جنوب السودان.. هل يتحقق السلام؟

03:56 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أميرة محمد عبدالحليم *

في خطوة مهمة في اتجاه السلام تمكنت الأطراف المتصارعة في جنوب السودان من التوقيع على اتفاق لإنهاء الاقتتال وتقاسم السلطة بين أطراف الصراع؛ حيث مثل هذا الاتفاق بريق أمل لطي سنوات الحرب التي تدور رحاها في دولة جنوب السودان «الوليدة» منذ نهاية عام 2013.
كانت الحرب في جنوب السودان «أخذت في طريقها كل مقومات الحياة في هذه الدولة، فتحولت العديد من مدنها إلى مناطق للأشباح؛ بعد أن هجرها سكانها؛ جرّاء الاشتباكات بين الجماعات المسلحة والتي قُتل خلالها أكثر من 400 ألف شخص، وتحول أكثر من أربعة ملايين إلى نازحين ولاجئين في الدول المجاورة، وأصبحت المجاعة تهدد حياة ما يصل إلى 5.5 مليون شخص، ويحتاج برنامج الأغذية العالمي 270 مليون دولار بشكل عاجل؛ لتوفير الغذاء لسكان جنوب السودان في النصف الأول من عام 2020؛ لتجنب مجاعة جماعية.
حيث كان على رأس الجماعات المتناحرة جماعة الدينكا التي ينتمي إليها الرئيس سلفاكير، وجماعة النوير التي ينتمي إليها خصمه ونائبه السابق رياك مشار.

حذر وترقب

وعلى الرغم من أجواء الفرح والتفاؤل التي سادت جميع الأوساط، وخاصة القوى الإقليمية والدولية التي دفعت في اتجاه المصالحة الوطنية، والتي مارست الكثير من الضغوط على أطراف الصراع؛ لتوقيع هذا الاتفاق الذي تأخر أكثر من عام، بعد توقيع اتفاق السلام في أديس أبابا في سبتمبر/أيلول 2018، لا يزال الترقب والحذر يشوبان اتفاق السلام الأخير؛ حيث فشل الخصمان في الالتزام بمهلتين كانتا قد حددتا؛ لتشكيل حكومة لتقاسم السلطات، وعقدا عدة جولات محادثات منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتم منحهما مهلة مدتها مئة يوم؛ لتشكيل حكومة وحدة. كما تعرضت كافة اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة لانتهاكات مستمرة، ومنها اتفاق السلام الذي وقعه سلفا كير ونائبه المقال رياك مشار في أغسطس/آب 2015.
وكانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة قد اتجهتا إلى سياسة فرض العقوبات على جنوب السودان، وحظر السلاح إلى هذه الدولة، وفي 30 مايو/أيار الماضي اعتمد مجلس الأمن الدولي مشروع قرار أمريكي؛ لتجديد نظام العقوبات، كما أعلنت واشنطن على لسان وزير خارجيتها في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنها ستمنع التأشيرات عمن «يعرقلون السلام» في جنوب السودان كجزء من إعادة النظر في العلاقات؛ حيث يشمل هذا الإعلان رئيس جنوب السودان سلفا كير إضافة إلى زعيم المتمردين رياك مشار، اللذين فشلا في تشكيل حكومة وحدة قبل 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي؛ حيث قامت أوغندا برعاية اجتماع إقليمي في 7 نوفمبر الماضي لمنح الخصمين مهلة جديدة مدتها 100 يوم؛ لتشكيل الحكومة.

