ضحية الطمع

أوراق قضائية
02:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
كتب: محمد ياسين

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
تجلس في أحد أركان غرف المؤسسة العقابية في دبي لقضاء حكم بالسجن المؤبد، ويظهر على ملامحها السمراء الحزن واليأس، وعدم الاندماج مع محيطها من المحكومات.. هكذا هي حال سيدة تنحدر من إحدى القرى النائية في دولة إفريقية، تم القبض عليها أثناء دخولها إلى الدولة قبل سنوات، خلال محاولتها تهريب مواد مخدرة في أحشائها.
عاشت السيدة حياة الفقر والحرمان مع طفلتها الرضيعة التي أنجبتها بعد زواج لم يدم طويلاً؛ حيث تركها الزوج لتتحمل هي مسؤولية تربية طفلتها، وحاولت خلال سنوات توفير حياة كريمة لرضيعتها من بعض المشغولات اليدوية التي كانت تصنعها داخل منزلها وتبيعها في سوق القرية الصغير، وحسب روايتها أن واقعها المرير الذي تعيشه جعلها تطمع في حياة أفضل، بعد ما عرض عليها أحد زبائنها أن تربح ثلاثة آلاف دولار من عمل لا يستغرق أكثر من أسبوع، فاستفسرت منه عن طبيعة العمل وآلية تنفيذه، لكن الرجل وهو من قريتها نفسها رفض الحديث عن تفاصيل العمل حتى تبلغه بموافقتها على العرض، وتركها أياماً حتى بادرت هي بالاتصال به بعد التفكير في الثروة التي تنالها فور تنفيذ طلبه، ووافقت على تنفيذ ما يطلبه منها للحصول على المبلغ.
حقيقة الأمر أن الرجل أحد أعضاء عصابة دولية لتهريب المخدرات، تستغل حاجة الفقراء في عمليات التهريب إلى دول مختلفة، وبعد موافقة المرأة شرح لها خطته لتنفيذ عملية التهريب التي تنطلق من مطار عاصمة دولتها حتى تصل إلى مطار دبي، وبعد أيام من موافقة المرأة وشرح مخططه الإجرامي للتهريب حدد يوم سفر المرأة؛ حيث رتبت أمر إقامة طفلتها لدى إحدى جاراتها، وتركت لها مبلغاً لتصرف عليها وتهتم بها خلال فترة سفرها الذي كان يفترض ألّا يستغرق أكثر من أيام حسب المخطط الإجرامي.
تركت السيدة طفلتها لدى جارتها، وتوجهت إلى منزل الرجل الذي كلفها بالمهمة؛ حيث جهز هو ورفاقه المخدرات، ولفها وقامت السيدة بابتلاعها، وتوجهت إلى مبنى المطار، وبالفعل ركبت الطائرة في رحلة تزيد على خمس ساعات، تتذكر خلالها طفلتها وهي تبكي لفراقها.
وصلت الطائرة إلى دبي، وترجلت السيدة من باب الطائرة إلى مبنى الركاب، تحمل حقائبها لإكمال إجراءات الخروج من مبنى المطار، حيث وضعت أغراضها على حزام كشف المواد الخطرة، وهي تحلم بالعبور إلى داخل المدينة، استعداداً لتنفيذ الخطوة التالية من خطتها الشيطانية في التهريب وتسليم المخدرات إلى أعضاء العصابة في دولة الإمارات، لكن مأمور الجمارك أوقف الخطة حين اشتبه في السيدة، وحولها إلى التفتيش عبر أجهزة متطورة بينت ما في أحشائها من مواد مخدرة، فحوّلت للجهات المختصة، وحوكمت وصدر عليها حكم بالمؤبد بعد إدانتها.
بدأت السيدة المهربة تتواصل من داخل محبسها مع جارتها التي أودعت لديها طفلتها، وكلها ندم وحسرة وألم ودموع لا تجف، وبعد شهور توفيت الجارة التي كانت تعتني بالطفلة، فأودعت الطفلة ملجأ للأيتام في قريتها، إلا أنه تم هدم الملجأ بعد سنوات، وأبلغها قريب لها تواصلت معه أنه تمت إزالة الملجأ لنقص التمويل، وأنه لا يعرف شيئاً عن طفلتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"