ضرب الزوجات سلوك همجي يرفضه الإسلام

القرآن أباح معالجة النشوز بطريقة رمزية بعيدة عن العنف
01:00 صباحا
قراءة 7 دقائق
ما أكثر المفاهيم الخاطئة التي شاعت في حياة المسلمين اليوم وتوجه السهام فيها ظلما وعدوانا إلى الإسلام الذي أراده الله رسالة سلام ومودة ورحمة وعدل وتعاون وإخاء، ولا يمكن أن تأتي تشريعاته بما يضر الإنسان أو ينشر الظلم والعدوان بين خلق الله. من بين المفاهيم الخاطئة التي علقت بعقول بعض المسلمين وغير المسلمين ظاهرة ضرب الزوجات حيث يعتقد البعض أن العدوان على الزوجات، والذي يتنامى في معظم البلدان الإسلامية في الوقت الحاضر، تحركه عقيدة راسخة في عقول الرجال المسلمين بأن من حقهم شرعا ضرب زوجاتهم عندما تتصرف الزوجة أو يصدر منها أي سلوك لا يروق للزوج لأن الإسلام منح الأزواج سلطة تأديب زوجاتهم حتى يسرن على الصراط المستقيم.تغذي هذا الادعاء أرقام وإحصاءات صدرت في عدد من الدول العربية والإسلامية تؤكد جميعها أن عدد الزوجات اللاتي يتعرضن للعدوان من الأزواج في زيادة مستمرة، حيث تشير دراسة مصرية إلى أن 43% من الأزواج في المناطق الحضرية والريفية يضربون زوجاتهم، وتشير دراسة سعودية إلى أن 36% من الزوجات السعوديات قد تعرضن للضرب من أزواجهن، بينما تذكر دراسة مغربية أن ما بين 40 و45% من الزوجات المغربيات يتعرضن للضرب بمعدل مرة إلى مرتين كل شهر من أزواجهن.والواقع أن إلصاق السلوك الهمجي من بعض الأزواج ضد زوجاتهم بالإسلام أمر غير مقبول عقلا وشرعا، لأن النصوص الإسلامية كما يوضح الداعية الدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ السنة النبوية وعضو مجمع البحوث بالأزهر توصي الرجل بالإحسان إلى زوجته وليس مجرد معاملتها معاملة طيبة، فالله سبحانه وتعالى جعل المرأة سكنا لزوجها، وكلمة سكن لها معناها النفسي والإنساني والاجتماعي الرائع، وجعل أساس العلاقة بين الزوجين المودة والرحمة فقال سبحانه ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة.ولا يمكن أن تتحقق هذه المعاني الإنسانية الرفيعة بين زوجين متنافرين متباغضين يعتدي أحدهما على الآخر، ولذلك حث الإسلام الزوج على معاشرة زوجته بالمعروف حتى ولو كان قلبه لا يتعلق بها وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.نظرة محكمةويضيف د. هاشم: لقد كانت نظرة الإسلام إلى المرأة فاحصة ودقيقة ومحكمة وبعيدة المدى، فأحاطها بسياج من الوصايا لتظل الحياة معها آمنة مستقرة لا تتعرض لعواصف الحياة ولا إلى تيارات الخلافات والعدوان، فنبه الإسلام إلى ضعفها وإلى أنها خلقت من ضلع أعوج، وليس في وصف الإسلام لها بأنها خلقت من ضلع أعوج ما يقلل من شأنها أو يحط من قدرها، ولكن الهدف من هذا الوصف هو تنبيه للرجال لكي يحتملوا ما يصدر منها ويتحملوا الحياة معها مهما كانت شريطة أن تقيم شرع الله وتسير على آدابه، ولذا، نجد أن الحديث الشريف الذي ذكر وصف المرأة بالعوج، قدم هذا الوصف بتأكيد الوصية بالنساء وجعل وصفهن بالعوج كسبب للوصية ليكون الاحتمال الأسري والتعاطف والمودة، ثم أردف الوصف كذلك بالوصية بالنساء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت واستوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج استوصوا بالنساء خيرا.