بيت العنكبوت هو أوهن البيوت كما وصفه الخالق، ومع ذلك، تبني هذه الحشرات شبكات عملاقة يصل طولها إلى ثمانين متراً في بعض الأحيان ويشارك في بناء هذه الشبكة مليون عنكبوت تقريباً. هذه الظاهرة موجودة بالفعل في حديقة تاواكوني العامة في تكساس ويصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار وتشييدها استغرق أسابيع عدة فقط. ويطلق المختصون على هذه الشبكة، شبكة الموت، فهي بمثابة الأفخاخ للحشرات الأخرى ولذا يخرج من الشبكة اليوم رائحة نفاذة مذهلة جراء تحلل آلاف الحشرات داخلها.
أمام دهشة الباحثين، تبين لهؤلاء أن النوع المسؤول عن هذه الشبكة العنكبوتية العملاقة هو نوع يسمى (تيترا نياتا) وهو معروف بعيشته المنفردة الصارمة التي لا تترك المجال لأي نوع من الحشرات الأخرى كي يحتل أرضه أو مجال عيشه ولذا نجده يبذل مضنياً بسط سيطرته من خلال شبكة عملاقة بالفعل.
ولكن كيف يتمكن هذا النوع من تشكيل هكذا شبكة؟! كل ذلك يأتي بالطبع جراء وفرة الغذاء في المنطقة التي يعيش فيها، ففي الخريف الماضي فقط اجتاحت المنطقة أعداد هائلة من البعوض والذباب الصغير، الأمر الذي جعل هذا النوع من العناكب يبالغ في التهام هذه الحشرات الى درجة انه فقد الشهية وامتنع عن افتراس بعضه بعضاً كما هو شائع بين العناكب.
وبدلاً من انتظار ضحية عابثة لتسقط في شبكته العملاقة، يفضل العنكبوت المصارع، الهجوم والقنص في الشبكة مباشرة. وعلى الرغم من ان حجم الفخ لا يتجاوز حجم طابع البريد، إلا انه قوي ومرن جداً والويل كل الويل للحشرة أيا كان نوعها التي تقترب منه إذ لا يكاد العنكبوت يشعر بأقل اهتزازة ممكنة، حتى يرمي شبكته بأسرع من البرق ويلف بها الضحية التي تصبح في وضع حرج بانتظار الضربة القاضية من العنكبوت الذي يوجه لها لسعة سامة من كلابتيه الكبيرتين اللتين تحيطان بفم الضحية للقضاء عليها تماماً.
وعندما يضجر العنكبوت من نسج شبكته الجميلة، واصطياد حشرة تائهة، فإنه يفضل تعزيز الشبكة وتقويتها بعدد أكبر من الخيوط الحريرية راسماً شكلا يشبه حرف (Z) بلون أبيض ناصع، وهي طريقة لتخدير الطيور والخفافيش وحيلة اضافية لجذب الحشرات إذا ما تطلب الأمر ذلك.
ومن المستحيل بالطبع مشاهدة العناكب وهي تنسج خيوطها بالعين المجردة، لكن تصوير العملية بالكاميرا السريعة المتقدمة يمكننا من رؤية الخيوط الحريرية وهي تخرج من بطنها، وبمجرد خروج هذه الخيوط، فإن العنكبوت يجذبها لإعطائها الطول والسمك المطلوبين، فليست الخيوط كلها ذات طول وسمك واحد، فالخيوط التي تنسجها العناكب تتفاوت فيما بينها حسب الهدف المنشود، فمنها ما يكون للإيقاع بالذباب الصغير ومنها لإسكان الصغار ومنها بالطبع لتكبيل بعض الضحايا العنيدة التي يصعب الإيقاع بها بسهولة، ومن المدهش أن خيوط العنكبوت ذات قوة ومرونة يمكنها التمدد بمعدل مرتين لطولها الأصلي دون ان تنقطع، ولذا يقال عنها لطولها إنها أمتن من الفولاذ.
من أنواع العناكب، نوع يعيش تحت الماء بغية إشباع شراهته في كل لحظة وتعرف هذه الأنواع بالأوروبية، ويمكن للعنكبوت البقاء تحت الماء لفترة طويلة، بفضل آلية عجيبة تعتمد على إناء هوائي، فعندما يوجد العنكبوت تحت الماء فإنه ينسج شبكته على هيئة كرة هوائية يعلقها بسيقان النباتات المائية حيث يقوم بنفخها لتعبئتها بالهواء، كما نقوم نحن بنفخ البالون، وللحصول على الهواء يمتلك العنكبوت فوق قوائمه وفي أسفل جسمه جزة سميكة، فعندما يُخرج مؤخرته من الماء فإن الشعيرات تحبس الهواء ويصبح بطنه محاطاً بكرة غازية كبيرة وفي تلك الحالة يحمل العنكبوت هذه الكرة إلى أعماق الماء ثم يقوم بحقن ما فيها من هواء بقوائمه الخلفية داخل الإناء الهوائي الحريري، ويكفي ان يقوم العنكبوت بخمس أو ست رحلات ذهاباً وإياباً كي يملأ هذا الإناء ويجعله صالحاً للإقامة الطويلة فيما بعد، وتعتبر هذه الكرة بالنسبة للعنكبوت بمثابة عش الحب والحاضنة والمخزن الذي يوفر فيه طعامه طوال مدة اقامته ولا يخرج منها إلا إذا أراد الذهاب إلى أعماق الماء للبحث عن صيد ثمين.
