قضايا التنوير والنهضة من الفكر العربي المعاصر

شارك في إعداده نخبة من المفكِّرين والكتاب
12:56 مساء
قراءة 4 دقائق

مع دخولنا بداية الألفية الثالثة منذ عدة سنوات، يكون قد مضى قرن على معطيات النهضة العربية الحديثة، عندما اصطدمت مع التوسع الاستعماري ورأت ضرورة تدشين مشروع نهضوي عربي، يواجه هذا الاختراق الكبير الذي مثلته النهضة الغربية من جانب ووضع النهوض والتنوير لحل أزمة التخلف والتراجع الذي أصاب أمتنا العربية من جانب آخر. لكن للأسف أن حصاد العقود الماضية كان ضعيفاً في قطاعات رئيسية من التجربة العربية الحضارية، ولذلك قام أغلب المفكرين العرب وغيرهم على امتداد القرن الفائت بإعادة التفكير من جديد في الأزمة التاريخية التي يعيشها العرب، وإعادة دراسة الردود التي قامت منذ أكثر من القرن فاحصين المفاهيم العقلية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا الكتاب الجديد (قضايا التنوير والنهضة في الفكر العربي المعاصر) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، بمساهمة العديد من المفكرين الكتاّب، يناقش إشكاليات النهضة العربية الحديثة وكيفية الخروج من الواقع المتأزم في جوانبه المختلفة.

يضم الكتاب ثلاثة أقسام أساسية أولها يبحث في فكر التنوير ويستعرض مفاهيم التنوير والحداثة والتجديد، كما تبلورت في الفكر الغربي الحديث، وكما يجري تداولها في الفكر العربي المعاصر. وفضلاً عن ذلك تنطوي دراسات ذلك القسم على وجهات نظر نقدية لهذه المفاهيم، سواء في أصولها الغربية أو في استخداماتها العربية، وثانيها يستعيد النزعة التوفيقية بين الغرب والإسلام، منذ بدأت العلاقات الحديثة بينهما عبر صدمة النهضة وصدمة الاستعمار معاً، وبالتالي يبحث في الأصالة والمعاصرة لتحديد الواقع والممكن، وثالثهما ينظر إلى المستقبل، ويبحث في تحدي الوسائل التي يمكن أن تقود نحو النهضة؛ كيف يمكن للمواطن الفرد أن يساهم في النهضة؟ وكيف يمكن للأمة كلها أن تتمكن من تعبئة كل قدراتها وإمكانياتها لتحقيق النهضة؟

ففي فصل نحو نهضة عربية ثانية.. الضرورة والمتطلبات يطرح المفكر الاقتصادي العربي الدكتور إسماعيل صبري عبد الله أهمية المراجعة الذاتية من داخل البيت العربي ومقوماته لا من خارجه، فأولئك الذين يقولون إن محاكاة الغرب في كل شيء، وبأسرع ما يمكن حتى تتحقق الحداثة في مجتمعاتنا، يتعلقون بأوهام لا سند لها في الواقع.

وبصفة عامة، ليس البحث عن صيغة سحرية تغير المجتمع فوراً بمجرد تبنيها كهدف إلا وهماً بعيداً. ولهذا كله، اعتقد أنه قد آن الأوان لأن نبدأ بالإنسان العربي وأن نعمل على أن يسترد هذا الإنسان العربي إنسانيته، وأن يكتسب القدرة على التعلم والتقدم حتى يتمكن المجتمع كله من النهوض من حالة السبات التي تكاثرت فيها الكوابيس ومن دون أن أعطي الجانب الاقتصادي تحيزاً خاصاً، أقول إن النهضة مطلوبة لكي نحقق تنمية شاملة للمجتمع العربي من أقصاه إلى أدناه ومعنى شمول التنمية أنها ليست نماءً اقتصادياً صرفاً، ولكنها تنمية تشمل الأوضاع الثقافية والاجتماعية في المقام الأول.

ونتكلف بالألفاظ الشائعة في وسائل الإعلام عندنا التي نرددها من دون أن ندرك مقتضياتها، فنشير إلى أهمية الجانب العلمي والتفاني في أي مجتمع يريد أن يعيش في ظروفنا الحاضرة. من كل هذه الاعتبارات أحسست بالحاجة إلى نهضة عربية ثانية تشمل كل جنبات المجتمع العربي وتضع الإنسان العربي البسيط والعادي في قلب اهتماماتها، فالمجتمع الذي يتطور فيه الإنسان قادر على إبراز القيادات التي يستحقها، والعكس ليس صحيحاً.

