مصفوت سحر بلا حدود

الوديان والسهول والجبال ثروتها السياحية الحقيقية
13:24 مساء
قراءة 6 دقائق

مصفوت أو فردوس عجمان الساحر مدينة تقع في حضن الجبل قرب حدود الامارات مع سلطنة عمان مما جعل من مناخها نسيماً وربيعاً على مدار العام لا حرارة ولا طقس بارداً في كل المواسم ينابيع متدفقة ووديان جارية وأشجار نخل ضاربة بجذورها كشاهد عيان على تمسك أهلها بماضيهم وتعلقهم بهويتهم البدوية العربية، رغم انهم يعيشون مع الحداثة وعصر الريموت كنترول إلا أن مصفوت تمثل لهم الملاذ الآمن.

مدينة بهذا السحر والجمال الأخاذ كان لابد من أن نتجول في وديانها وشعابها لنخرج بالحصاد التالي:

يقول سالم عبدالله سعيد الكعبي مدير مكتب بلدية مصفوت ان المدينة تبعد عن عجمان بحوالي 110 كيلومترات وهي ذات موقع استراتيجي جعلها معبراً تجارياً مهما للمناطق المجاورة لها مثل حتا والحويلات والمنيعي ووادي الغور، وتعد منطقة مزيرع مركز التجمع التجاري في مصفوت مما دعا البلدية إلى اعطائها مزيداً من الاهتمام والتحديث للبنية التحتية لتواكب الحركة التجارية ويتم حالياً تطوير الشارع العام في منطقة مزيرع وإنشاء مستشفى متكامل يحل محل المستوصف الحالي وتشييد مجمع اداري للبلدية يتم فيه اجراء جميع المعاملات بجانب الخدمات البنكية المتطورة.

وأوضح الكعبي ان المنطقة ذات طبيعة ساحرة تضم الجبال والسهول والوديان مما جعلها عامل جذب سياحي يتم العمل حاليا على استغلالها وهناك العديد من المخططات لإنشاء منتجعات سياحية على مستوى عالمي وتم التعاقد مع شركات في دبي لأجل تنفيذ العديد من الانشاءات السياحية وستتزامن معها العديد من المرافق الخدمية بالمنطقة، وقد تم في الشهور الماضية ترميم الوديان ومجاريها واعادتها إلى طبيعتها بعدما تعرضت للعديد من الاعتداءات الناجمة عن سوء استخدام الموارد الطبيعية.

أما الدكتور سيف محمد البدواوي استاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم بجامعة الشارقة فيوضح أنه بعد اكتشاف اللؤلؤ الزراعي مرت مصفوت بظروف صعبة وكثر عليها قطاع الطرق لكونها منطقة زراعية وبها ثروة حيوانية من بقر وغنم. وظلت مكشوفة بغير حماية وضعف أهاليها متأثرين كذلك بالحرب العالمية الثانية التي أثرت على القرية بطريقة غير مباشرة. وفي خضم هذه الاحداث استقر الشيخ راشد بن حميد النعيمي شيخ عجمان في مصفوت وسكن في بادئ الأمر في حصن مصفوت القديم والذي يعود بناؤه إلى القرن الثامن عشر ثم بعد ذلك قام الشيخ راشد بتعيين والٍ في مصفوت واسمه شيخان بن سعيد الكلباني حيث كان أحد مرافقي الشيخ في عجمان. وبذلك استطاع الشيخ راشد بن حميد النعيمي أن يحمي القرية من غزوات الآخرين.

ويضيف البدواوي أن التطور العمراني والاجتماعي الذي مرت به مصفوت في مرحلة الستينات جعل منها قرية مشهورة وذلك لبناء أول مدرسة شبه نظامية بها كذلك أول عيادة وكل ذلك على نفقة مجلس حكام الامارات المتصالحة.

