لماذا تعاني الأمة الإسلامية من الأزمات؟

04:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. يوسف إبراهيم
يتساءل كثير من الناس: لماذا تعيش الأمة الإسلامية في مشكلات وأزمات سياسية واقتصادية وأخلاقية؟ ولماذا لا تتحقق لنا- نحن المسلمين- طموحاتنا في حياة رغدة رغم أن الله سبحانه وتعالى، أنعم علينا بكل النعم وأفاض علينا من خيرات الأرض والبحار والسماء، ورزقنا من حيث لا نحتسب؟
هذه التساؤلات تتكرر على ألسنة العامة والخاصة من دون إجابات واضحة شافية، ترسم لنا الطريق الصحيح للخروج من حالة الضنك الاقتصادي التي نعيشها إلى الحياة الرغدة المستقرة التي نطمح إليها، فنحن لسنا أقل من شعوب كثيرة ليس لديها ما لدينا من نعم وخيرات، ولكنها عرفت طريق الاستقرار الاقتصادي وتعيش في رغد من العيش.
والواقع أن الإجابة عن التساؤلات السابقة لا تحتاج إلى اجتهادات عقلية كبيرة، ولا تحتاج إلى جمع خبراء ومفكرين من خلال مؤتمرات وندوات وحلقات بحث وتحر عن الأسباب التي آلت بالأمة إلى وضعها الحالي من التردي الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي، فضلاً عن النزاعات السياسية التي حرقت الأخضر واليابس في كثير من البلاد العربية والإسلامية.
الإجابة عن التساؤلات السابقة موجودة في قول الحق سبحانه وتعالى: «وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون»، كما هو موجود في قول الحق سبحانه: «.. فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى».
هذا هو القانون القرآني الذي غفل عنه كثير من المسلمين.. قانون يؤكد بصريح العبارة أن رغد العيش أو ضنكه يتبع علاقة المجتمع بربه، ومدى التزامه بالمنهج الذي أعطي له على يد رسل الله الكرام، من أول آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم..
فمن يتبع الهدى الذي يأتيه من الله، لا يضل ولا يشقى، ومن يعرض عن هذا الهدى، فله المعيشة الضنك في الدنيا، وله العقوبة القاسية في الآخرة.
هذه سنة إلهية لا تتبدل ولا تتحول وتحمل الإجابات الشافية لكل من يريد أن يعرف: لماذا يعاني المسلمون من المشكلات الاقتصادية رغم الخيرات التي تحيط بهم؟ ولماذا يعيشون في أزمات سياسية طاحنة، رغم أن الإسلام جاء بنظام حكم مثالي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم؟
إن من يسير على منهج الله تعالى في السياسة والاقتصاد والاجتماع وكل شؤون الحياة يعرف طريق السعادة والاستقرار، ويعيش في الدنيا حياة طيبة، يظللها العدل ويغلفها التكافل والتراحم، ويسودها الإيثار والمودة، ويفوز الناس في ظلها بخيري الدنيا والآخرة، ويحوزون عاجل الخير وآجله.
«ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض».
إن الإعراض عن المنهج الإلهي عواقبه وخيمة، أبرزها المعيشة الضنك في الدنيا، وهي معيشة يظللها الخوف ويكتنفها الشقاء من كل جانب، معيشة توغل في الضلال على شتى المستويات: المستوى الاقتصادي حيث نرى الفقر والجوع يشيع بين الشعوب الإسلامية..

والمستوى الاجتماعي، حيث نرى التحلل والتفسخ وانتشار العري والتحرش وزيادة معدلات الطلاق، وعلى المستوى الثقافي نرى الكذب والنفاق والرياء والتضليل في الإعلام والهجوم على كتب السنة وتمجيد المتطاولين على الإسلام ورموزه.

وعلى المستوى التشريعي نرى الظلم الذي تغيب معه العدالة، وأكل لحقوق بعضهم البعض.

في غياب المنهج الإلهي يظهر الفساد، في البر والبحر، في الأنفس والمجتمع، وفي النظم والتشريعات، وتعاني الأمة من التبعية والذل والهوان سياسياً، ومن الضنك وسوء الأحوال اجتماعياً، ومن ضعف الإنتاج وارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة اقتصادياً، ومن التفسخ والتحلل والتميع والغش والخداع والتطفيف وأكل أموال الغير بالباطل، وبخس الناس أشياءهم أخلاقياً.
فهل يعود المسلمون إلى منهج السماء في الحكم والاقتصاد والتشريع والأخلاق وغيرها لتنهض الأمة من جديد، وتتخلص من مشكلاتها وأزماتها؟ تلك الأمة التي عزّت من قبل، وعاشت حياة طيبة عندما أقامت الصلاة وآتت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، وسارت على هدي الإسلام فنهضت علمياً واقتصادياً وأخلاقياً ونشرت الحضارة الحقيقية في كل ربوع العالم.

*أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"