حلول التراث المستدام.. حياة جديدة للماضي

التقنيات الذكية أحدث الحلول المعروضة في دبي
00:16 صباحا
قراءة 6 دقائق
دبي محمد حمدي شاكر:
«التراث المستدام.. رؤية عالمية وتجارب محلية» كان عنوان الدورة الرابعة للمؤتمر السنوي الذي تنظمه إدارة التراث العمراني والآثار ببلدية دبي، بهدف تبادل المعلومات والخبرات وعرض الممارسات المحلية لسبل الحفاظ على التراث العمراني والمستوحاة من الرؤى عالمية للاستدامة.
وتأتي تلك الجهود، باعتبار أن الموروث الثقافي من أهم ركائز التنمية المستدامة، فضلاً عن سعي دبي المتواصل نحو الريادة وجعلها أكثر مدن العالم استدامة.
وعُقد المؤتمر إلى جانب معرض دولي للحفاظ على التراث، بمركز دبي التجاري العالمي، بحضور نخبة من المتحدثين، الذين ألقوا محاضرات قيّمة في مجال الحفاظ على التراث العمراني والاستدامة، إلى جانب ممثلين للجهات الحكومية العاملة في ترميم المباني التاريخية وتأهيلها وإدارتها، وأبرزهم الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية، وأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب، والدكتورة آنا باوليني رئيسة مكتب ال «يونيسكو» في قطر، ومنير بوشناقي مدير المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي في البحرين، والدكتور زكي أصلان مدير المركز الإقليمي لحفظ التراث الثقافي في الوطن العربي (أيكروم - الشارقة)، والدكتور راشد خليفة الشعالي أستاذ مساعد، قسم الهندسة المعمارية، جامعة الإمارات.
واعتمدت أوراق عمل المؤتمر على 4 محاور رئيسية، شملت الخطط والاستراتيجيات والتوجيهات الخاصة بالتراث المستدام، ومنهجياته، والسياحة الثقافية، فضلاً عن الحلول الذكية للحفاظ على التراث.
ويعتمد المحور الأول الخاص بالخطط والاستراتيجيات والتوجيهات، على التشريعات ودليل قواعد السلوك وإجراءات التراث المستدام، المعاهدات والاتفاقيات الدولية والمفاهيم المتطورة في مجال استدامة التراث الثقافي والمناطق التاريخية، ومبادرة تنسيق المساحات الطبيعية الحضرية التاريخية والمنهجية المتكاملة للمناطق التاريخية، إلى جانب حماية الجوانب غير المادية من التراث.
وقدم د.خالد محمود أبو بكر وأماني أبو المجد، ورقة عمل كدراسة حالة لجمهورية مصر العربية عن أسس ومعايير التنسيق الحضاري ودوره في استدامة المباني والمناطق التراثية، وتؤكد ورقة العمل أن للتراث أهمية كبرى كونه أهم الموارد الاقتصادية، وتشير الورقة إلى أن خطط وعمليات حمايته في مصر شملت عدداً من المظاهر السلبية التي أثرت في تدهور المباني التراثية والنمو العشوائي حولها.

