منتجات بيئية لإنسان خال من الأمراض

تجمع بين الاشتراطات الجمالية والأخلاقية
13:16 مساء
قراءة 5 دقائق

اجتاحت العالم في الآونة الأخيرة موجة من الاعلانات ذات التوجه البيئي. واللافت ان هذه الاعلانات متعددة المواضيع، إذ انها لا تقتصر على الأغذية فحسب وانما تشمل كل المواد التي يحتاجها الناس في مختلف مجالات حياتهم.

فلم يعد يخلو إعلان لمؤسسة مصرفية أو بترولية أو استهلاكية، من اشارة إلى التفاعل مع ما يقتضيه الوضع البيئي من تغيير لنمط حياتنا ولسلوكياتنا في مختلف المجالات، سواء تعلقت بالأغذية أو الملابس أو تفاصيل أخرى عادة ما نغفل عنها لاعتقادنا بكونها لا تسبب ضررا بيئياً يمكن ان يضع وجودنا قاب قوسين أو أدنى.

ويبدو ان الأمر يتعلق بصحوة لا مناص منها لحماية الوجود الانساني ذاته لهذا تجد المؤسسات المصممة والمصنعة للمواد الاستهلاكية بشكل خاص، في وضع يقتضي منها إعادة النظر في ما تعرضه حفاظاً على البيئة والصحة والوجود.

سلامة البيئة والمحافظة على الصحة العامة متلازمان. فالبيئة السليمة هي محيط خال من الأسباب والأعراض المرضية المنغصة لحياة البشر لهذا فالحديث عن منتجات بيئية يشير في الأصل إلى المنتجات الصحية الخالية من المواد الضارة بصحة الفرد والبيئة مثل المواد الكيميائية والمواد المعدلة وراثيا، وجميعها تعد ملوثات تختلف درجة ومدى ضررها بحسب مكوناتها. ولا تقتصر تهمة إلحاق الأذى بالبيئة، على المنتج فحسب وإنما تمتد لتشمل المستهلك أيضا، فكلاهما مسؤول عن اهمال مراعاة شروط حفظ الصحة.

هكذا بدأ يظهر جيل جديد من الاغذية الطبيعية والمصنعة ومن الألبسة التي تعتمد آخر تصاميم الموضة وكذلك من البيوت التي تبنى من خلال اعتماد مواد غير ضارة بالبيئة وفيما يتعلق بالأغذية، بدأت تظهر في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية خاصة منتوجات زراعية خالية من الاضافات الكيميائية التي عادة ما يتم الترويج لها رغم ضررها، على أنها تسهم في وفرة الانتاج.

يتعلق الأمر إذن بخيار استراتيجي فإما الكثرة والوفرة وإما النوعية. أما مبدأ الاختيار فيتراوح بين الوجهة البراجماتية التي تقيس القيمة بمقياس الربح أو الخسارة المادية. بما ان القيمة وفق هذه الوجهة تكمن في النفع. وبين الوجهة الأخلاقية التي تقيس القيمة بمقياس انساني. بما ان القيمة وفق هذه الوجهة تكمن في الانسان.

ولا شك ان هذه المراوحة بين تصورين مختلفين بل متعارضين للقيمة أدى الى حدوث حالة من المد والجزر انعكست في سلوك المنتج وفي سلوك المستهلك في آن.

فكانت النتيجة أسواق للبضائع والمنتجات الخالية من الكيماويات والمواد المعدلة وراثياً، وأخرى للبضائع والمنتجات الملوثة بنسب متفاوتة بهذه المواد. وكما ان حسابات كثيرة تؤدي إلى انتاج هذه البضائع غير البيئية فإن أسباباً أكثر تدفع الى استهلاكها، أهمها الحاجة وغياب الثقافة الاستهلاكية بل عدم توافر البديل الصحي أصلا!

فالمسألة ذات أبعاد اجتماعية وثقافية قبل أن تكون مرتبطة بأسباب مادية وخيارات فردية.

