ضميران لدار النشر

03:40 صباحا
قراءة دقيقتين
يوسف أبو لوز

هل يتوجه القارئ إلى دار نشر بعينها، ويحدد عنوانه مسبقاً، ويختار ثقافياً وفكرياً، سياسة النشر في الدار التي اختارها؟ والسؤال باختصار، وبكلمات ثانية هل هناك قارئ دار نشر؟.. أو بتوصيف آخر قارئ ناشر؟ نعم هناك قارئ يحتفظ بالهوية الثقافية لدار النشر التي يتابع عناوينها، وهذه المتابعة من جانب القارئ لدار النشر تنطوي في الوقت نفسه على قدر من النقدية والتقييم، وكم من دار نشر في الوطن العربي بشكل خاص بدأت بمشروع ثقافي وهوية فكرية أو أيديولوجية، وبالتالي، كانت عناوينها تصدر وفق تلك الهوية.. ثم تحولت دار النشر عن ثوابتها هذه، وطرأ على إصداراتها طبيعة نشرية مختلفة تماماً عن تاريخها وتقاليدها الثقافية، وبالتالي، تحول عنها القارئ.
ولكن ما مدى مركزية الناشر المالك الوحيد لداره أو لمؤسسته من حيث قراره بنشر كتاب ما أو منع نشره؟ وإذا لم تكن ثمة من مركزية للناشر الذي يربي مع الأيام قارئاً محترفاً، فهل بالمقابل هناك لجان قراءة في دار النشر هي بمثابة هيئة استشارية تحدد سياسة النشر بحرفية واستقلالية؛ بحيث لا تخضع لأي إملاءات.
لقد أتيت قبل قليل على فكرة تربية دور النشر، أو العمل على تربية قارئ يختارها ويبحث عنها، وقبل التوسع بهذه الفكرة يشار إلى أن هذه التربية وراءها ضمير قارئ في الدار نفسها.. هذا الضمير القارئ قد يكون الناشر، وقد تكون لجان القراءة، مع الأخذ في الاعتبار أن تقليد لجان القراءة هذا قد لا يكون موجوداً عند الكثير من دور النشر العربية، وقد يعتمد الناشر قارئاً أو قارئين من المجربين ذوي الخبرة والمعرفة.
هذا القارئ أو هذان القارئان، اللذان يختارهما الناشر هما بالفعل ضمير دار النشر و«مطبخها الخلفي».
قارئ دار النشر أو لجنة القراءة في الدار يموضعان مع الوقت هوية دار النشر الثقافية وسياستها النشرية، ومع الوقت أيضاً تتحدد هوية القارئ، الذي يتابع عناوين دار النشر.
بهذا المعنى يبدو أن لكل دار نشر قارئين، أولاً: قارئ الدار نفسها الذي هو ضميرها و«مطبخها» المستلم الأول للمخطوط والمقيّم له.. وثانياً قارئ مستهلك للمادة المنشورة إنه القارئ الذي وصل إليه الكتاب مكتملاً.
لقد تطورت صناعة الكتاب في العقود الزمنية الماضية، ولم تعد العشوائية والمزاجية واردة في هذه الصناعة، التي شأنها شأن أية صناعة أخرى لها خبراء ومحترفون.. ومن بين هؤلاء... القارئ أولاً وثانياً، قارئ الدار أو قارئ اللجنة، وبعده القارئ المستهلك الذي كان قد تربى على تقاليد راكمتها دار النشر عبر سنوات من العمل المنظم؛ لتصنع لها بذلك هوية وكينونة يتبعها القارئ المحترف أما الارتجال فلا مكان له اليوم في قطاع النشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"