صناعة الجمال

01:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
جمال الشحي

اليوم ينطلق أحد أهم المعارض العربية، وفي ضوء تحديات كبيرة تعصف بصناعة الكتاب ومستقبل الكتب في العالم، نستقبل هذا الحدث الثقافي الأكبر محلياً بتفاؤل كبير، وبطموح عال، وعلى أمل أن تتسارع حركة النشر محلياً وعالمياً، وتنمو أكثر فأكثر.
نعلم جميعاً أن الكتاب العربي يعاني والكاتب كذلك أيضاً، مع عدم وجود صناعة للنشر واضحة الملامح في المنطقة، تؤدي دورها بطريقة احترافية، وتحرك العجلة البطيئة إلى الطريق الصحيح، وتساهم في إيصال الكتاب للقارئ واجتذابه لقراءته.
وقد يكون الاستثمار في الثقافة، هو ملعب الفرص الجديدة في اقتصاد الدول الحديثة، والتي لها خططها الاستراتيجية في تنويع مصادر الدخل، لأن ما تقدمه الثقافة من عائدات مضمونة في قطاعاتها المختلفة يصنع الفارق في دول المنطقة، التي لها حضارة مميزة وتاريخ موغل في القدم، تستطيع بجهد خاص أن تقدمه للعالم عن طريق السياحة والمتاحف والإنتاج الفكري والأدبي، كما تستطيع أيضاً من خلاله توفير فرص عمل في تلك المجالات في القطاع الخاص وأيضاً في القطاع الحكومي.
المشاريع الثقافية والاستثمار فيها بطريقة صحيحة، يؤسس لصناعة الثقافة في المدن، ويساهم في تغيير ملامحها، وإبراز البعد الثقافي والحضاري للمكان، وإضافة لذلك يساهم في إظهار هوية الأفراد والمجتمعات، لأن المكان والتاريخ واللغة، هي الروافد الرئيسية لتشكيل الوعي المجتمعي والهوية.
القطاع الخاص في الثقافة يلعب دوراً حيوياً في المساعدة على تأسيس صناعة مكتملة المعالم لهذا القطاع، بما يمتلكه من أفكار ورأسمال وفرص وظيفية، ومع وجود تشريعات وقوانين وجمعيات نفع عام ومؤسسات المجتمع المدني، ستتبوأ الثقافة بلا شك مكانها الصحيح وتصبح لاعباً رئيسياً في الاقتصاد.
الثقافة ليست ترفاً للشعوب بل حاجة أساسية ومهمة في تطور تلك الشعوب، بما تقدمه من مساهمات ملموسة في صناعة الجمال وتوثيق إنتاج الشعوب وارتفاع مستوى الوعي الفردي من خلال انتشار ثقافة القراءة.
وفي الإمارات، حيث التعدد الثقافي الكبير، يمكن بوضوح أن نرى أن الأرضية خصبة وممهدة لتأسيس صناعة واعدة للنشر التي بدورها تصب في صناعة الثقافة، وخصوصاً في ظل القوانين المشجعة للنشر، والمُيسرة له، والدافعة نحو مزيد من التطور، وبلوغ فضاءات رحبة، يجد فيها الناشر ذاته كمشروع اقتصادي، تماماً كما يجد ذاته كمشروع ثقافي.
إن المدن الثقافية الضخمة بحجم أبوظبي ودبي والشارقة والجوائز الأدبية والمعرفية التي تطلقها مختلف المدن في الدولة، وأيضاً معارض الكتب التي لها مكانتها العالمية، ومعها أيضاً المنشآت الضخمة من متاحف ومسارح ودور عرض ومؤتمرات، بالإضافة إلى احتضان مقرات دولية ثقافية ومناطق حرة في المجال الثقافي، كل ذلك هو البداية الصحيحة لصناعة ثقافية مكتملة الملامح، كما أن الإنتاج الأدبي والعلمي الذي تقوده صناعة النشر من كُتاب ودور نشر ومطابع ومكتبات، ترفده مبادرات حكومية لتشجيع القراءة، هي العمود الفقري لهذه الصناعة.
ولعل أبرز حدث يجسد تلك الاستراتيجية الرشيدة، ويوفر مساحات هائلة للناشرين وللقراء، هو معرض الشارقة الدولي للكتاب، هذا المعرض أصبح محفلًا ثقافياً مهماً، فهو لا يقدم فقط منصات لبيع وشراء الكتب، بل يمتد أبعد من ذلك، من خلال تقديم برنامج ثقافي متكامل مصاحب للمعرض، يعبر بقوة عن المشهد الثقافي المحلي والعربي، ويمكننا القول إن المعرض أصبح حالة خاصة ونتيجة مهمة وبارزة للفكرة الاستراتيجية التي تحدثنا عنها في هذا المقال وهي صناعة الثقافة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"