علاج النشوزالداعية الإسلامي د. محمد سيد أحمد المسير الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر يؤكد أن الإسلام لم يشرع العنف ضد المرأة ولا يقر العدوان على النساء بكل أشكاله وأنماطه، وفي نطاق الحياة الزوجية يرفض الإسلام العنف لأنه ضد المبادئ والقواعد الشرعية التي تجعل المودة والرحمة أساس العلاقة بين الزوجين.لكن قد يشوب العلاقة بين الزوجين ما يعكر صفوها ويحل التشاجر والخلاف والتمرد من جانب الزوجة محل التفاهم والطاعة والانسجام، وهنا يكون على الزوج باعتباره المسؤول عن الأسرة والأكثر حرصا على استقرارها أن يعالج هذا النشوز الذي يبدو من زوجته، وهنا لا يحق له شرعا أن يبدأ بالعنف ويمارس العدوان على زوجته، بل هو مطالب بتطبيق المنهج الإلهي لحل خلافه مع زوجته وعلاج نشوزها بالحسنى، وهذا المنهج رسمته الآية القرآنية الكريمة واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا ومن خلال هذا المنهج القرآني يتضح أن مراتب ودرجات علاج نشوز الزوجة ثلاث:الأولى: الوعظ والنصح والإرشاد بما يصحح الفكر وينبه العقل ويوقظ الضمير ويؤكد الخشية لله عز وجل، وهناك نساء عاقلات هادئات يستجبن لنصائح الزوج ويعدن إلى طريق الحق والصواب بحكم العلاقة الحميمة بين الطرفين، وهناك نساء لا تجدي النصائح والتوجيهات معهن وهنا ينتقل الزوج إلى الدرجة أو المرتبة الثانية لإصلاح حال زوجته.الثانية: الهجر في المضاجع، فلا يعاشر زوجته المعاشرة الزوجية، ولا يلتقي معها بوجهه في الفراش، وذلك الأسلوب يؤثر في كثير من الزوجات، فيعدن سريعا إلى صوابهن ويصلحن علاقتهن مع أزواجهن وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي وتعود الألفة والمحبة والتفاهم والانسجام بين الزوجين.لكن ماذا يفعل الزوج إذا ما فشلت هذه الوسيلة مع الزوجة واستمرت على تمردها وعصيانها هنا يباح للزوج الانتقال إلى المرحلة الثالثة للإصلاح.الثالثة: الضرب غير المبرح، وهذه الوسيلة تحقق أهدافها وتؤتي ثمارها مع بعض النساء، والضرب الذي أباحه القرآن في الآية الكريمة وأباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث هو مجرد تعبير رمزي عن غضب الزوج من زوجته، وليس هدفه العدوان والإيذاء البدني، ولذلك قال بعض الفقهاء إن الضرب يكون بالسواك، ولنا أن نتخيل ماذا يفعل عود السواك بالزوجة المتمردة؟.مغالطة مفضوحةد. سعاد صالح أستاذة الشريعة الإسلامية والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالأزهر ترى أن الزج باسم الإسلام في ظاهرة العنف المتنامي ضد المرأة في عالمنا العربي والإسلامي من باب المغالطات المفضوحة التي لا يقبلها عقل ولا دين، فظاهرة العدوان على المرأة تتنامى وترتفع معدلاتها في كل المجتمعات.وتضيف: أنا أسأل الذين يخلطون الأوراق ويزجون باسم الإسلام في هذه الظاهرة المرفوضة شرعا وقانونا وعرفا، إذا كان المسلمون يضربون زوجاتهم لأن القرآن أباح الضرب والرسول صلى الله عليه وسلم أقره فلماذا يضرب الأمريكيون والبريطانيون والإيطاليون والفرنسيون وغيرهم من الأوروبيين زوجاتهم؟ هل هم يطبقون تعاليم الإسلام ويضربون زوجاتهم استجابة للقرآن والتزاما بما قال به الرسول صلى الله عليه وسلم؟