لهذا فإن الحديث عن اجتياح اعلاني ذي مضمون بيئي يعد اشارة الى عملية تثبيت دعائم وعي اجتماعي لبناء ثقافة استهلاكية رهانها الانسان وهدفها صحته وسلامة بيئته هذه الثقافة الجديدة لا تقتصر على الأغذية فحسب وإنما تمتد لتشمل كل ما يحتاجه الانسان لضمان سلامته تأمين رفاهيته. فاختيار ما نلبس لا يرتبط دائما بالامكانات المادية لأن الأمر مرتبط بمعايير يلعب الوعي والذوق فيها دوراً رئيسياً. فالاعتراف بقيمة مؤسسة الموضة في صناعة الجمال وصقل القدرة على اصدار احكام ذوقية، لا يتطلب امكانات مادية ترتبط بثقافة متعددة الجوانب، استهلاكية واجتماعية وذوقية. فالاعتماد على الملابس الصوفية والقطنية الطبيعية ليس مسألة ذوقية فحسب ولا هو خيار ذاتي مستقل بذاته وإنما مرتبط بمسألة مصيرية تقتضي وعياً جماعياً ولذا فإن للمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية مثل مؤسسات الموضة دورا في تمرير الصحوة إلى المجتمع ثم من المجتمع إلى الفرد. فصناعة الجمال صناعة فنية، والفن أحد أهم أشكال وعي الانسان بذاته وبعالمه الاجتماعي والطبيعي، والعمل للمحافظة على مختلف هذه القيم. ففي شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أقيم أسبوع الموضة بمدينة ساو باولو بالبرازيل تحت شعار البيئة فلم يخرج المعروض عن حدود الألبسة القطنية البيولوجية والصوفية التقليدية والجلود الطبيعية. وتعويضاً عن الأضرار التي يمكن ان تلحق بالبيئة نتيجة التلوث الذي تسببه الطائرات المقلة للمشاركين والصحافيين، قررت اللجنة المنظمة غرس 4000 شجرة في احدى المناطق التي يتم إتلافها والتابعة للغابة الاستوائية. وبعد مرور شهر على هذا الحدث، وعدت بلدية ساو باولو بغرس 1500 شجرة اضافية في مختلف شوارع المدينة تعويضا عن الأضرار الناتجة عن كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون التي أفرزتها مدارس السامبا خلال الأيام الأربعة للمهرجان. ولم تقف مساهمة مؤسسات الموضة عند هذا الحد، فخلال أسبوع الموضة في نيويورك عرض 10 مصممين موديلات جديدة خصصت نسبة 10% من قيمة مبيعاتها لمؤسسة آل جور البيئية ومن جهتها انضمت محلات عدة ذات صيت عالمي متخصصة في عرض وبيع أحدث التصاميم، إلى القافلة الخضراء وذلك ببيعها حقائب من القماش وقمصاناً كتب عليها لست كيسا من البلاستيك، وخصص ريعها لدعم مؤسسات حماية البيئة. وتعد هذه المبادرات ذات قيمة مضاعفة لأنها تصدر عن مشاهير من ممثلين وعارضين، عادة ما يتم تقليدهم ليس فقط في ما يختارونه من تصاميم وإنما في توجهاتهم الفكرية والاجتماعية العامة لهذا لقي فيلم ليوناردو دي كابريو الساعة 11 الذي تطرق لمشكل الاحتباس الحراري، نجاحاً كبيراً جسده توجه معجبيه ومحبيه نحو الاهتمام بالقضايا البيئية. وسرعان ما انتقل هذا الاهتمام الى مجال آخر من مجالات الموضة وهو تصميم البيوت (من الخارج ومن الداخل). فقد اصبح الحديث يدور حول ضرورة التميير بين مواد البناء المصنعة والضارة بالبيئة من ناحية ومواد طبيعية يمكن اعتمادها دون الحاق الأذى بصحة الانسان وسلامة محيطه.

وبناء على هذا التمييز، كثر الحديث عن تصاميم متنوعة لما أصبح يعرف ب البيوت ذات الطابع البيئي هذه التصاميم التي تشترك في اعتماد مواد طبيعية خالية من اية تركيبة كيميائية، رهانها توفير فضاءات تكون فيها الكائنات الحية وبشكل خاص الانسان، في مأمن من اية أخطار معروفة أو مجهولة تتربص بالصحة، فتؤدي من خلال الإضرار بها إلى تهديد انتظام الوجود برمته. لكن تصميم هذه النوعية من البيوت ليس في متناول الجميع، فهو يقتضي وجود مهندسين تتوافر فيهم كفاءات خاصة الى جانب الكفاءة المهنية والعلمية. وأول هذه الكفاءات القدرة على الإلمام بمختلف ضرورات التوجه نحو هذا النوع من البيوت الطبيعية، لأن هذا الإلمام يعكس إيمانا راسخاً بقضية انسانية يتجاوز صداها حدود مجال تصميم البيوت نحو البحث عن حلول للمشكلات البيئية التي يواجهها الانسان كما يشترط في هذا النوع من المهندسين توافر الكفاءة الفنية. فالبعد الجمالي يلعب دوراً جوهرياً في التشجيع على التوجه نحو المواد الطبيعية مثل الخشب. وبالفعل لعبت مؤسسة الموضة دوراً مهماً في لفت انتباه الافراد الى القيمة الصحية للمواد الطبيعية عندما أضافت اليها من خلال التصاميم المبتكرة، قيمة جمالية. ولعل هذا ما جعل الاختلاف عن التقليد السائد يبدو أمراً ايجابيا. فكأن شعار الموضة أصبح أنا مختلف إذن أنا جميل جميل في ما آكل وفي ما ألبس وحيثما أسكن. فالجمال صفة لازمة وملازمة لانه يصمم وينتج في ظروف بيئية سليمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"