حاسوب خارق يحاكي عمل الدماغ البشري

02:07 صباحا
قراءة 4 دقائق

من خلال استخدام أسرع حاسوب خارق في العالم قابل للتطوير يعمل ببطارية منخفضة الطاقة، استطاعت شركة آي بي إم محاكاة عمل 530 مليار خلية عصبية و100 تريليون نقطة اشتباك عصبية Synapses، في خطوة مهمة نحو إنتاج دماغ اصطناعي حقيقي، يحاكي عمل الدماغ البشري .

يمكن القول إن الدماغ البشري يعد العضو الأكثر تعقيداً في هذا الكون، حيث يمكنه التقاط وجمع الآلاف من المدخلات الحسية وتفسيرها جميعاً في وقت واحد والرد عليها بشكل مناسب، إضافة إلى قدرته على التلخيص والتعلم والتخطيط والاختراع، وكل هذه العمليات لا تستهلك سوى 20 واطاً، في حين يتطلب من حاسوب يستخدم التكنولوجيا الحالية 100 ميغاواط لإتمام هذه العمليات المعقدة، على حسب قول شركة آي بي إم .

ومن الواضح أن استخدام حاسوب يستهلك هذه الطاقة الهائلة، غير عملي للغاية، لذلك جاءت شركة آي بي إم بمفهوم الحوسبة الإدراكية، وهو نهج يجمع بين أحدث الاكتشافات في مجال علم الأعصاب وتكنولوجيا النانو والحوسبة الفائقة .

وقد علمنا علم الأعصاب أن المخ البشري يستهلك قليلاً من الطاقة لأن نشاطه يستند إلى الحدث الذي يقع أمامه، وبعبارات بسيطة فإن هذا يعني أن الخلايا العصبية الفردية ونقاط الاشتباكات العصبية، تستهلك الطاقة عندما يتم تفعيلها، ولكن هذا ليس هو الحال مع أجهزة الحاسوب اليوم، والتي في المقابل، تستهلك كماً هائلاً من الطاقة الكهربائية .

استخدم مهندسو شركة آي بي إم هذه المعرفة لبناء معمارية مبتكرة للحاسوب، ومن ثم استخدم هذا الجهاز لمحاكاة الخلايا العصبية ونقاط الاشتباك العصبية الموجودة في الدماغ البشري الحقيقي . وكانت النتيجة التي توصلت إليها الشركة ليست محاكاة بيولوجية أو دقيقة لوظيفة الدماغ، أو حتى طريقة التفكير أو التصور مثل الدماغ، لكنها تبقى خطوة حاسمة نحو إنشاء جهاز يمكن أن يقوم بهذه العمليات في المستقبل .

كيفية عمل الحاسوب:

كانت نقطة انطلاق الباحثين في آي بي إم نحو تطوير هذا الحاسوب الخارق، قاعدة بيانات CoCoMac، وهي قاعدة بيانات شاملة وغير مكتملة عن توصيلات الدماغ الاصطناعي، وبعد أربع سنوات من العمل المضني في تعديل وتطوير قاعدة البيانات، استطاع فريق الباحثين من إنشاء قاعدة بيانات قابلة للتطبيق استخدموها في التخطيط للدماغ الاصطناعي، ومن أهم مكونات النظام الداخلي لهذا الدماغ خلايا عصبية ونقاط اشتباك عصبية .

وتعد الخلايا العصبية في هذا الدماغ الاصطناعي مركز الحوسبة، حيث إن كل عصبون يمكنه استقبال إشارات من عشرة آلاف خلية عصبية مجاورة، ومعالجة البيانات، ومن ثم إطلاق إشارة من المخرجات، وتشير آي بي إم إلى أن 80 في المائة من الخلايا العصبية منشطة للخلايا العصبية المجاورة، في حين أن العشرين في المائة المتبقية هي خلايا مثبطة، وهي عندما تقوم بإطلاق إشاراتها، فإنها تقوم بتثبيط الخلايا العصبية المجاورة لها .

من جهة أخرى، تقوم نقاط الاشتباك العصبية بربط الخلايا العصبية مع بعضها، وفي هذه المرحلة تحدث عملية التذكر والتعلم . وكل من هذه النقاط العصبية يمتلك وزناً معيناً استناداً إلى عدد الإشارات التي تطلقها الخلايا العصبية، والتي تمر من خلال هذه النقاط . وعندما يمر عدد كبير من الإشارات العصبية عبر نقطة الاشتباك العصبية ذاتها، فإن وزنها يزيد، ومن ثم يبدأ الدماغ الافتراضي بالتعلم حسب نظرية هيب .

وتعمل الخوارزميات على التحقق بشكل دوري من أن كل عصبون يقوم بإطلاق الإشارات، إذ يتم بعد ذلك إخطار نقاط الاشتباك العصبية التي تقوم بتحديث قيم أوزانها والتفاعل مع الخلايا العصبية الأخرى تبعاً لذلك، والجانب الحاسم في هذا الموضوع هو أن الخوارزمية سوف تنفق قدراً ضئيلاً من طاقة وحدة المعالجة المركزية على نقطة الاشتباك العصبية النشطة فقط والتي تحتاج إلى الطاقة لإطلاق الإشارة العصبية، بدلاً من إضاعة طاقة وحدة المعالجة على جميع النقاط العصبية غير النشطة، وبذلك يتم توفير قدر كبير من الطاقة والوقت .

وتكمن الجمالية في معمارية هذا الحاسوب الخارق أنها تعمل تماماً مثل الدماغ العضوي الذي يستند نشاطه تبعاً للحدث الذي أمامه، إضافة إلى أنها اقتصادية في استهلاك الطاقة، وتتجاوز القيود التي تعاني منها أجهزة الحاسوب القياسية .

وتهدف شركة آي بي إم إلى بناء آلة صغيرة نسبياً بدماغ اصطناعي يحاكي عمل الدماغ البشري، على أن لا يتعدى استهلاكها للطاقة الواحد كيلوواط .

وفي الحقيقة فقد تمت صناعة حاسوب خارق لإتمام هذه العملية، وهو باسم Blue Gene/Q Seqoia ويستخدم مليوناً و572 ألف معالج وذاكرة بسعة 5 .1 مليون غيغابايت و6 ملايين سلسلة تعليمات .

وفي محاولة للتقليل من استهلاك الطاقة، تقوم شركة آي بي إم بصناعة رقائق خاصة تدعى أنوية الاشتباكات العصبية أو Neurosynaptic Cores، وتستفيد من جميع الإمكانات التي تسخرها معمارية الحاسوب، وفي نهاية المطاف ستحل هذه الأنوية محل الحاسوب للقيام بعملية محاكاة الدماغ البشري .

وبفضل التوازي في بناء معمارية رقائق Neurosynaptic Cores، يمكن للأجهزة التي تستخدم هذه التكنولوجيا معالجة كمية هائلة من المدخلات والبيانات، بأداء أفضل واقتصادي للطاقة، حيث من المتوقع أن يتم إنتاج تطبيقات أفضل للتنبؤات الجوية وتوقعات سوق الأوراق المالية وأنظمة مراقبة المرضى، وبرامج التعرف البصري إلى الأحرف، وغيرها الكثير .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"