أول مدرسة

ويوضح البدواوي أنه تم بناء مدرسة مصفوت عام 1964 وذلك بناء على طلب الشيخ راشد بن حميد النعيمي من مجلس حكام الإمارات المتصالحة وقام الشيخ راشد بإحضار الشيخ علي بن حميد بن غانم الشامسي من الحيرة ليكون المعلم الأول في المدرسة. وتكونت المدرسة من غرفتين الأولى كانت بيتاً للمعلم والثانية كانت كبيرة واتخذت صفاً لجميع المراحل. وأما ليوان المدرسة فكان أحيانا يدرس فيه بعض الطلبة الكبار ويتخذه المعلم مجلساً لضيوفه.

كان عدد الطلبة يختلف من عام إلى آخر حيث في السنة الأولى دخل المدرسة معظم أبناء حتا ومصفوت ولكن فيما بعد ترك معظم أبناء حتا الدراسة ما عدا محمد خلفان بن سرور وحمدان خلفان بن ماجد البدواوي.

وأما من أبناء مصفوت فكان الطلبة هم: الشيخ حمدان بن راشد النعيمي، وسعيد بن شيخان، وسيف محمد بن عبود البدواوي، الشيخ صقر بن راشد النعيمي، عقيل بن خلفان بن حسن الكعبي، خميس علي بن عبود، خميس عبيد بن سويلم، خلفان علي بن درويش، محمد بن سلطان، حمد معيوف، الشيخة ميرة بنت راشد النعيمي، عوشان بنت خلفان بن صبيح، محمد راشد بن بخيت، جمعة راشد بن الغبر، محمد أحمد الشريف.

ولقد تعلم على يد الشيخ علي بن حمد الطلاب الأذان وصلاة الجماعة. وأما المنهاج الرئيسي فكان قراءة القرآن والكتابة والسيرة، وفي عام 1967 ترك المعلم الاول المدرسة واستدعى الشيخ راشد الشيخ عبدالله النعيمي من خورفكان لكي يكون معلما بها. بعد ذلك فتحت مدرسة عمار بن ياسر وكان اول مدير لها بعد قيام الاتحاد الشيخ عبدالله السعودي وبعده خميس شعبان.

ويقول البدواوي انه تم إنشاء عيادة مصفوت في عام 1963 على نفقة مجلس حكام الإمارات المتصالحة وبطلب من الشيخ راشد بن حميد النعيمي وكان معظم العمال الذين بنوا العيادة من السجناء الذين يقضون أحكاماً بالسجن وخاصة في دبي، ولقد تكونت العيادة من ثلاث غرف. وسكن بها ممرض مقيم وكان يأتي لها طبيب زائر على فترات متفرقة. ومن الأمور اللافتة أن أحد الأطباء الزائرين (وكان أوروبياً) كان يقوم بعمليات وتجارب على القطط وهذا أخاف الناس منه بل ظن بعضهم بأنه ساحر. وأما الممرضون فمعظمهم من الجنسية الآسيوية كان أول ممرض اسمه عبدالكريم ثم بعد ذلك جاء آخر اسمه شمشاد وقدمت العيادة خدمات لجميع المناطق واستفاد منها الكثير من المرضى رغم ضعف الامكانيات تم افتتاح عيادة مشابهة في الحويلات في الستينات أيضا.

ويوضح البدواوي أنه توفرت في مصفوت خدمات أخرى لم تكن في القرى المجاورة جعلها مركزاً خدمياً لهذه القرى منها بيوت شعبية على نفقة مجلس التطوير حيث تم تشييد عدة بيوت في مرحلة ما قبل قيام الاتحاد وتم توزيعها على الأهالي. كما تم حفر عدة آبار مياه على نفقة مجلس الحكام وباشراف مكتب التطوير وذلك في عام 1967 وكذلك قام مكتب التطوير بعمل نقاط لقياس الطقس وكمية الأمطار في نواح مختلفة من مصفوت. وتم تنظيم عدة حملات للتطعيم ضد الجدري قام بها الأطباء من مستشفى ماكلوي (مكتوم حالياً) بناء على توجيهات من مجلس حكام الإمارات المتصالحة.

