عالم متجدد ... المناشف الورقية في إزالة النجاسة

23:50 مساء
قراءة 3 دقائق
عندما نسافر الى بلاد الغرب وندخل حمامات الفنادق عندهم أو البيوت، لا نجد أثرا للماء، اللهم إلا للاغتسال، أما للاستنجاء فلا، والبديل الموجود هو أوراق خاصة، لذلك قد يجد بعضنا حرجاً في ذلك، إذ إنه لم يتعود أن ينظف نفسه إلا بالماء، وعندئذ يتهم الغرب بأنهم أمة لا يحبون النظافة.- ولكننا لو رجعنا الى كتب الفقه عندنا، لوجودنا مصطلحين فقهيين هما الاستجمار والاستنجاء، ويلاحظ ان الاستجمار يرد قبل الاستنجاء.- ويقول الفقهاء في تعريف الاستجمار بأنه استعمال الأحجار في إزالة الخارج من السبيلين، وقد يطلق الاستنجاء على الاستجمار ايضا، فيقال: استجمر الرجل أي استنجى بالجمار أي الحجر.والمعنى الفقهي متطابق مع المعنى اللغوي، حيث ورد في القاموس للفيروز آبادي: استجمر أي استنجي بالجمار أي الأحجار- والفقهاء وإن كانوا يفضلون الجمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء إلا أنهم أجازوا الاكتفاء بالحجر وحده، ولعل أفضلية الاستنجاء بالماء جاءت من قوله تعالى في شأن أهل قباء: فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين. (الآية 108 من سورة التوبة) فسألهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأخبروه بأنهم يغسلون أدبارهم بالماء.- أقول: وإذا كان جائزا أن نزيل النجاسة عن أدبارنا بغير الماء، فهل يشترط أن يكون حجراً؟ يقول جمهور العلماء إن ما عدا الأحجار سواء كان خشباً أو خرقاً أو تراباً يأخذ حكم الحجر ما لم يكن روثاً أو عظماً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أبا هريرة أن يأتيه بعظم أو روث.(رواه أبو داود)وهذا هو عين المنطق، لأن المهم أن يكون قادرا على إزالة النجاسة، لذا فإن الورق النشاف الموجود الآن في حمامات الغرب يأخذ حكم الحجر، وقد ورد أن عطاء كان يستنجي بالاذخر، ويقول طاوس: ثلاثة أحجار أو ثلاث حثيات من تراب أو ثلاثة أعواد كما ورد في مصنف أبي شيبة.- ويبدو أن الحديث الذي يقول: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار وهو رواية مسلم، اختلف الفقهاء في فهمه، فبعضهم رأى ان العدد معين، وبعضهم قال: ذلك غير معين، فلو تطهر بأقل من ذلك صحت طهارته، وإن لم يستطع إزالة النجاسة بالثلاثة وجب عليه أن يزيد، لأن الهدف من التعدد الإنقاء، أو أن الثلاث أمر تعبدي كلما يلاحظ ان الشرع أمرنا بذلك في كل شيء حتى في غسل أعضائنا عند الوضوء.- وبقي أمر وهو أن الشرع أمر باستعمال اليد اليسرى في إزالة النجاسة، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يمسح بيمينه. (رواه البخاري).- ومفهوم الحديث انه يستخدم اليسار إذا أزال النجاسة مباشرة بيده، كما يحدث عند الاستنجاء بالماء، أما إذا كان الاستجمار او الاستنجاء بالحجر والورق ونحوه، فلا بأس أن يستخدم يده اليمنى ايضا، لكنه يخالف بذلك أدب الاستنجاء.- إذن لا حرج من استخدام المناشف الورقية الموجودة في الحمامات العصرية، إلا أن التطهر بالماء أولى.كما أن استخدام اليد اليمنى جائز طالما أنه يستخدم الحجر والورق، ولا يكون بذلك قد ارتكب كبيرة، بل خالف الأولى، وفي ذلك كراهة تنزيه لا كراهة تحريم، والله سبحانه وتعالى جعل الدين يسرا لا عسرا.لكننا نتمنى من المسلمين ألا يتخذوا هذه اليسرية حجة في أن يتركوا سنن الإسلام ومستحباته وفضائله وآدابه، مكتفين بالقدر الواجب دائما، إذ إن ذلك يسقط عنهم الفرض لكن يفوت عليهم عظيم الأجر، ثم إن السنن مكملة للنقص والخلل.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"