قمة هانوي.. العقدة النووية الصعبة

03:05 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

تختتم اليوم القمة الثانية بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم يونج أون، في العاصمة الفيتنامية هانوي، والتي استمرت يومين، وجاءت بعد مرور نحو تسعة شهور على القمة الأولى بينهما في سنغافورة (يونيو 2018).
انعقدت قمة (هانوي) وسط أجواء يغلب عليها التفاؤل، وبصفة خاصة بسبب التصريحات الإيجابية- بل والحارة- المتكررة من جانب ترامب، سواء تجاه كوريا الشمالية كبلد، أو تجاه زعيمها (كيم)، فترامب يصف علاقات بلاده بكوريا الشمالية بأنها جيدة للغاية، وعلاقته ب(كيم) بأنها جيدة جداً، ويقول إن كوريا الشمالية «لديها فرصة كبيرة للغاية لأن تتحول إلى قوة اقتصادية كبرى».
بل ويصل الأمر إلى حد (الغزل) فيقول إن كوريا الشمالية ستتحول إلى «صاروخ اقتصادي» تحت قيادة (كيم)- «الموهوب».
الأجواء المحيطة بالقمة، وتصريحات ترامب الحارة تسمح بتوقع نتائج إيجابية تتيح مواصلة البناء على ما تحقق في قمة سنغافورة. كما أن اللقاء يجيء في وقت يشهد تحسناًَ نسبياً في العلاقات الأمريكية مع الصين، الحليف الأهم لكوريا الشمالية، التي كان لها- وكوريا الجنوبية- دور بارز في الإعداد للقمة، وسيكون لهما الدور الأكبر في ضمان أي تسوية، علماً بأن ترامب نفسه توقع أن القمة «ستحقق الكثير.. ولن تكون الأخيرة».
ترامب أكد أيضاً التزامه بتحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية «في إطار دبلوماسية جديدة وجريئة»، ملوحاً بورقة المساعدات الاقتصادية التي يعلم جدياً مدى حاجة كوريا الشمالية إليها، وقائلاً: «في حالة استمرار كوريا الشمالية في التزامها بإخلاء كامل لشبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي فسنعمل على ضمان وجود خيارات للتنمية الاقتصادية»، وأن «الولايات المتحدة وشركاءها على استعداد لبحث كيفية تعبئة الاستثمارات، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز الأمن الغذائي، وتلبية العديد من الاحتياجات الأخرى» (الأهرام 23 فبراير).
وهكذا فإن ترامب قرر التركيز على (إغراء) بيونج يانج بالدعم الاقتصادي وتدفق الاستثمارات لتشجيعها على التخلي عن أسلحتها النووية، ملوحاً لها بكل ما هي في أمسّ الحاجة إليه. ويجيء هذا (الإغراء) في مرحلة تواجه فيها البلاد أزمة اقتصادية حادة نتيجة لاشتداد آثار العقوبات الدولية عليها.. كما أدى الجفاف هذا العام إلى هبوط كبير في مستوى إنتاجها من الحبوب (بمقدار 1.4 مليون طن حتى الآن)، ما اضطرها لخفض حصص الغذاء للمواطنين بنسبة كبيرة.
ومعروف أن كوريا الشمالية بلد فقير، إذ يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي (40 مليار دولار) سنوياً، بمتوسط (1600دولار) سنوياً للفرد من سكانها البالغ تعدادهم (25 مليوناً)، وللمقارنة فإن شقيقتها الجنوبية هي عملاق صناعي واقتصادي، بناتج محلي إجمالي يبلغ (1411 مليار دولار) سنوياً ما يعادل (30 ألف دولار) للفرد من سكانها البالغ تعدادهم (51 مليون نسمة). (بيانات البنك الدولي لعام 2016- ولم يتسن لنا العثور على بيانات أحدث من مصدر موثوق).
إذن فإن كوريا الشمالية بلد فقير، وفي أمسّ الحاجة للمساعدات والاستثمارات، ومن هنا يبدو أن حديث ترامب عن «القوة الاقتصادية الكبرى» و«الصاروخ الاقتصادي» ينطوي على قدر كبير من المبالغة الماكرة، بهدف (تسويق) التنازلات العسكرية والسياسية التي يريدها!