ويقول عبدالله خلفان بن ماسي من أعيان مصفوت انه تم تقسيمها إلى عدة أجزاء منها مصفوت أي نخيل ومزارع مصفوت الذي يمتد من أسفل قرية ضفدع إلى آخر مزرعة في مصفوت وتسمى صرم البطحاء وكانت معظم بيوتهم تشيد من سعف النخيل (عريش) في الوادي المقابل للنخيل. وتعد قرية ضفدع المنصورة حاليا من اقدم القرى.

ويوضح ضمرة مصطفى من المقيمين بمصفوت انها في الماضي وقبل الاتحاد كانت تعاني من مشاكل قطوعات الماء والكهرباء لكن الآن وبفضل الاتحاد اصبحت من المدن المتميزة ومتوفر فيها الحياة العصرية وهي شبه مغلقة علي المواطنين فقط لأنه لا توجد بها مساكن للوافدين إلا في حالات نادرة جدا، والمدينة بها عوامل جذب سياحية من طقس رائع وهدوء بجانب الروح الجميلة السائدة بين الاهالي فهم عبارة عن أسرة واحدة وقبائل مترابطة مما يجعلها منطقة مفضلة للجميع ولا يبيع أهاليها مساكنهم أو يؤجرونها، لذلك تشييد بنايات ومنتجعات سياحية من شأنه ان يسارع التطور والنمو العمراني بها.

ويشير حيي حمد الشريف من أعيان مصفوت ان الحياة التجارية في مصفوت في الماضي كانت أشبه برحلة الشتاء والصيف حيث التنقل في الشتاء يختلف عن الصيف وكانت معظم الرحلات التجارية إلى دبي وتستغرق الرحلة الواحدة ثمانية ايام اربعة ذهابا ومثلها للعودة وكانت التجارة تعتمد علي المنتجات الزراعية من تمر وبعض التبغ الذي يستخدم بعضه في التبادل التجاري مع عُمان وكنا نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع والسكن في الخيام حياة بدوية فطرية على السجية.

ويضيف أن طقوس الزواج اليوم أرحم وافضل بكثير من الماضي، حيث كانت تستمر الافراح ثلاثة أيام تبدأ في العادة يوم الاربعاء وتنهي بالجمعة بعكس اليوم الذي تستغرق فيه يوما واحدا وبصالة عائلية.

ويشير خميس علي البدواوي إلى ان مشاريع زايد للاسكان لها دور كبير في النمو العمراني الذي شهدته مصفوت بعد الاتحاد حيث أسهم المشروع في تمليك المواطنين منازل حديثة اسهمت في تمدنهم وانتقالهم من حياة الخيام إلى حياة المدينة واستكمال تعليمهم وتعليم ابنائهم في المدارس التي شيدها المغفور له الشيخ زايد باني دولة الامارات الحديثة، وما نعيشه اليوم من حداثة وتطور ورخاء بفضل رؤيته الحكيمة مع شيوخ الامارات.

أما عبدالله راشد من أهالي مصفوت فيقول ان ما يميز مصفوت عن غيرها الترابط الاجتماعي والعفوية في الحياة واجواؤها الساحرة التي جعلتها وجهة مفضلة لجميع ابناء الدولة الهاربين من صخب المدينة وضجيجها فتجد أبناء ابوظبي والشارقة يتملكون بيوتا فيها والبعض يحرص على قضاء عطلاته واجازته بها، وجمال مصفوت جعل ابناءها يتمسكون بتاريخها وماضيها وكل ما يرتبط بهذا الماضي من مزارع وممتلكات تراثية ويهتمون بمزارع النخيل رغم ان كثيراً منهم ليست له علاقة بالزراعة لكنه يحافظ على النخيل أحد أهم معالم مصفوت وجزء من تاريخها ولأن المزارع عزيزة عليهم ورثوها أباً عن جد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"