وهنا توضح د. سعاد أن هناك أسبابا كثيرة وراء تنامي ظاهرة العدوان على المرأة عموما وظاهرة ضرب الزوجات خصوصا، فغياب الحوار والتفاهم بين الزوجين يؤدي إلى تنامي العنف بينهما، وقد سمعنا وقرأنا عن زوجات يضربن أزواجهن، فالعنف لم يعد من جانب الرجل وحده، بل هناك عنف من جانب المرأة ضد الرجل سواء أكان زوجا أو ابنا، وإن كانت نسبته أقل من العنف الذي يمارس ضد النساء.وتؤكد د. سعاد صالح أن إباحة الإسلام ضرب الزوجة في حالات استثنائية جدا وبالضوابط الشرعية التي حددها العلماء لا تعني أن الإسلام أهدر حقوق المرأة وأعطى للرجل فرصة للعدوان عليها كما يردد الذين يخلطون الأوراق ويتطاولون على شرع الله دون سند أو دليل، فالضرب بحدوده وضوابطه الشرعية لا يعني الإيذاء البدني للمرأة بل هو مجرد تعبير رمزي عن غضب الزوج وعدم رضاه عن سلوك زوجته، وقد حصر بعض الفقهاء الضرب في حالتين فقط:الأولى: عندما ترفض الزوجة الاستجابة لزوجها وتحرمه من حقوقه الشرعية دون عذر ودون سبب وتصر على موقفها.والثانية: عندما تدخل بيته ما لا يطمئن له من غير محارمها حيث تكون الريبة والشك في سلوك الزوجة.وتضيف: من واقع خبرتي ومعايشتي لمشكلات كثير من الأسر فإنني أؤكد أن الضرب يأتي بثماره في كثير من الأحوال ويردع نوعية معينة من الزوجات المدللات ويصرفهن عن تمردهن ويغير كثيرا من أسلوبهن في التعامل مع أزواجهن، ومع ذلك نحن لا نقر الضرب غير المبرر وغير المنضبط بالضوابط الشرعية ولا ننصح بالضرب عموما، بل ننصح بالحوار والتفاهم ويكفينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ولا يضرب خياركم.مفهوم خاطئد. نصر فريد واصل أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر ومفتي مصر الأسبق يحذر من شيوع هذا المفهوم الخاطئ بعقول كثير من الرجال في عالمنا الإسلامي ويقول: هناك بالفعل مفهوم خاطئ عالق بأذهان كثير من الرجال، وهو أن الإسلام أباح ضرب الزوجات من أجل التأديب والتهذيب، ولذلك يبادر هؤلاء بالاعتداء على نسائهم عند أول خلاف، وهذا مخالف تماما لما جاءت به شريعة الإسلام التي أوصت بالمراة وصية لا يوجد لها مثيل في أي تشريع سماوي أو وضعي، ووفرت لها كل وسائل الحماية والتكريم، وحثت كل المحيطين بها من الرجال سواء أكانوا آباء أو أزواجا أو أبناء أو حتى غرباء عنها على أن يتسابقوا في توفير الحماية اللازمة لها من أي عدوان قد يمارس ضدها. وعلاج هذا الخلل الموجود في عقول بعض الرجال أو كثير منهم يكون من وجهة نظر الدكتور واصل بالتربية الإسلامية منذ الصغر، التربية على احترام المرأة ومنحها كل حقوقها التي قررتها لها شريعة الإسلام، فالأب الذي يمارس العدوان على زوجته أمام أطفاله يغرس فيهم العدوان على زوجاتهم في المستقبل، ويقول لهم بأسلوب عملي إن هذا السلوك طبيعي ولا شيء فيه، والأب الذي يمارس العدوان على بناته دون مبرر واضح يشجع أبناءه الذكور على العدوان عليهن وهكذا.كما تقع مسؤولية كبيرة على دعاة الإسلام في كل المواقع حيث يجب أن يواجهوا هذا المفهوم الخاطئ عند بعض الرجال من خلال أحاديثهم الدينية في وسائل الإعلام وفي المساجد والدروس الدينية وغير ذلك.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"