مدفن هيلي الكبير.. عبقرية المعمار القديم

يعود إلى حقبة «أم النار» في العصر البرونزي
01:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
العين:هديل عادل

تكريم الموتى، كان أبرز ما يميز العالم القديم، بالتحديد في الألف الثالث قبل الميلاد، إذ نرى في ذلك العصر العديد من المدافن الجماعية المبنية بأشكال دائرية من الحجر المنحوت. ومن بين تلك المدافن الأثرية وأضخمها، «مدفن هيلي الكبير» الكائن داخل حديقة آثار الهيلي في مدينة العين، الذي يعود إلى حقبة «أم النار» في العصر البرونزي (3000 ق.م - 1300 ق.م)، التي اكتشفتها البعثة الدنماركية عام 1965، ويحيط به عدد من المستوطنات والمدافن التي تعود للحقبة الزمنية نفسها، وتقدم جميعها دلالات واضحة عن شكل وطبيعة حياة الإنسان في المجتمعات القديمة.
تولت البعثة الدنماركية، بالتعاون مع إدارة الآثار عام 1959 بتوجيهات من المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان حينها ممثلاً للحاكم، مهمة التنقيب في المنطقة الشرقية من إمارة أبوظبي، حيث غطت أعمال البعثة 3 مناطق، هي جبل حفيت، وهيلي، وبدع بنت سعود، وخلال عمليات التنقيب تبين أن حضارة «أم النار» التي يرجع إليها مدفن هيلي الكبير، تتكون من عدد من المستوطنات السكنية، والمقابر المرتبطة بالمجتمعات القديمة التي لا تزال معالمها ظاهرة على سطح الأرض، ورغم أن الحفريات أظهرت تعرّض الموقع لدمار كبير في الماضي، لكن قبوراً جماعية أخرى تعود إلى الفترة نفسها، تدل على أن المقابر من هذا النوع كانت تضم عدداً كبيراً من الموتى، كانوا يُقبرون مقرفصين مع حاجياتهم، وتميزت مدافن تلك الفترة بأشكالها الدائرية، وأنها بنيت من الأحجار المحلية المنقولة من الجبال القريبة من الموقع.
أعيد بناء المدفن بعد اكتشافه وفق مخططه الأصلي، بواسطة فريق ترميم عراقي عام 1975، وسمي بمدفن هيلي الكبير، نسبة إلى المنطقة التي يقع فيها (هيلي)، وتميز عن غيره في ذلك العصر بالنقوش الزخرفية على مدخليه الشمالي والجنوبي، التي يزيد عمرها على 4 آلاف سنة، وهي تمثل رسوماً لحيوانات وبشر، من أبرزها رسوم لغزلان المها عند المدخل الجنوبي للمدفن، وهو من الحيوانات الأصيلة في الجزيرة العربية، وأصبحت هذه النقوش اليوم شعاراً لمدينة العين.
كان المدفن من أضخم النصب الأثرية في الدولة، من حيث حجم الأحجار التي استعملت في بنائه، إذ يبلغ قطره 12 متراً، وارتفاعه يزيد على 4 أمتار، ويحتوي على مدخلين وأربع غرف داخلية، كل واحدة منها مخصصة لدفن عدد من الموتى.
أما المكتشفات الأثرية التي تم التنقيب عنها في مدافن المنطقة المحيطة، والتي تعود إلى الحقبة الزمنية نفسها، فهي معروضة اليوم في القاعتين الثالثة والرابعة في متحف العين الوطني، ويمثل الفخار جزءاً مهماً من مكتشفاتها، ويعتبر مفتاح الآثار في تلك المنطقة. وتضم القاعة الثالثة أشكالاً متنوعة من الفخاريات، منها الأحمر الرقيق المزين بزخارف جميلة، ومنها أواني التعليق المحلية الصنع، وبعض الأواني المنزلية، وهي عميقة مفتوحة مزينة بخطوط متموجة تدور حول الطرف العلوي من الآنية.
ومن أبرز الأواني الفخارية المعروضة في المتحف، الجرة الصغيرة المزينة برسم طاووس، وغالباً ما تكون هذه الجرة مستوردة من وادي السند، إذ إن مثل هذا العنصر الزخرفي كان معروفاً في حضارة «هرابا في السند» آنذاك. أيضاً هناك خزانتان تحويان أواني فخارية من منطقة هيلي، تتميز بلونها الرمادي وجدرانها الرقيقة جداً، وهذه الأواني إما أن تكون ملونة وإما محززة. الملونة منها ذات أشكال حيوانية أو هندسية، وتحمل زخارف حيوانية مرسومة عليها أشكال لماعز، أو وعول، وهذا العنصر الزخرفي هو ميزة من ميزات فخاريات الألف الثالث قبل الميلاد.
وتشمل مكتشفات هيلي الأثرية أواني من الحجر، وأسلحة معدنية، وأدوات زينة، تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، يعرض بعضها في مدخل القاعة الرابعة على جهة اليمين، حيث يوجد خنجر من النحاس، ومزيد من أواني التعليق، وقلائد من العقيق الأحمر التي كانت تزين صدور النساء، والأطفال في تلك الحقبة من الزمن، كما توجد خزانة صغيرة عرضت فيها نماذج من الأواني المكتشفة في مدافن هيلي وتشتمل على جرار، وأقداح، وأوان صغيرة جداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"