ما بين عيسى ومريم

من الواقع
00:43 صباحا
قراءة 5 دقائق

منذ طفولتي وأنا أحب عيسى الذي هو ابن عمي وأمه خالتي كشقيق لي، كنا نعيش معهم تقريباً بمنزل واحد لا يفصل بيننا سوى الأبواب، فالحوش واحد والمدخل الرئيسي للفيلتين واحد، كان يلاعبني وأنا صغيرة ثم أصبح كاتم أسراري عندما بلغت سن المراهقة، عمي وأبي اتفقا على انني له فكنا عيسى وأنا نضحك، فيقول لي أنت قبيحة فكيف أتزوجك، فأقول أنا سوف أصبح جميلة بالماكياج واللبس أما انت فستبقى قبيحاً ونحيفاً وذا أنف طويل، كنا نسخر من بعضنا ونضحك، نأخذ الأمور ببساطة فلم يخطر ببالنا انهم جادون بكلامهم، لكنهم وللأسف كانوا كذلك، فبعد مرور سنوات على كلامهم هذا وحين أصبحت انا في سن الزواج وعيسى أنهى دراسته الجامعية دخلت والدتي إلى غرفتي والبسمة على وجهها وهي تقول: وصل عيسى من السفر ما شاء الله أنهى دراسته بتفوق وغداً بإذن الله سوف يلبسونك الشبكة، آه يا حبيبتي وأخيراً سوف أراك عروساً.. المفاجأة عقدت لساني، لم استطع التفوه بكلمة، اعتقدت والدتي ان صمتي حياء فضمتني إلى صدرها وقبلتني وهي تقول مبروك يا ابنتي.. يا الهي إنهم جادون بالفعل، ماذا افعل كيف أنقذ نفسي من تلك الورطة فأنا أحبه مثل شقيقي، ولا أستطيع الارتباط به كيف أقول لهم لا أريد، خصوصاً والدي وعمي فأنا أخاف من النظر اليهما فكيف أقول لهما لا أريد؟ وإن سألاني لماذا لا تريدين فبماذا أبرر؟ وبعد تفكير مطول قررت الاتصال بعيسى فهو بالتأكيد سيجد الحل، ترددت كثيرا قبل ان اطلبه لا ادري لماذا فأنا كنت اكلمه مائة مرة باليوم بمناسبة أو من دون مناسبة، لماذا اشعر بالتوتر والخوف، لماذا ترتجف يداي؟ أخيرا طلبت رقمه ولم يكد هاتفه يرن ليفتح الخط ويقول مريوم؟ أي مريوم يا عيسى فهل لك نفس للمداعبة والمزاح؟ لكن أولاً الحمد لله على سلامتك ومبروك التخرج، ثانياً كيف حالك هل انت بخير؟.. ضحك وقال ياه لمَ العجلة وما هذا الأدب الذي نزل عليك فجأة، لا عليك من الواجبات قولي الذي تريدين قوله من دون مواربة، قلت بارتباك هل الذي قالته أمي صحيح؟ قال ماذا قالت لك بالتحديد؟ قالت إنكم سوف تأتون غداً لخطبتي رسمياً، فقال صحيح ألست سعيدة؟ أظن أنك سوف تطيرين من الفرحة، فشاب مثلي حلم كل فتاة وأخذ يضحك، قلت عيسى أرجوك أنا أتكلم جدياً، لا وقت للمزاح الآن يجب ان نفعل شيئاً لنردعهم يجب ان نفكر بشيء ما، صمت وقال: إذا اسمعي مريم انت تعلمين بأنني احبك كأخت لي وشعوري بالنسبة لك نفس شعورك، لكنني حاولت ان اكلم والدي بالموضوع فثار وغضب، وقال: لم تتزوج ابنة عمك سوف اغضب عليك ليوم القيامة، وان كان يهمك ان ترضيني فيجب ان تذهب معي غدا لنتفق مع عمك، أنا أعطيته كلمة ولن أتراجع عنها، وأنت لا يرضيك ان تصغريني أمام أخي الذي يعتبرني والده، فقلت له حاضر على أمرك ماذا تريدينني ان افعل قولي لي؟ صمت وقلت له لكن انت تحب تلك الفتاة التي تنتظرك منذ سنوات وكنت تحلم باليوم الذي تتقدم منها وتخطبها، فقال أتصدقين لو قلت لك إنني لم اكلمها بعد لأنني لا أعلم ماذا أقول لها، كنت آمل ان يتبدلوا مع الوقت ويقتنعوا بأن أفكارهم تلك ليست دائماً لمصلحتنا لكنني سافرت وعدت وما زالت أفكارهم هي هي، فالفتاة لا ذنب لها وأنت كذلك وأنا وأيضاً ابن خالك، فسكت ولم أتكلم، قال ما بالك لم تعودي تريدين إخباري بأسرارك وأخذ رأيي، انا آسف فعلا يا مريم لكننا نحن الأثنين لا حول لنا ولا قوة ولا نستطيع سوى ان نفعل ما يريدون، لكننا لن نكون سعداء سوف يتسببون بإيذاء أكثر من شخصين قلت له، قال فلنسر قدماً ولنشعرهم بأننا موافقان وبعدها نحاول المماطلة علنّا نجد حلاً ما.