وبغض النظر عن مبالغات ترامب، فإن كوريا الشمالية هي بلد واعد بالتأكيد في حالة رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عنها، وتدفق المساعدات والاستثمارات الضرورية، فلديها قدر من التطور الصناعي والعلمي تشهد به صناعاتها العسكرية، ولديها شعب متعلم تخلص من الأمية، ومثابر ومحب للعمل كأشقائه الجنوبيين، ولديها ثروات طبيعية لا بأس بها، لكنها تحتاج إلى الاستثمارات للاستفادة بها.
فإذا عدنا إلى قمة (هانوي) على ضوء ما تم إعلانه على ألسنة المسؤولين في مختلف العواصم المتصلة بالمسألة الكورية، خاصة المسؤولين الأمريكيين- وهم الأكثر ولعاً بالإعلام، خاصة ترامب- وعلى ضوء ما تحقق في الفترة الماضية بين القمتين، سنجد أن أجندة القمة تتحدد في ثلاث قضايا رئيسية:
*أولاً: نزع السلاح النووي، والإجراءات العسكرية الأخرى، ومعروف أن كوريا الشمالية كانت- ولا تزال- تصر على الربط والتزامن بين تصفية برنامجها النووي، وسحب الأسلحة النووية الأمريكية الموجودة في كوريا الجنوبية، وهو موقف توافقها عليه سيول بمقتضى اتفاق «بانمو نجوم» بين رئيسي الكوريتين في إبريل 2018 «إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي»، أما الولايات المتحدة فقد كانت ترفض ذلك بإصرار، وتطالب بتصفية البرنامج النووي لبيونج يانج، وترحيل (10 آلاف) من الخبراء والعاملين فيه خارج البلاد، وتسليم جميع الوثائق المتصلة به، كما كانت تصر على تدمير البرنامج الصاروخي الكوري الشمالي، خاصة الصواريخ طويلة المدى، وغير ذلك من المطالب المعروفة.
وبعد المفاوضات الصعبة خلال الفترة السابقة على قمة سنغافورة والتالية لها، وحتى الأيام الأخيرة، وجدنا ترامب يتحدث حتى عن المساعدات الاقتصادية لكوريا الشمالية «في حالة التزامها بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي»، ولنلاحظ أنه يتحدث عن «التزام بالإخلاء» وليس عن التدمير المسبق لكافة تفاصيل البرنامج النووي الكوري الشمالي، وإن كان ترامب وغيره من المسؤولين الأمريكيين، يعودون فيتحدثون عن تصفية البرنامج دون التطرق إلى السلاح النووي الأمريكي في الجنوب، كما يؤكدون أن القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية باقية، وإجمالاً فإننا نستطيع أن نتحدث عن (حلحلة) متوقعة في هذه القضية، ولو في بعض تفاصيلها.
ومن ناحية أخرى فإن الوجود النووي الأمريكي في كوريا الجنوبية (وكذلك برنامج الدفاع الصاروخي) يرتبط بتوازن التسلح الأمريكي مع روسيا والصين- وهي مسألة طويلة الأمد- وبالتالي يمكن أن ينفتح الباب لتصفية تدريجية للسلاح النووي الكوري الشمالي، مع إلغاء أو تخفيف الشروط الأمريكية السابقة المرتبطة بالموضوع، كما يمكن تحقيق تقدم في مسألة تخفيف الوجود العسكري على جانبي الحدود.
*ثانياً: (الجانب الاقتصادي)، سواء فيما يتصل بالعقوبات الدولية، أو بتقديم مساعدات واستثمارات لبيونج يانج، إذ يمكن تخفيف العقوبات الدولية، أو السماح للشركاء بتقديم مساعدات غذائية مثلاً، (لاحظ حديث ترامب عن الأمن الغذائي) أو تخفيف قيود استثمار الشركات الغربية، أو حتى الأمريكية في كوريا الشمالية في مجالات محددة، ومع التقدم في تخفيف التوتر (تصريحات ترامب واضحة جداً) علماً بأن كوريا الجنوبية تتعاون اقتصادياً مع الشمال في حدود معينة.
*ثالثاً: الضمانات، وهنا يجري الحديث عن إبرام معاهدة سلام دائم بين الكوريتين (بدلاً من اتفاق الهدنة القائم حالياً) وهو مطلب تصر عليه كوريا الشمالية، وظلت أمريكا تعرقله طوال الوقت، كما ظلت تعرق تحقيق تعاون اقتصادي أوسع بين الكوريتين.
كما تطالب بيونج يانج بدخول الصين و(روسيا) كضامنين لأي اتفاق يتصل بالقضية النووية.

* كاتب مصري
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"