فاروق.. الجرأة والتحدي

02:55 صباحا
قراءة دقيقتين
مارلين سلوم

الكلمات تصبح ثقيلة حين تقف أمام مشهد الرحيل. هل تتحدث عن الفن والفنانين وما مضى من حياة هذا النجم، أم يكفيك أن تذكر اسمه، لتكون قد اختصرت عمراً وسنوات من العطاء؟
فاروق الفيشاوي آخر الملتحقين بسرب النجوم المنتقلين من الأرض إلى دنيا الحق. لن يكون آخر ضحايا مرض السرطان اللعين، لكنه من أوائل الأقوياء الذين قرروا مواجهة هذا «الخبيث» بالكشف عنه أمام الملايين من الزملاء والمقربين والمعجبين. هو من القلائل الذين أعلنوا بأنفسهم عن إصابتهم بالمرض، ولم يتركوا المجال لتكهنات الصحافة أو همس الفضوليين والشائعات كي تتحدث بالنيابة عنهم.
كان نجماً في قمة نضوجه وعطائه حين علم بوصول المرض إليه، فهل يتراجع ويختبئ من عيون الناس والتعليقات الفضولية بحلوها ومرّها؟ كثر فعلوها، أما فاروق، فلا. واجه الأمر بكل بجرأة، «اعتبره نزلة برد مش أكتر» كما قال، تسلح بدعاء الجميع له، كي يتمكن من الانتصار في معركته الصعبة هذه. لكن حين تأتي الساعة، لا مفر منها، ولا بد من الاستسلام.
لم تكن الجرأة جديدة عليه حين أعلن عن إصابته بالمرض يوم تكريمه خلال افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي في أكتوبر الماضي، ولم يكن مفاجئاً أن يتحدى الفيشاوي الآتي «الخبيث»، ويصر على استكمال عمله وحياته، وكأنه لم يكن موجوداً في بدنه. فهذا الفنان اشتهر بجرأته وشفافيته في الحديث عن نفسه وعن حياته، ولطالما ظهر في برامج حوارية تلفزيونية ليعترف بأخطاء ارتكبها، بل وصل بصراحته إلى حد التصريح بعدم قدرته على الاستقرار في مكان واحد. لم يعرف كيف يتجمل أمام الجمهور، مفضلاً الصراحة وأن يكون إنساناً يخطئ ويصحح، على أن يظهر بالصورة الملائكية التي يختارها آخرون.
ماذا يبقى من الإنسان بعد الرحيل؟ سيرته وأعماله، أما الفنان، فإضافة إلى سيرته، يترك أرشيفاً من الأعمال التي لا تموت أبداً، والقادرة على الإطلالة كل فترة على الشاشة أو عبر وسائل التواصل، لتصل إلى كل الأجيال المتعاقبة، فيعرفه الجميع ويستمر الحديث عنه.
الفيشاوي ترك الكثير من الأعمال المهمة، والبصمة المميزة في السينما والتلفزيون والمسرح. ولا يجوز أن يخرج اليوم من يحاكمه على الطريقة التي عاش بها حياته «الخاصة»، فهي كانت وستبقى ملكه، وليس بين البشر ومن ينصبون المحاكم للفنانين وغيرهم «ملائكة تمشي على الأرض». وما مبرر النبش في دفاتره الشخصية، طالما أنه تحلى بالجرأة، وسبق الناس إلى الاعتراف والندم؟ الفنان ينتظر تكريماً يستحقه من المهرجانات واللجان والجهات الرسمية والفنية، وينتظر من جمهوره تكريماً أكبر، بتقديم التحية له والتصفيق للمجهود الذي بذله والعمر الذي أفناه من أجل إسعادهم بأعمال تليق به وبهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"