لا يمكن لأمة أن تتكون إلا لأن غالبية الناس أرادت لها أن تكون وارتبطت بها وأحست بانتمائها إليها وأحسّت بأن هذا الانتماء يجلب لها الخير من دون هؤلاء الأفراد لا تصنع الأمم، فلا بد، إذن، من تنمية شاملة. ويعني هذا أن ننتبه، ضمن ما ننتبه إليه، إلى أن العالم اليوم أعاد اكتشاف الإنسان كعنصر حاسم في التنمية. وظهر مفهوم التنمية البشرية، وتأكيد أن البشر هم صانعوا التنمية والذين يجب أن يكونوا المستفيدين منها. إن أحدث كمبيوتر في العالم يظل جثة هامدة إذا لم يجد الفريق القادر على استخدامه. فالإنسان هو الأصل، وهذا الإنسان يجب ان يكون مركز اهتمام عملية التنمية. ومن هنا، صار الحديث عن أهمية توفير الصحة والغذاء والتعليم والتدريب والحرية الشخصية والمشاركة السياسية، لأن هذا الإنسان السليم البدن والعقل المتعلم والقادر على التعلم، الذي يألف حديث العلم وحكم المنطق ودور العقل ويمارس منتجات العلم الظاهرة في شكل تقنيات، هو الذي يستطيع أن يبني أمه تزدهر في القرن الحادي والعشرين. وبغير هذا الإنسان لا يمكن لأي تقدم أن يطرّد.

ويناقش برهان زريق في فصل خواطر حول المشروع العربي النهضوي المنشود كيفية الخروج من المأزق العربي المتأزم، فركز على أهمية الخيار الحضاري، فيرى أن هذا الخيار ليس امتدادا كميا ميكانيكيا للحضارة الاوروبية، وانما هو خيار إنساني خلاّق يقوم على مبدأ دع الزهور تتفتح ولنتبارى، مبدأ حوار الحضارات وتلاقي الحضارات وتواصل الحضارات، وخيارنا هذا ليس تراكما ماديا مع تراثنا، على اعتبار ان قسما من هذا التراث المخزون أصبح عبئا لا حافزا، وعلى اعتبار ان الذين ابتدعوا هذا التراث رجال ونحن رجال.

ويركز زريق على أهمية الديمقراطية للنهوض فيقول : ان الديمقراطية وهي أولوية اجتماعية تنطلق من الشخص العادي لاختبار الأكفأ تحث قدرات كل فرد وتصبها في المشروع الحضاري الدولة وهي في الوقت نفسه نظام أخلاقي.

ولنا أن نتساءل، أليست الديمقراطية من صلب تراثنا، وهي إلى جانب عقلنتها ورشدها، ذات حمولة تعبدية وروحية وايمانية؟ امتثالا لقوله تعالى: وأمرهم شورى بينهم وقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: لا تجتمع أمتي على خطأ.

ويطرح سعدون حمادي عضو المجمع العلمي العراقي في فصل العقل والنهضة مناقشة أخرى لموضوع الأصالة والمعاصرة هي أهمية التوازن بين عناصر الاصالة وعناصر التحديث في واقعنا المعاصر فيقول من الممكن أن تجتمع للأمة الاصالة والمعاصرة ويزول التناقض، فتتوحد الأمة ويتحقق تحديثها. فالثقة بالنفس وضع لا يحدث لمجرد اننا نرغب في ذلك، بل لابد من توافر وضع موضوعي، وهو قيام وحدة عربية يتوافر فيها وبسببها القوة والأمن والاستقرار وروح النهضة.

وقد دلت التجربة بصورة جلية على أن الانفتاح الذي جربه بعض الأنظمة العربية قد أدى، وفي فترة وجيزة، إلى عكس المطلوب، إذ ظهرت صعوبة المنهج الانتقائي لا بل استحالته.

هناك فرق جوهري كما يقول حمادي بين أن نقبل على الغرب ونختار منه ما نحتاج إليه من موقف القوة والثقة، وبين أن نقبل عليه من موقف الضعف. وليس غير الوحدة ما يحقق القوة والثقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"