مجلات الشارقة الثقافية..بوصلة المعرفة

فضاءات
01:15 صباحا
قراءة 7 دقائق
محمد ولد محمد سالم

تواكب المجلات من حيث هي نشريات دورية حركة المعرفة والثقافة في أي المجتمعات، وتدعمها بطرحها ونقاشها للأسئلة المستجِدّة في جميع مجالات المعرفة، وللمجلة معنى الكتاب، باعتبارها تقدم بحثاً معمقاً للمواضيع المعرفية التي تتناولها، ومعنى الصحافة باعتبارها تواكب الجديد وترصده، لهذا فقد ظلت المجلات الثقافية في الصميم مشروع الشارقة الثقافي، الذي يتأسس على نشر وبث المعرفة، والاحتفاء بالكتاب، بهدف مد القارئ بالمعرفة، وجعله يعيش اللحظة الحضارية بوعي بنّاء.
على مدى العقود الماضية ظهرت في الشارقة عدة مجلات ثقافية ومعرفية، واكبت النشاط الثقافي المتسارع فيها ورصدت جله، وساهمت في تعميق وتحليل المفاهيم المعرفية والثقافية الحديثة، وجعلت القارئ على تواصل مع التطورات المتسارعة في مجالات المعرفة، وكانت بوصلة نحو مستقبل الثقافة العربية، وذلك تمشياً مع الدور الذي رسمته الشارقة لنفسها كعاصمة ثقافية عربية تأخذ على عاتقها الإثراء الدائم للمشهد الثقافي العربي بشتى الوسائل، وحصدت بموجبه ألقاباً كثيرة حتى وصلت إلى هذا اللقب الذي توجت به هذا العام «الشارقة عاصمة الكتاب عام 2019»، وهو لقب كبير واستحقاق أكيد، عبّدت إمارة الثقافة طريقه بخطوات واثقة ودأب لا يكل، عبر مسيرة طويلة من الاحتفاء بالكتاب بدأت مع خطوات الإمارة الأولى نحو تكريس نفسها حاضنة للثقافة العربية، عندما أطلق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة مشروعه الثقافي الكبير، والذي تضمن تأسيس معرض سنوي للكتاب، ونشر وتوزيع الكتب في شتى مجالات المعرفة، وإقامة مهرجانات ثقافية تصاحبها إصدارات راصدة لها، حتى ازدهر الكتاب وتوسع مجال الاهتمام به في المجتمع.