أي حل وأي خطة، فنحن الآن في يوم فرحنا لقد حصل كل شيء بسرعة كان والدانا قد خططا مسبقا لكل شيء فكانت الخطبة يوم الخميس والفرح الخميس الذي تلاه، كان عندي أسبوع فقط لأختار فستان الفرح حتى البطاقات كانت جاهزة، فقد شعر عمي بأن عيسى يبدل الموضوع عندما يكلمه عن زواجنا كما كان يراقبه عندما يرتدي ملابسه ويخرج ورائحة العطور والبخور تملأ المكان، علم بأنه يقابل فتاة أخرى فخاف وبدأ بالتخطيط والتنفيذ بمساعدة أبي وطبعاً أمي وأمه وقرروا ان يزوجونا بسرعة حتى لا يترك أمام عيسى مجالاً للرفض او للتفكير.

بكيت وأنا جالسة بالكوشة، أفكر بابن خالي الذي مرض جداً عندما علم بالموضوع، حاول الكلام مع والدتي فقالت له يا حبيبي انت ابن شقيقي وعيسى ابن شقيقتي وصدقني لو كنت أعلم بأنك تحبها لكنت حاولت ان اقنع والدها مع انني أشك بالموضوع فهو يريدها لابن شقيقه وقد اتفقا على الموضوع منذ ان ولدت مريم فأنت تعرف عاداتنا وتقاليدنا، أما عيسى فلم يستطيع أن يكلم من يحب لأنه لم يعرف كيف يخبرها وماذا يقول، فأرسل لها رسالة على الهاتف كتب فيها : انت حلم لم يتحقق والذنب ليس ذنبي ولا ذنبك طبعاً ولدنا في بلد له عاداته وتقاليده وأفكاره، وأنا لا أستطيع أن أقول لا لوالدي ضعي نفسك مكاني، أنا آسف وان استطعت يوماً مسامحتي فسامحيني.

صديقاتي وقريباتي كن بجانبي حزينات من أجلي يطبطبن على كتفي يمسحن دموعي ليس لأنني سأتزوج من عيسى لكن لعلمهن بأنني أحب شخصاً آخر وهو الآن راقد في المستشفى بسببي، أخذني عيسى بكل نبل منه لأزوره للمرة الأخيرة وعندما رآني زادت حالته سوءاً لكنه قال لي بصوت متقطع مبروك يا مريم سوف تكونين أجمل عروس في العالم، عيسى انت فعلاً محظوظ بها وأعلم انها بأيد أمينة معك الله يوفقكما ويسعدكما.

جلسنا عيسى وأنا في غرفتنا بالفندق كل واحد من جهة نفكر بأننا بدأنا حياتنا على أشلاء غيرنا لا نعلم ماذا نقول وماذا نتكلم، كان وكأن كل شيء بيننا تحطم، تكسر اختفى، تلاشى، وقف عيسى وأتى إلي قبلني من جبيني، وقال آسف لم استطع ان افعل شيئاً، قلت له انا أيضا آسفة، ضمني إليه ضمة شقيق قائلاً لندع على الأقل علاقتنا كما كانت.

لقد مر على زواجنا عدة أشهر انام أنا في غرفة وزوجي بأخرى لم نستطع ان ننسى صداقتنا وأسرارنا التي كنا نقولها لبعضنا بعضاً، كان بالنسبة لي الأخ الذي لم تنجبه أمي، صدقوني حاولنا ان نتقرب من بعضنا لكننا كنا نفشل فشلاً ذريعاً، لقد طلبت منه ان يتزوج الفتاة التي يحب لكنه رفض فهو ليس أنانياً حتى يتركني أعيش بوحدة قاتلة وهو يعيش حياة أخرى سعيدة فقط لأنه رجل ويستطيع ان يتزوج ثانية، اما أهلنا فلا يزالون بانتظار أحفادهم، وسؤال لا يتوقفون عن طرحه ماذا يقول الأطباء، أما نحن فنقول الله كريم وعندما يشاء يعطينا، فهل يكون الأطفال الذين نحلم بهم سبباً لأن نجتمع بغرفة واحدة؟ لا أعلم فالعلم عند الله وحده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"