دورات الأدب مستمرة

02:26 صباحا
قراءة دقيقتين
يوسف أبولوز

تشبه الدورات الإبداعية في العالم، إن جاز وصفها ب«الدورات» حركة التاريخ في دوراته التحوّلية الكبرى، والتي جرّاءها تتغير كيانات سياسية بأكملها؛ بل، الجغرافيات والأقاليم وحتى البيئات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وفي الأدب نجد ما يشبه هذه التغيّرات التي تنتج عن الدورات الإبداعية أو الأدبية والتي تقوم عادة وأساساً على الكتّاب من شعراء وروائيين بشكل خاص، وهؤلاء يجري وصفهم عادة تبعاً للمرحلة التي يظهر فيها هذا الكاتب أو ذاك، فيترك أثراً تحوّلياً في ثقافة بلاده، لا بل يمتد أثره إلى العالم كلّه، وَيُسمّى هؤلاء التأسيسيون المؤثرون عادة بِ«الروّاد»، ولكن بعد حين من الدهر قد يقصر أو يطول يظهر من يزيح هؤلاء الروّاد القدامى، ليحل محلهم «روّاد» جدد أو مؤثرون جدد، وهكذا من دورة إبداعية إلى دورة إبداعية أخرى تظهر رموز وأسماء تضع بصمتها الأدبية، وتمضي، لتظهر بعدها بصمات أدبية أخرى قد تتفوّق؛ بل، وتتفوّق على الروّاد الأوائل.
مرة ثانية كل وحدة إبداعية تزيح الوحدة الإبداعية السابقة عليها، وفي حقيقة الأمر هي ليست إزاحة بالمعنى الإلغائي؛ بل بالمعنى التكميلي كل وحدة إبداعية تكمّل الوحدة الإبداعية السابقة عليها. ظهر في مصر آدم حنين، وحسين بيكار، وغيرهما من كبار الفن لكن ظهر بعد ذلك محيي الدين اللبّاد، وجورج بهجوري، وغيرهما من رسّامي النصف الثاني من القرن العشرين في مصر.
كانت الريادة الشعرية (في الدورة الأدبية الخمسينية والستينية من القرن العشرين) لنازك الملائكة، وبدر شاكر السيّاب، وبلند الحيدري، وعبد الوهاب البياتي في العراق، وصلاح عبدالصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي في مصر، وعبد الله البردوني في اليمن، وعمر
أبو ريشة في سوريا، ومصطفى وهبي التل (عرار) في الأردن، وأحمد أمين المدني في الإمارات، ونزار قباني وسعيد عقل في لبنان، وغيرهم وغيرهم من أعلام ريادية، تأسيسية، في المغرب، والجزائر، ودول الخليج العربي وبلاد الشام، ولكن روح الإبداع الشعري لم تتوقف عند ذلك الصف الطويل من الشعراء، وستحمل السبعينات والثمانينات أسماء جديدة لها شخصياتها الأدبية الذاتية. نحن هنا مرة ثانية في خضم دوائر متلاحقة. صحيح أن الموت يطوي الشعراء والروائيين والفنّانين من رسامين ومسرحيين وموسيقيين، ولكن الموت لا يطوي أو لا يُغيّب الفن.
بكلمة ثانية، الريادات الأدبية لا يلغي بعضها بعضاً، فهي تظل على شكل متواليات إبداعية تتكامل ولا تتصارع، ولكن المهم هنا، هو الإشارة إلى النقد الأدبي الذي له دور كبير في الإضاءة على أسماء في حدّ ذاتها، ريادية في الأغلب، إلى درجة أن تعمي هذه الإضاءة أعين نقّاد الأدب عن أسماء جديدة تشكل بدورها ريادتها ووزنها الثقافي، أو لنقل تشكّل دورتها أو وحدتها الإبداعية الجديدة.
أكثر من ذلك، يبدو بعض النقد الأدبي طفيلياً على نتاج الروّاد بشكل خاص، ولا ينتبه إلى أن كتابة جديدة تولد من رحم كتابة قديمة هي أيضاً جديرة بالقراءة والإضاءة؛ لكي تتوازى بذلك متواليات الإبداع، مع متواليات النقد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"