مستويات

من الطبيعي أن تكون دائرة الثقافة في الشارقة سبّاقة إلى إصدار المجلات، لأنها الجهة المنوط بها بشكل أكبر تنفيذ مشروع الشارقة الثقافي، فكان أن اهتمت بالنشر عموماً، وجعلته عماد خطتها الثقافية، ويدل على ذلك حجم إصداراتها التي تتوزع على عدة مستويات، منها الكتب العادية التي تصدر في إطار دعم المؤلفين ونشر المعرفة، سواء كانت فردية أو ضمن سلسة من السلاسل الكثيرة التي تبنتها الدائرة، سلسلة إشراقات التي تعنى بالدراسات والفكر، وسلسلة إبداعات عربية التي تعنى بالإبداع الأدبي، وسلسلة الرسائل الجامعية التي ترصد ما هو جديد ولافت في تلك الرسائل فتقدمه للقارئ، وسلسة كتاب الرافد، ومنها كتب الجوائز، وهي الكتب الفائزة في شتى مسابقات الدائرة المعنية بالكتب مثل جائزة الشارقة للإبداع العربي - الإصدار الأول، التي تتضمن على الأقل ثمانية عشر كتاباً سنوياً، وجائزة التأليف المسرحي وجائزة الشارقة للبحث النقدي، وكتب المهرجانات التي ترصد الندوات الفكرية والبحثية المصاحبة للمهرجانات المسرحية والشعرية والسردية وغيرها، ما جعل الدائرة أهم جهة نشر في الشارقة. وفي مجال الدوريات بشكل خاص كانت الانطلاقة الأولى لمشاريع المجلات عام 1993 عندما أصدرت الدائرة مجلة الرافد التي أحدثت حراكاً ثقافياً كبيراً، وأصبحت توزع على اتساع خريطة الوطن العربي، ويكتب فيها خيرة الكتاب العرب، وأسست على مدى ربع قرن جمهوراً من القراء المثقفين المتابعين لما تنشره، وساهمت في تنوير الساحة العربية بالجديد في مجال المعرفة، حتى عام 2017، عندما أصدرت الدائرة مجلتها الثانية «الشارقة الثقافية»، وتبنت توجهاً جديداً يقضي بأن تخصص «الرافد» لمتابعة المشهد الثقافي المحلي، رصداً وتحليلاً، من أجل إنارة الجمهور بمختلف جوانب المشروع الثقافي للإمارة، وأما مجلة «الشارقة الثقافية» فخصصت للمشهد الثقافي العربي الشامل، وقد انطلقت مع بدء فعاليات الدورة الخامسة والثلاثين لمعرض الشارقة الدولي للكتاب 2017، وتسعى لأن تتخطى النمطي والمألوف إلى فضاءات أرحب، مركزة على الثقافة واللغة العربيتين، وعلى إقامة جسور للتواصل الفكري والمعرفي مع الفعاليات الثقافية المحلية والعربية والدولية.
في مطلع العام الجاري ومواكبة لاحتفالية «الشارقة عاصمة الكتاب» أتحفت الدائرة القارئ بإصدارين مهمين هما: مجلة «قوافي»، ومجلة «الحِيرة من الشارقة»، لكي تسهما في رصد المشهد الثقافي المحلي والعربي ومتابعته وتحليله، وتهتم المجلتان بالشعر بشكل خاص، وبدعم مبدعيه والاحتفاء بإنجازهم، أينما كانوا على خريطة الوطن العربي، التي اتسع مشهدها الشعري وأصبح أكثر حركية بفعل ما تقدمه بيوت الشعر من إنجازات تتوجه مباشرة إلى الشعراء، وهي بيوت مُنطلَقها الشارقة وتوجهها إلى مستقبل الثقافة العربية، وتتخصص مجلة «قوافي» في متابعة وقراءة مشهد الشعر الفصيح في الوطن العربي، وأما «الحِيرة من الشارقة» فتتخصص في الشعر الشعبي، والحيرة هي أشهر المناطق الشعبية في تاريخ الثقافة في الشارقة، والإمارات عموماً، وذلك لأنها مهد عدد كبير من الشخصيات التي أسهمت في تأسيس الحركة الثقافية الإماراتية، وقد انطلقت منها حركة شعرية قادها شعراء من أبنائها أسهموا بحظ وافر في صناعة المشهد الشعري الإماراتي في بدايته ونقلوه من العدم إلى الوجود وتجاوبوا به مع ما يمور في الساحة العربية آنذاك من حركة شعرية، وفي مقدمة هؤلاء الرواد سالم بن علي العويس (1887- 1959)، وخلفان بن مصبح (1923 - 1946)، وسلطان بن علي العويس (1925- 2000).

إضافات

وفي مطلع أكتوبر المنصرم أضافت الدائرة إلى رصيدها من المجلات، مجلتين شهريتين جديدتين تعنيان بالمنطقتين الشرقية والوسطى من إمارة الشارقة، وتركزان على المشهد التنموي والثقافي فيهما، وذلك تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة، لتكون المجلتان معززاً إعلامياً وثقافياً للخطط التنموية الكبيرة التي تنفذها حكومة الشارقة في هاتين المنطقتين، وأطلق على إحدى المجلتين اسم «الشرقية» والأخرى «الوسطى»، وتختص الأولى بالمشهد التنموي والثقافي في المنطقة الشرقية، فمع تسارع وتيرة التنمية فيها، ومع الزخم الحضاري والسياحي الذي بدأت تأخذه مدنها، خورفكان وكلباء ودبا الحصن ووادي الحلو، ومع تميز الفعل الثقافي فيها، وحضور الفعل التراثي الذي يربط الحاضر بالماضي، مع كل ذلك أصبح لزاماً أن يكون للمنطقة الشرقية صوت إعلامي مقروء، وأثر مكتوب يبرز ويوثق ذلك الحراك الحضاري التنموي الصاعد، ويؤكد قيمته بالنسبة للمجتمع المحلي، وينقل إلى القارئ الإماراتي والعربي عامة حقيقة المنطقة وتفاصيل حياتها اليومية، وقيم الإنسان فيها، وأصالة روحه العربية الضاربة في التاريخ التي لا تزال تحافظ على قيمها وإرثها الحضاري.
من أجل ذلك، جاء توجيه صاحب السمو حاكم الشارقة بإصدار مجلة تنموية ثقافية، لكي تكون عاملاً مؤازراً لجهود الإمارة التنموية البارزة في هذه المنطقة، وعلى رأسها المشاريع الكثيرة التي دشنها سموه في السنوات الأخيرة والتي تَعد بكثير من العطاء والخير في هذه المنطقة، وأيضاً لكي يعطي للإنسان فيها فرصة أن يسمع صوته للآخرين، وأن يقول إنه هنا موجود، يعمل ويجتهد ويساعد من موقعه على بناء وطنه، كبيراً وصغيراً، ذكراً وأنثى، فرداً وجماعة، مدينة وريفاً.