وقدم مصطفى غريب عبده أستاذ العمارة والتصميم بجامعة القصيم في السعودية، ورقة عمل استعرض فيها سبل الحفاظ على المقومات التراثية غير المادية، في مدينتي بريدة والقصيم السعوديتين، بينما ركز د. عبدالكريم محسن، في ورقته البحثية بخصوص القيمة التراثية للبلدة القديمة لمدينة غزة، على أن قلة الوعي بأهمية التراث العمراني من أهل البلدة، ومشاكل الاحتلال والقصف ستؤدي إلى اندثار تلك المعالم التي تعود إلى 3 آلاف عام قبل الميلاد، وطالب المختصين بتوعية الجماهير والحفاظ على تراث البلد العتيق.
ويعتمد المحور الثاني، بعنوان «منهجيات التراث المستدام»، على الأبحاث والدراسات الأحدث الخاصة بسبل صون التراث العمراني، والمفاهيم المتطورة الخاصة بالأصالة والسلامة القابلة للتطبيق في مواقع التراث العالمي، وتطوير وإدارة المناطق التاريخية، والتعاون والشراكة بين المؤسسات المعنية.
وفي هذا الإطار، ركز غسان أبو لبدة، منسق مساعد للفنون الأدائية بغزة في بحثه على فكرة توظيف الدراما من أجل رفع مستوى الوعي لدى الأطفال والشباب بأهمية المحافظة على التراث من خلال مشروع «تراث بلادي». وأوضح أنه من الواجب على الفلسطينيين حماية آثارهم ومبانيهم التراثية خصوصاً مع وجود محاولات سرقة وطمس للهوية الفلسطينية، وبالتالي للأعمال الدرامية والكرتونية التوعوية تأثير كبير على تشكيل الوعي لدى شريحة كبيرة من المجتمع الفلسطيني.
وقدمت المهندسة منال محمود حامد، بإدارة التراث العمراني ببلدية دبي، شرحاً مفصلاً عن الفناء الداخلي في البيت التقليدي في دبي، مع توضيح الكثير من العناصر المعمارية التي اكتسبتها وتميزت بها المباني التراثية وجعلتها قادرة على مواكبة الظروف الاجتماعية والبيئية متماشية مع العادات والتقاليد.
وأكدت على أهمية الفناء الداخلي، الذي يعد أبرز ملامح البناء التقليدي في الإمارة، والذي أبرز قدرة الأجيال السابقة على التكيف مع الظروف المحيطة، واعتبرته مثالاً مهماً على تمكن تلك الأجيال من تطبيق مفهوم الاستدامة بصورة تلقائية قبل انتشار التقنيات الحديثة.
وركز كل من د. فارس حميد، ود. عبدالباقي حيدر، ود. روزين كمال من العراق، على فكرة الحفاظ على التراث العمراني المستدام وتحديات الإرهاب، مع التركيز على استهداف الذاكرة الحضارية لمحافظة نينوى العراقية. ورصدوا في بحثهم التحديات التي تواجه التراث العراقي والآثار خصوصاً الإرهاب والنهب والتدمير التي بدأت منذ أبريل/‏‏‏‏‏‏نيسان 2003 وحتى وقتنا هذا، وشرحوا كيفية الحفاظ على تلك الآثار التي تعود لآلاف السنين، إلى جانب تركيزهم بشكل مباشر على وجود تواطؤ من جهات خارجية ودولية للإساءة للتراث العمراني، واتجار تنظيم «داعش» الإرهابي بمقتنيات العراق الأثرية لتمويل عملياته التدميرية.
وركز د. حسين العيدروس، باحث في الآثار القديمة بالهيئة العامة للآثار والمتاحف باليمن، على ضرورة استخدام التصاميم والمواد التقليدية في العمارة الحديثة، وضرب مثلاً بمنتجع حيد الجزيل في وادي دوعن باليمن، الذي يصنف كمنتجع إرث تاريخي شيد بالكامل من مادة الطين الأصلي. ويعتمد محور «الاستدامة والحلول الذكية للحفاظ على التراث» على المنهجيات والأساليب الذكية لصون التراث، والتدريب، والتعليم وبناء القدرات والإمكانيات، وتكنولوجيا وإدارة المعلومات، والممارسات المستدامة ضمن وسائل الإعلام الاجتماعية المختلفة.

ويؤكد د.علي المنصوري، مدرس بقسم المعمار كلية الهندسة جامعة الأزهر، على أهمية صياغة معاصرة لمفردات العمارة الإسلامية، والحفاظ عليها وسط مشكلات الاحتباس الحراري وتلوث البيئة، ومن ثم ظهرت مجموعة مقاييس تحقق الاستدامة والكفاءة البيئية، واكبها ظهور مجموعة من التقنيات الذكية المتقدمة والتطبيقات الهاتفية التي تقدم حلولاً نموذجية لتلك المشكلات، مثل تقنية توليد الطاقة وكفاءة استهلاكها، والاعتماد على مصادر نظيفة متجددة من شأنها استدامة المكان الأثري وجماليات العمارة الإسلامية.

