موريتانيون يبتكرون مهناً جديدة للهروب من الجوع

13:23 مساء
قراءة 3 دقائق

طالما كان نبذ الكسل حافزاً اجتماعياً للمرء لكسب لقمة العيش من عرق الجبين، ولكن في ظل فقدان المهن المعتادة، على فقراء العالم ابتكار وسائلهم ومهنهم الخاصة التي تبدو للآخرين من حولهم غريبة وغير مألوفة.

وفيما يلقب ب أحزمة الفقر في موريتانيا، لا يتوانى عشرات الفقراء عن اختراع مهنهم الخاصة التي تخولهم انتزاع لقمة العيش من مخالب البطالة القاتلة، ذلك أن انتظار العمل المناسب قد يعني الموت جوعا. وبين هؤلاء الذين دفعهم الواقع المعيشي الصعب للخروج على قائمة المهن المعروفة للجميع، يقضي نساء ورجال أوقاتهم وهم يعملون في مهن صعبة وكأن لسان حالهم يقول فقير أخوك وليس بعامل.

فبين أكواخ حي لغليكة، أفقر أحياء العاصمة الموريتانية نواكشوط، اتخذ محمد سعيد (45 عاما) مهنة لم تكن معروفة حيث يظل جوالا بين مذابح الحيوانات بنواكشوط، وهو يلتقط كل ما استغنى عنه الجزارون من مخلفات اللحوم ليقوم لاحقا بتوزيعها على شكل كميات بحجم قبضة اليد تدعى محليا بالصمان، وهي على صغرها وعدم تجانسها كافية لتكون لحما مقبولا على مائدة الأسر شديدة الفقر، ولهذا يقوم محمد سعيد ببيعها غالبا بالدين، على أن يقوم بجولة مسائية من خلالها يجمع متأخرات ثمن اللحم الذي باعه للزبائن، وغالبا ما يعود من رحلته خاوي الوفاض.

ولهذا يضطر لتسجيل ديونه في دفتر حتى يتمكن من ضبطها تمهيدا لجولة تحصيل ديون جديدة.

ويقول الرجل الذي يلبس مرقعة: مهنتي تعود علي بالكاد بلقمة العيش فأنا أب لعدة أطفال، ولجأت لهذه المهنة لانعدام العمل وشدة الفقر، ومع ذلك فأنا احتسب أنني من أغنى سكان هذا الحي، ولذلك ولأنني فقير وأعرف الفقر، لا أجحف على الناس في قضاء الدين لأنهم مساكين لا يملكون شيئا.

ويقول المشكلة أن هؤلاء الفقراء في ازدياد لأنهم يأتون من الريف باستمرار ولا يعودون إلى حيث كانوا يعيشون نتيجة للجفاف.

أما الطفل سلامي الذي يبلغ من العمر عشر سنوات فاختار مهنة أخرى تتمثل في جمع ما تيسر من كرتون وأوراق وبيعها على شكل أعلاف للحيوانات. ويقول إنه يكسب حوالي 500 أوقية (دولارين) يوميا وهو مبلغ كاف لشراء الأرز والزيت لأسرته، خاصة أن والدته التي تعمل في خياطة الملاحف توفر باقي مصروف العائلة.

ومن ذات الحي وأحياء الصفيح الأخرى، تنطلق كل صباح مجموعة من النسوة إلى الطريق الشاطئي الرابط بين المدينة وميناء الصداقة في نواكشوط، وبمحاذاة هذا الطريق ووسط أخبية بنيت من القماش الخرب والعيدان تمارس النسوة مهنة لم تكن معروفة ولكنها ابتكار آخر لكسب القوت.

ذلك أن هذا الطريق تسلكه يوميا الشاحنات المحملة بالحبوب في رحلة عودة وذهاب ما بين الميناء وشركة مطاحن موريتانيا الكبرى، وتقوم النساء بمساعدة الأبناء بجمع الحبوب التي تتساقط من الشاحنات على جانبي الطريق ويعكف الجميع على غربلة تلك الحبوب وفصلها عن التراب وقطع المحار ومن ثم تنظيف المحصول قبل أن يكون جاهزا للاستعمال.

وتقول إحدى السيدات، وهي تقارب الخمسين: لجأت لهذا العمل لأنني أعول أسرة مكونة من عدة أبناء وليس لنا أي دخل يساعد في تسيير شؤون هذه الأسرة.

وتعترف، وهي تتصبب عرقا، بأن هذا العمل شاق ويعتمد على الحظ فقد تمر أيام لا يتساقط فيها الكثير من الحبوب من الشاحنات، كما أن عملية فصل الحبوب عن التراب عملية صعبة ولا بد من غربال ومن ثم نسف وعمل يدوي شاق.

وتضيف أن الدرك طالبها هي وزميلاتها بإخلاء المكان بعد أن تحدثت إحدى القنوات الفضائية الخارجية عن عملهن، ما أحرج سلطات المقاطعة، لكن قريبها يرفض ويقول إن السلطات عليها توفير ظروف عمل مناسبة لمواطنيها وإلا فإنهم سيغربلون التراب بحثا عن حبة قمح واحدة.

تحصيل لقمة العيش من الحبوب المتساقطة على حافة الطريق، مهنة شاقة، ولكنها قدر هؤلاء الذين لم يوفر لهم سوق العمل فرصة للعيش بسهولة.

يشار إلى أن السلطات الموريتانية وضعت عدة برامج لمكافحة الفقر خلال السنوات الماضية، لكن القوى السياسية تعتبر أن هذه البرامج وضعت بشكل غير ملائم من ناحية، ومن ناحية أخرى تعرضت للفساد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"