مواكبة

أما مجلة «الوسطى» فتعنى بالمنطقة الوسطى من إمارة الشارقة التي هي تاريخ ضارب في القدم، لا تزال شواهد المكان ترويه للأجيال في الذيد ومليحة والمدام والبطائح، وهي حاضر من الإنجازات التنموية المتسارعة التي عرفت طريقها إلى المكان منذ فترة غير قصيرة، وتسارعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مع افتتاح فروع وممثليات لكل المؤسسات والهيئات الحكومية في الذيد وبقية المناطق، والمنطقة الوسطى أيضاً هي إنسان قوي صلب العزيمة مكافح، ذلل الصعاب وعاش على هذه الأرض يصارع الصحراء القاسية، والجبال الوعرة، والحرارة الشديدة، فلا تفت من عزمه، ولا تحد من طموحه، ولا ترده عن بلوغ أهدافه، فكان يتحدى كل ذلك ماضياً في سبيل حياة كريمة، من أجل كل ذلك كان لابد من مجلة تنموية ثقافية تكون صوتاً إعلامياً مكتوباً ومقروءاً يوثق حقيقة هذه المنطقة، وينقلها إلى أبنائها وأبناء الإمارات جميعاً والقارئ العربي عامة، حتى تُرى بارزة بروز الشمس في وضح النهار.

زخم مسرحي

لما كان المسرح أداة حاسمة في صناعة الوعي في المجتمعات فقد ركزت الشارقة عليه في مشروعها الثقافي وأولته عناية خاصة، من خلال عدد كبير المهرجانات والملتقيات الفكرية والعروض المسرحية التي تقيمها المؤسسات المعنية به، وبعضها يختص بالإمارات وبعضها يتجول في الوطن العربي والعالم، وهكذا فقد ظهرت عدة مجلات مسرحية في الشارقة، منها مجلة «المسرح» التي تصدرها إدارة المسرح في دائرة الثقافة، وهي مجلة فصلية تبحث في فنون المسرح ومحاولة ملاحقة النص المسرحي العربي والعالمي وتجتهد في رصد الظاهرة المسرحية عربياً وعالمياً وتسعى إلى توثيق الحياة المسرحية العربية، كما أنها معنية بالبحوث والدراسات والوثائق وعرض الكتب والمتابعات والترجمات والتوثيق، ومن المجلات المسرحية أيضاً مجلة «المسرح العربي» التي تصدرها الهيئة العربية للمسرح، وتعنى بالمسرح بشكل عام، من خلال متابعات مكثفة لكل أحداثه، ومعالجات نقدية ودراسات بحثية، وتعمل على تطوير الحركة المسرحية في الوطن العربي، أما المجلة الثالثة فهي «كواليس» التي تصدر عن جمعية المسرحيين الإماراتيين، وتهتم بمتابعة الشأن المحلي بشكل خاص، والإضاءة على المسرحيين المحليين.

كتب وتراث

أما هيئة الشارقة للكتاب فقد بادرت بعد تأسيسها إلى العمل على إصدار مجلة متخصصة في الكتاب وما ينشر حوله، وأطلق عليها اسم «الناشر الأسبوعي»، وصدر العدد الأول منها بمناسبة افتتاح مقر الهيئة الجديد في ديسمبر 2017، وتعد الأولى عربياً المتخصصة في شؤون النشر وصناعة الكتاب والمؤلفين والقراء، وتتضمن أبواب المجلة دراسات ومقالات وحوارات وتحقيقات ومتابعات واستطلاعات رأي ومقالات ودراسات وزوايا صحفية وأخباراً عن أحدث الإصدارات وتقارير ومراجعات للكتب.
ويصدر معهد الشارقة للتراث مجلتين هما «مراود»، و«الموروث»، وتسعى مجلة «مراود» إلى تحقيق المتعة والفائدة للقارئ بما تحويه من موضوعات وأفكار تلامس مختلف جوانب التراث الثقافي في الإمارات انطلاقاً من اسمها الذي يحيل إلى معنى عميق وأصيل يرتبط بصميم التراث اللغوي والثقافي العربي والإماراتي، وأما «الموروث» فهي مجلة علمية فصلية تعنى بالدراسات والبحوث المتعلقة بالتراث وتركز على التراث الإماراتي خصوصاً والخليجي والعربي عموماً، في ظل سعيه ليسد فراغاً في المكتبة العربية بهذا الشأن، والتطلع نحو العالمية بما يليق بها وبالتراث العربي، وتسهم فيها أقلام عربية متخصصة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"