صناعة الخوص في مصر.. زينة وخزينة وتراث

أقدم مهنة تقليدية في الصعيد تنافس أحدث الديكورات
01:08 صباحا
قراءة 4 دقائق
القاهرة: «الخليج»
تزين منتجات الخواصة في مصر، جدران البيوت وحدائق الفيلات الفاخرة، بعدما تحولت خلال السنوات الأخيرة، إلى صرعة في الديكور، بعدما ظلت لقرون من الزمان، ترفد بيوت الفلاحين في القرى البعيدة، بما تيسر من سبل الحياة.
وتعد صناعة الخوص واحدة من أقدم الصناعات التقليدية في مصر، إذ تضرب بجذورها إلى عمق التاريخ، حين استخدم المصري القديم، العديد من المكونات البيئية من حوله، في صناعة العديد من الأغراض التي تساعده على الحياة، وفي مقدمة هذه المكونات سعف النخيل، وهي المهنة التي توارثها الآباء عن الأجداد على مدار قرون من الزمان، وهو ما يبدو من انتشارها حتى اليوم، في العديد من المناطق، خصوصاً التي تنتشر فيها زراعات النخيل مثل الواحات البحرية وسيناء والصعيد ومحافظات الوجه البحري.
تعتمد صناعة الخوص على أدوات بدائية بسيطة، يستخدمها الصناع بمهارة متوارثة، ويظل الفيصل دائماً هو خيال الصانع وذوقه الذي يضفي به على العمل تميزاً عن غيره من الأعمال المصنوعة من السعف الذي يمر بدوره بعدة مراحل قبل أن يصبح جاهزاً للتشكيل، ومن أهم هذه المراحل غمره في الماء حتى يصبح ليناً قابلاً للتشكيل بسهولة.
وتحترف العديد من قرى الصعيد في مصر تلك الصناعة، التي تزدهر في مواسم معينة من كل عام، وهي المواسم التي ترتبط عادة بعملية «تلقيح النخل»، التي تكون غالباً في شهري فبراير ومارس من كل عام، وفيها تُلقح النخيل حتى تثمر على نحو أفضل، باستخدام كيزان التلقيح، وهي كيزان مستطيلة تحتوي على حبوب اللقاح إلى جانب مادة بيضاء تشبه الدقيق، تُنثر على مناطق الإثمار في النخلات حتى تؤدي إلى أطيب الثمر.
ويستخدم الخواصة، الذين يعملون في تلك المهنة، سعف النخيل الأخضر، في تشكيل العديد من المنتجات، بعد غمره في الماء لفترة. ولكل سعفة في تلك الصناعة مهمة، فالسعف الذي يوجد في قلب النخلة ويتميز بليونته، يستخدم في صناعة السلال وبعض الفرش التي توضع في البيوت، التي يطلق عليها المصريون «الحصير»، فيما يستخدم السعف الأقوى نسبياً في صناعة السلال الكبيرة وبعض قطع الأثاث مثل المقاعد والمناضد وغيرها.
وتنافس النساء الرجال في تلك المهنة، إذ لا يتطلب العمل بها مجهوداً عضلياً من شأنه أن يصنع الفارق، وإنما المهارة في تطويع السعف، والذوق في اختيار أشكاله، وهو ما تثبت النساء فيه تفوقاً كبيراً، على نحو ما يجري في قرية الأعلام التابعة لمحافظة الفيوم، التي تعد من أشهر القرى المصرية التي تحترف تلك الصناعة منذ عقود من الزمان.وتقول فاطمة جمعة، وهي واحدة من فتيات قرية الأعلام التي تحترف تلك الصناعة منذ سنوات بعيدة: «تعلمت تلك الصناعة على يد والدي الذي خرج إلى الحياة ليجد أسرته بالكامل تعمل في تلك المهنة. وعلى مدار سنوات طفولتي تعلمت أسرارها ومختلف فنونها، وصنعت بيدي العديد من الأشكال بدءاً من الأواني التي تستخدم على الموائد وحفظ الطعام، وليس انتهاءً بالأطباق التي تعلق على الجدران كزينة للبيوت».
والخوص المستخدم في تلك الصناعة حسبما تقول جمعة نوعان، الأول يُطلق عليه الصناع «اللبة»، وهو الخوص المستخرج من قلب النخلة، وهو يتميز بلونه الأبيض وحجمه الصغير، فضلاً عن سهولة تشكيله، ويستخدم هذا النوع في صناعة أطباق الزينة، وبعض البسط التي تستخدم في البيوت، إلى جانب استخدامات أخرى دينية، على نحو ما يجري في أعياد الأقباط فيما يعرف بـ«أحد السعف»، وفيه يقدم الصناع على تقديم أشكال عدة باستخدام الخوص، من بينها التيجان والخواتم والأساور، بينما يُستخدم النوع الثاني من الخوص، الذي يتميز بخشونته وصلابته، في صناعة المقاعد والسلال كبيرة الحجم.
ويقول شحاتة عبد العزيز، أحد أقدم الصناع في القرية: «يستخدم سعف النخيل الخشن في العديد من الصناعات بدءاً من الأقفاص التي تستخدم في نقل الفواكه، وحتى المقاعد والمناضد، ويُغمر السعف أولا بالماء حتى يصبح أكثر ليناً، ومن ثم يسهل تشكيله، ويمكن أيضاً صباغة الخوص بالألوان، لكننا نفضل دائماً الصباغة بالألوان الطبيعية، إذ تبدأ عملية الصباغة بوضع اللون في إناء كبير مملوء بالماء المغلي، ثم إضافة السعف المطلوب تلوينه لمدة دقائق يتشرب خلالها اللون، قبل رفعه من الماء، ووضعه في الهواء ليتشرب الصبغة».
ويتنوع إنتاج الخواصة في مصر بين السلال بأشكالها المختلفة، التي تتخذ أشكالاً وأحجاماً مختلفة، إلى جانب العديد من الأدوات المستخدمة في البيوت الريفية، مثل أواني حفظ الطعام والمراوح اليدوية، وإن ظلت نوعية السعف والجريد ترتبط على نحو مباشر بنوعية النخيل، ويقول شحاتة إن السعف المستخرج من نخيل التمر، هو الأقوى بين أنواع النخيل المختلفة، وهو يضاهي بعد تجفيفه قوة خشب الزان في الأخشاب الطبيعية، لذلك فهو يستخدم دائما في صناعة المقاعد والمناضد، فهو إلى جانب قوته يتميز مثل جريد النخل الصعيدي بمرونته أثناء التشكيل.
وفي الآونة الأخيرة تجاوزت منتجات الخواصة في مصر، أسواق القرى البسيطة إلى القصور والفيلات الفارهة، إذ يحرص كثير من ساكني تلك المناطق على تزيين بيوتهم بمنتجات تقليدية تضرب بجذورها إلى عمق التاريخ.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"