياهو. ومعروف أن واحدة من أهم العقبات التي اعترضت طريق المفاوضات لتشكيل حكومة وحدة وطنية كانت إصرار «أزرق أبيض» على رفض تمثيل نتنياهو لمعسكر اليمين والقبول به مفاوضاً عن الليكود فقط. ويصعب أيضاً التوفيق بين «أبيض أزرق» وأي من مكونات معسكر اليمين الأخرى- عدا الليكود- بسبب شعار «الحكومة الوطنية الليبرالية» التي يدعو الأول إليها.
وكان نتنياهو يطمح لتحقيق اختراق في المعسكر المعارض لجلب الأصوات الستة الكفيلة بتوفير الأغلبية إما عن طريق استرضاء أو ترهيب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان أو إغراء حزب العمل أو عدد من أعضاء «أزرق أبيض» للانشقاق عن معسكرهم.
واليوم يطمح جانتس، هو الآخر، لتحقيق اختراق في الليكود أساساً لأنه ليست هناك أرضية معقولة للتفاهم مع الأحزاب الدينية المحيطة بالليكود. ويطمح جانتس أيضاً للحصول على إسناد من المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو يمكن أن تقلب الليكود والمزاج العام عليه.
ويعرف المعلقون السياسيون في الكيان أن المفاوضات التي أجراها نتنياهو، والتي يجريها جانتس، ليست سوى لعبة هدفها إخفاء ما يضمرون. فنتنياهو لا هدف له سوى البقاء على رأس الحكومة اليمينية وإجهاض مساعي إسقاطه. وأعلن استعداده لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع «أزرق أبيض»، لكن بشرط قبولها باشتراطاته. وهدف جانتس هو إسقاط نتنياهو ما يعني إسقاط هيمنة اليمين على الحكم في الكيان والمستمر تقريباً منذ أكثر من عقد ونصف. وقد حقق جانتس أول أهدافه بأن كان الأول منذ أكثر من عشر سنوات الذي يتوجه إليه رئيس دويلة الاحتلال لتكليفه بتشكيل حكومة بعد أن كان التكليف طوال هذه السنين حكراً على نتنياهو.

انقسامات وقدرات محدودة

ولكن كل ما سبق يدخل في باب المشاعر التي لا تغني عن قراءة الواقع والتعامل معه. فالانقسام حاد في المجتمع «الإسرائيلي» بين أنصار نتنياهو ممن يؤيدون الاتجاه القومي الديني السائد ومن يعارضونه. وكانت نقطة الفصل انقلاب زعيم «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، على هذا الخط وتبنيه بوضوح الاتجاه القومي العلماني.
وهذا أفقد اليمين ورقة الأغلبية وأتاح لخصوم نتنياهو في «أزرق أبيض» وحزب العمل وميرتس والقائمة العربية، فرصة ادعاء القدرة على تغيير وجهة الأمور وإسقاط حكم نتنياهو واليمين. ولكن هذه القدرة محدودة جداً لأن احتمالات التفاهم بين «أزرق أبيض» والقائمة العربية المشتركة ضعيفة وتزداد ضعفاً إذا قرر «أزرق أبيض» التحالف مع ليبرمان وحزبه. كما أن احتمالات التحالف بين ليبرمان و«أزرق أبيض» تضعف كثيراً إذا استندت إلى تفاهمات مع القائمة العربية المشتركة. وهنا تكمن نقطة الضعف الأساسية في محاولة بني جانتس تشكيل ائتلاف حكومي بعيداً عن نتنياهو والليكود.
على كل حال من الواضح أن بني جانتس، معني بأن يساير ليبرمان الداعي لحكومة وحدة وطنية ليبرالية تقوم على ائتلاف كل من «أزرق أبيض» والليكود و«إسرائيل بيتنا». ويعرض ليبرمان فكرة أن يسير هذا الائتلاف الحكم في الكيان لفترة معينة تسهل تمرير الميزانية ومواجهة المخاطر الخارجية وإخراج الحلبة السياسية من عنق زجاجة الأزمة قبل أن يسمح لأحزاب أخرى بالانضمام لهذه الحكومة.
ونقطة الضعف في موقف ليبرمان تتمثل في عداء معسكر اليمين عموماً ونتنياهو خصوصاً له ولأفكاره واعتباره منشقاً عنهم يستحق العقاب وليس شخصاً يصلح لأن يغدو بيضة القبان في الحكومة الجديدة.
وقيل إن جانتس، سيقدم لنتنياهو أفكاراً ترمي إلى تفكيك تحالفه مع أحزاب اليمين الديني لتسهيل تحقيق مطالب ليبرمان. وحسب القناة الثانية، فإن جانتس، سيقترح على نتنياهو التنازل عن أحد شرطيه الصعبين: إما التنازل عن تكتل اليمين أو التنازل عن رئاسة الحكومة أولاً. ويصعب تصور قبول نتنياهو بهذا الاقتراح لأنه إما أن يجرده من عنصر قوته اليميني أو يظهره كمن سقط في الانتخابات. وثمة من يعتقد أن فكرة جانتس هذه ترمي فقط إلى إظهار نتنياهو أمام الجمهور كشخص يرفض حكومة الوحدة من الأساس، وأنه فقط يدفع باتجاه انتخابات معادة.

ائتلاف حكومي

وإذا لم يتمكن بني جانتس من تشكيل حكومة وحدة وطنية ليبرالية، فإنه سيعمل على إقناع ليبرمان بالقبول بائتلاف حكومي مع كل من حزب العمل وميرتس، يستند إلى تأييد القائمة العربية المشتركة من الخارج. وإذا كان صعباً إقناع ليبرمان بحكومة تستند إلى تأييد القائمة العربية، فإنه ليس أقل صعوبة إقناع القائمة العربية بإسناد هكذا حكومة يحتل فيها الفاشي ليبرمان موقعاً حاسماً.
وهكذا لا يبدو في الأفق بديلاً ومخرجاً معقولاً أكثر من إعادة الانتخابات على أمل أن تخرج بنتائج تجعل تشكيل الائتلاف الحكومي أمراً أيسر مما حدث حتى الآن. ولكن الذهاب إلى انتخابات معادة أمر مرفوض من جانب الجمهور «الإسرائيلي» الذي يشعر بأن السياسيين يخلقون الأزمات ويحملونه تبعاتها السياسية والمالية. لذلك فإن كلاً من الليكود و«أزرق أبيض» يحاولان إظهار أن المسؤولية في الذهاب إلى انتخابات معادة للمرة الثالثة في غضون عام واحد تقع على عاتق الجهة المنافسة. ويحاول كل من الطرفين إظهار أنه بذل أقصى جهد ممكن لمنع الذهاب إلى انتخابات معادة.
لكن من الواضح أن نتنياهو، يأمل أن تسمح له الانتخابات المعادة في البقاء في الحكم أكثر فترة ممكنة كرئيس لحكومة انتقالية ما يجعل من الصعب على المستشار القضائي للحكومة تقديم لوائح اتهام ضده بالفساد.
وفي المقابل، فإن «أزرق أبيض»، يأمل استمرار تآكل مكانة نتنياهو وتراجع قوة اليمين الديني ما يسمح له بتشكيل الائتلاف الحكومي المقبل.
وبين هذا وذاك يأمل بني جانتس، أن تقرر النيابة العامة تقديم نتنياهو للمحاكمة في أحد ملفات الفساد المتهم بها وتخلق حالة تمرد سياسية في الليكود تبعد نتنياهو عن الواجهة وتتيح تشكيل حكومة وحدة وطنية ليبرالية وتمنع إجراء انتخابات معادة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"