دلال القهوة الإماراتية.. رائحة الكرم

صنعت أولاً من الفخار
03:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة: فدوى إبراهيم

تعتبر القهوة العربية عنوان الضيافة الأصيلة، لها نكهتها وتقاليدها الخاصة، وعلى مقدمها ومحتسيها أن يكونا على دراية بطريقة ضيافتها، وتُصب من خلال الدلة المعدنية، التي تعود إلى عصور قديمة. وأثبتت بعض الأبحاث والدراسات عودتها إلى عصر ما قبل الميلاد، وللقهوة الإماراتية مذاقها وأدواتها وتاريخها، الذي يحدثنا عنه د.أحمد محمد الخوري، أحد أبرز مقتني التحف الأثرية والمهتم كثيراً جداً بالتاريخ في الدولة.

في الإمارات تعد القهوة أكثر من مجرد مشروب، وأوانيها رمز للكرم وحسن الضيافة، وخدمتها تقليد بدوي قديم يرجع تاريخه إلى أكثر من 500 عام، وهي طقس لجمع الناس معاً للحديث عن أحداث اليوم والأسبوع، ومناقشة القضايا، لذلك يُعتبر صنعها وشربها تراثاً ثقافياً غير ملموس.
يقول الخوري إن الدلال كانت تصنع في بادئ الأمر من الفخار، ثم تطورت صناعتها وخصوصاً في الجزيرة العربية، حتى أصبحت نحاسية ثم برونزية، وبدأت صناعة النوع شبه المزخرف منها في العراق والأحساء بالسعودية، ثم انتشرت في الجزيرة العربية، وعليه تطورت الزخارف والأحجام وكذلك أنواع المعادن، حتى إن بعضها أصبح خليطاً من البرونز والنحاس وأخرى فضية تماماً.
ويشير الخوري إلى أن الدلال التي استخدمت في الإمارات أنواع، وأبرزها رسلان من بلاد الشام، والشطراوية والبغدادية من العراق، واليمنية من اليمن، والبحرينية من البحرين، والحساوية والنجدية والحيلية من السعودية، والأواني المصنوعة في نزوى بسلطنة عمان أكثر شعبية داخل الإمارات، ويرجع ذلك أساساً إلى السعر والحجم والجودة والتصميم الجميل.
وكانت الدلال الفلاحية ذات طابع مختلف وملامح جمالية مميزة بحسب الخوري؛ إذ يرجع تصميمها إلى الشيخ فلاح بن ياس في القرن السادس عشر، جد الشيخ عيسى بن نهيان، وهو أول شيخ لقبيلة آل نهيان قبل 400 سنة، وتعتبر (دلة الكرامة) لخصوصيتها من حيث الشكل والتصميم والحجم، وكانت بثلاث حلقات، اثنتان من الفضة، ومنها صُممت الدلة الإماراتية.
ويرى الخوري أن دلال القهوة في إمارة أبوظبي لا تزال تحتفظ بتصميم الدلة الفلاحية، وتتميز بنحافتها وأناقتها. وعلى الرغم من أن الأنواع الأصلية قديماً صُنعت من الفخار، فإنه مع التطور أصبح شكلها أكثر أناقة وتُعتبر نادرة ويصعب اقتناؤها.
يقول: «دلال القهوة الفاخرة هي لزعماء القبائل والتجار الكبار، وكانت محفورة بأسمائهم وصنعت من النحاس والبرونز والفضة، أما دلة الشيخ زايد الأول، فهي مصممة على الطريقة الفلاحية، وأهميتها ترجع إلى كونها أُهديت إليه من قبل أخته بعد عودته منتصراً من إحدى الحروب». ويضيف: «صوّر المستشرق الألماني هيرمان بوخارت الدلة الفلاحية (دلة الكرامة) في سنة 1903-1904 أمام قصر الحصن، عند تقديم القهوة للضيوف بحضور الشيخ زايد الأول وحشد من المواطنين، وأصدر بوخارت كتابه في سنة 1910، ويوضّح فيه طريقة تقديمها أثناء البرزة».
ويمتلك الخوري 6 دلال إماراتية، إحداها فلاحية، و3 فخارية كانت تُستعمل في الإمارات قبل 200 سنة، و22 دلة إماراتية عمانية، يرجع تاريخها إلى أواخر القرن التاسع عشر وبعضها منقوش عليه أسماء رؤساء القبائل، و15 أخرى من الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق. أما أقدم دلة نحاسية فعمرها نحو 180 سنة، والبرونزية 150 سنة، أما المزخرفة والمخلوطة بين النحاسي والبرونزي فنحو 125 سنة.
تُحضر القهوة العربية وفق أصول باستخدام ثلاث دلال، «الخمرة» التي يُغلى فيها الماء والقهوة، «اللقمة أو التلجيمة» وهي للتنقية، أما «المزلة» فهي التي تقدّم فيها للضيوف بواسطة فناجين صغيرة مستديرة مزخرفة، وهو ما يوضحه الخوري.
وطريقة تقديم القهوة تقليد مهم لدى العرب والإماراتيين؛ إذ يجب إعطاء الفنجان باليد اليمنى للضيف، وفي بعض الأحيان يستحسن عند البدو أن يحتسي المضيف أول فنجان لتقييمها وإظهار حسن النية قبل تمريرها، وعلى مقدمها أن ينحني في تقديمها حتى يصل مستوى الفنجان إلى أقل من مستوى صدر الضيف وفي متناول يده.
وتعتبر الكمية المعروضة في فنجان القهوة العربية شرطاً أساسياً في أساليب الضيافة، ويجب أن يكون مملوءاً إلى أقل من النصف، مما يعكس ما يعرف ب«سبت الحشمة». ودلالة وجود كمية أكثر من نصف الفنجان تكشف عن أن الضيف غير مرحب به، وينبغي أن يترك المكان في أقرب وقت ممكن، كما أن إحدى العلامات الفريدة المعروفة عن العرب عند شرب القهوة هي «هز الفنجان»، وهي علامة من الضيف أنه راضٍ ولا يريد المزيد منها، أما إذا لم يهزه، فإن المضيف سيفهم ويستمر في خدمته، بحسب الخوري.
ويشير الخوري إلى أن العرب ورثوا أيضاً أسماء عدد فناجين القهوة التي يتم تقديمها، فالأول منها يسمى «هيف»، والمضيف يشربه ليثبت للضيف أن القهوة لا تحتوي على أي ضرر، إضافة إلى تقييم نوعيتها، ويسمى الثاني «فنجان الضيف»، وهو الذي يستهلكه الضيف، مما يعكس الفخر والشرف تجاهه. أما الثالث فهو «الكيف» ويُشرب للاستمتاع بالطعم، بينما يسمى الأخير والرابع «السيف»، الذي يشربه المضيف أيضاً مع ضيوفه، ويرمز إلى موقفه الثابت لحمايتهم، في حالة أي ضرر أو عدوان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"