ويستعرض محور «السياحة الثقافية وربطها بالاستدامة»، الترويج للثقافة المادية، والجوانب الاقتصادية لها، وعرض د.محمد البلقاسي، الأستاذ المساعد بجامعة أم القرى بالسعودية، من خلاله أوراقه البحثية فكرة الاستثمار السياحي للمناطق التراثية ورفع الوعي بقيمتها، وقدم د.فؤاد بن غضبان، من جامعة أم البواقي بالجزائر، ورقة بحثية استعرض فيها سبل تنمية التراث العمراني الحفاظ عليه، فيما سلط د. عبد المجيد الرجوب، الأستاذ المشارك بكلية الهندسة المعمارية جامعة آل البيت بالأردن، الضوء على توظيف موارد التراث في السياحة.

أحمد التوفيق: الإرث العمراني ملك للأجيال

يقول أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب، إن الحفاظ على الإرث العمراني في العالم العربي ضرورة خصوصاً للأجيال المقبلة لضرورة ربطهم بماضي أجدادهم العريق وتراثهم.
وعن «التراث المستدام» يوضح أن استخدام المصطلح يرجع إلى وجهة نظر اقتصادية، والتخوف من تهدم الآثار والمباني التراثية بعد عمليات ترميم تكلف الملايين، لذا كان من الضروري الوصول إلى طرق للمحافظة على آثار المنطقة بشتى الطرق.
وعما إذا كان هناك أسس ومنهجيات متبعة لتحقيق تراث مستدام، يقول التوفيق: «العالم سبقنا بمراحل في هذا الموضوع، وبالاهتمام بالثقافة، وله العديد من التجارب في هذا النطاق، فنحن لا نبدأ من الصفر بل نستكمل الطريق، وعلينا أن نكيف الخبرات العالمية على حسب متطلباتنا وأحوالنا حتى نبقى محافظين على هويتنا العربية».
ويشير إلى وجود عدد من المبادرات التي قدمتها إدارة التراث العمراني ببلدية دبي، شملت إصلاح بعض المباني التراثية وإعادة ترميمها بأساليب معتمدة دولياً أعادتها لطبيعتها الأولية، ما اعتبره دليلاً على متانة وقوة العلاقات بين الدولة والمملكة المغربية.
ويضيف: «يجب علينا في البداية أن نبادر بإدراج التراث في كتب التاريخ والتربية الوطنية والدينية حتى يعشقها التلاميذ منذ الصغر، ويهتموا بها، فالتوعية دائماً تبدأ من المدارس قبل أي شيء، وهذا الحديث لا يمكنه التقليل من قيمة الدراما والفنون، ولكن يمكننا أن نقول إنها تساعد على نشر التوعية في إطار شرائح معينة».

مبان حديثة  بواجهات تاريخية

يقول المهندس أحمد محمود أحمد، رئيس قسم تنفيذ مشاريع التراث العمراني ببلدية دبي: حاولنا جاهدين من خلال المؤتمر والمعرض أن تتركز أوراق عمله حول استدامة المباني التاريخية بحلول ذكية.
ويضيف: نوظف تلك الحلول للكشف عن أية أضرار قد تصيب المباني قبل حدوثها بفترة، إلى جانب بعض التطبيقات على أجهزة المحمول التي تنشر هذا المفهوم، وتعرف ملاك العقارات بكيفية إنشاء مبان حديثة بواجهات تقليدية وتاريخية.
ويوضح أن استدامة المباني التراثية والعمل على جعلها دائماً في أفضل صورة يجذبان العديد من السائحين للدولة للتعرف إلى تراث وتقاليد دبي بعيداً عن الأبراج والعمارة الحديثة المنتشرة، وبالتالي يكون لذلك عائد مادي إما يدخل في اقتصاد الدولة، وإما يسهم في الحفاظ على المباني نفسها وإعادة ترميمها وتطويرها وبالتالي تحافظ على استدامتها.
وعن الخطط المستقبلية، يقول: ترقباً ل «إكسبو 2020» ينتظر العديد من زوار المدينة رؤية الجزء الآخر من دبي كالحضارة القديمة والتراث الأصيل، ومن هذا المنطلق عقدنا شراكة مع دائرة السياحة والتسويق التجاري لإقامة مشاريع لتطوير المنطقة التاريخية في الشندغة وتوظيف مواقعها كي تكون متنفساً آخر للسائحين الذيين وصل عددهم لأكثر من 12 مليوناً سنوياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"