تحديات وعقبات

لم تلتقط الأطراف الإقليمية والدولية أنفاسها، في ظل ما ينتظر اتفاق السلام الأخير من تحديات جسام صنعتها من ناحية سنوات الصراع التي حولت الدولة إلى دولة فاشلة، ومن ناحية أخرى، طبيعة التكوينات العرقية والقبلية في جنوب السودان، والتي لم تتمكن هذه الدولة من تجاوزها بسهولة في ظل سيطرة العوامل العرقية على غيرها من عوامل الهوية الوطنية.
فقد أظهر سلفا كير ورياك مشار التزاماً أكبر بعملية السلام خلال الاتفاق الأخير، وخاصة مع نجاح وقف إطلاق النار، إلا أن هناك العديد من المهام تنتظر العمل المشترك بين الاثنين خلال المرحلة الانتقالية، والتي تمتد 36 شهراً إلى أن يتم عقد الانتخابات العامة، وأحد المهام الرئيسية التي تنتظرهما هو نجاحهما في المحافظة على وحدة الحكومة الانتقالية الجديدة التي ستتشكل بموجب اتفاق السلام، فكيف سيتحقق هذا الأمر؛ حيث إن سلفا كير ورياك مشار يعدان خصمين سياسيين لسنوات طويلة، ويتعرض كل منهما لضغوط من المتشددين في معسكره؛ للحصول على أكبر قدر ممكن من المصالح، وقد تؤدي المشاحنات إلى عودة الصراع المسلح مرة أخرى.
كما تمثل عملية ترسيم الحدود داخل جنوب السودان إحدى النقاط الشائكة؛ حيث ستنعكس هذه العملية على توزيع السلطة في جميع أنحاء البلاد، فقد عمل سلفا كير على استرضاء جماعته العرقية الدينكا - أكبر جماعة عرقية - بترسيم الحدود بين الولايات أولاً على أساس 28 ولاية، ثم أعاد تقسيمها إلى 32 ولاية، إلا أن هذه العملية مثلت تحدياً خطراً أمام تنفيذ اتفاق السلام فقد أعلن حزب مشار «الحركة الشعبية لتحرير السودان المعارضة» أنه لن يشارك في أي ترتيب لتقاسم السلطة قبل حل مسألة الولايات العالقة؛ حيث أصر مشار على العودة إلى نموذج عشر ولايات أو 21، بناء على الحدود الاستعمارية، وحذر أنه لن يعود إلى منصب نائب الرئيس في حال تم الإبقاء على عدد الولايات. مما دفع سلفا كير للاستجابة إلى هذه المطالب؛ حيث أعلن في منتصف فبراير/شباط الماضي قراره بالعودة إلى نظام فيدرالي يقسم الدولة إلى عشر ولايات وإنشاء ثلاث مناطق إدارية جديدة.

الجيش الموحد

ويظهر تحد آخر خطر أمام اتفاق السلام الأخير، وهو كيفية توحيد قوات سلفا كير ورياك مشار في جيش واحد بعد سنوات من الاقتتال، فقد عاد مشار إلى جوبا بدون قواته؛ لتحقيق السلام، إلا أن قواته المنتظرة خارج العاصمة تراقب التطورات عن كثب؛ تحسباً من تجدد الصراع، فقد طاردت قوات سلفا كير رياك مشار مرتين، في عام 2013، وعام 2016.
كما لا يزال شعب جنوب السودان يتكبد المزيد من المعاناة؛ جرّاء عدم الاتفاق بين الخصوم، فهناك أكثر من 400 ألف من النازحين يتوزعون في مدن جوبا، وملكال وبانتيو وبور، وعلى الحكومة الجديدة أن تعمل على عودتهم إلى مناطقهم الأصلية قبل موسم الأمطار في يوليو/تموز المقبل؛ حيث تحتاج الحكومة إلى نحو 119 مليون دولار؛ لتلبية الاحتياجات الإنسانية للنازحين والعائدين الذين تصل أعدادهم إلى 1.5 مليون شخص في كل البلاد، في حين يوجد 7.5 مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، و2.2 مليون في البلدان المجاورة، كما تعرضت البلاد إلى غزو الجراد الصحراوي، وتهددت العديد من المناطق؛ جرّاء الفيضانات.
وأخيراً، وفي ظل التحديات المختلفة التي تنتظر تحقيق السلام في جنوب السودان، يبرز دور الوسطاء من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية التي مارست الكثير من الضغوط؛ لإنقاذ شعب جنوب السودان؛ واستعادة هذه الدولة لاستقرارها، بعد الحرب المستمرة لأكثر من خمس سنوات والتي أسفرت عن تداعيات خطرة لدولة جنوب السودان والدول المجاورة لها، ومنها أوغندا التي تستضيف وحدها أكثر من مليون لاجئ من جنوب السودان؛ بل أصبحت الحرب في جنوب السودان تمثل تهديداً للإنسانية والأمن العالمي، فلا بد من استمرار الضغوط الإقليمية والدولية؛ لإنجاح الترتيبات الجديدة المزمع تبنيها؛ لإرساء وفرض السلام في البلاد.

* كاتبة وباحثة (مصر)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"