واشنطن وموسكو.. حوار من دون تقدم

04:37 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. نورهان الشيخ

غيوم التوتر التي تخيم على العلاقات الأمريكية الروسية لسنوات، تبدو أصعب من أن تبددها رغبة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في علاقات جيدة مع موسكو، أو زيارة يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى روسيا. قد يكون استمرار الحوار بين البلدين أمراً إيجابياً بحد ذاته، إلا أن التفاؤل بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين يظل حذراً للغاية.

أكد مايك بومبيو في بداية محادثاته مع الرئيس الروسي بوتين في سوتشي يوم 14 مايو/ أيار، «التزام» ترامب ب«تحسين العلاقات» مع روسيا، واعتبر بومبيو الذي كانت زيارته هي الأولى لروسيا كوزير خارجية، أن الاجتماع في سوتشي كان مثمراً، وأن المحادثات مع الرئيس بوتين كانت جوهرية وناجحة، وأن لدى الولايات المتحدة وروسيا مصالح مشتركة في كوريا الشمالية، مؤكداً أن موسكو مهتمة بعدم انتشار الأسلحة النووية في المنطقة. ومن جانبه، أكد الرئيس بوتين أن روسيا تعتزم استعادة علاقاتها كاملة مع الولايات المتحدة، وأشار وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إلى أن حديثه مع بومبيو كان «مفيداً وصريحاً» حول مدى واسع من القضايا شملت فنزويلا، وكوريا الشمالية، وسوريا، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وأوكرانيا، وأفغانستان، إلى جانب الاتفاق النووي الإيراني. وأن روسيا والولايات المتحدة تواجهان مشكلات كثيرة تتطلب تدابير عاجلة وحلولاً طويلة الأمد، من بينها، قضايا الأمن الاستراتيجي، وتسوية الأزمات.
كما أشار إلى اتفاق الطرفين على ضرورة اتخاذ خطوات لتصحيح الوضع الناجم عن سياسة العقوبات الأمريكية ضد روسيا التي ورثتها الإدارة الحالية عن سابقتها، وأنه تم الاتفاق على إعادة قنوات الاتصال التي تم تجميدها في الفترة الأخيرة، نتيجة موجة الاتهامات التي وُجهت لروسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. يضاف إلى ذلك الاتفاق حول إعادة تنشيط الحوار المشترك لمكافحة الإرهاب على مستوى وزيري الخارجية، وقدم لافروف مقترح موسكو بإنشاء مجلس خبراء غير حكومي، يضم علماء سياسة ودبلوماسيين ومتخصصين في الشؤون الأمريكية الروسية، لبلورة رؤية حول كيفية تجاوز عدم الثقة بين البلدين، وسبل بناء الثقة والتعاون في مختلف المجالات بينهما، وكذلك إنشاء مجلس للأعمال المشترك لتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين.
ورغم هذه التصريحات الإيجابية من الطرفين، إلا أنها تظل «خطوات جيدة، ولكنها غير كافية»، على حد تعبير لافروف، وما زالت العلاقات الأمريكية الروسية بعيدة عن تغيير جوهري يعيد الدفء إليها. وهو ما أشار إليه صراحة الوزير لافروف، حيث اعتبر أن «العلاقات مع الولايات المتحدة تمر بفترة ليست مثالية».
من ناحية أخرى، ما زال التناقض والخلاف قائمين بين البلدين حول العديد من القضايا الدولية، والإقليمية، والثنائية، ولم تستطع مباحثات سوتشي تقريب وجهات النظر والمواقف بينهما. وعلى سبيل المثال، أعلن بومبيو في أعقاب المباحثات أن الإدارة الأمريكية والكرملين يحتفظان بوجهات نظر مختلفة حول حل النزاع الروسي الأوكراني، وأنه «توجد أمور نختلف فيها كلياً»، وأن مبادرة تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا تعتمد على إيجاد حلول للقضايا ذات الاهتمام المشترك، وكذلك «إحراز تقدم في إيجاد حلول لبعض المسائل المعقدة التي تواجه البلدين»، وينصرف هذا على مختلف القضايا التي كانت محل بحث خلال زيارة بومبيو.

ولم يستطع الطرفان الوصول إلى صيغة مقبولة لتسوية الأزمة في فنزويلا، أو إيران، ولم يتم التوافق حول خطوات جادة ومحددة لإبرام اتفاقات جديدة للحد من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى تضم الصين، ولا حول تمديد معاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية التي من المقرر أن تنتهي في فبراير/ شباط 2021. وتتسع هوة الخلاف حول سوريا مع الضغوط الشديدة التي تمارسها روسيا على واشنطن لتفكيك قاعدة التنف، وحل معضلة «مخيم الركبان»، في أقصى جنوب شرق البلاد. في حين تصر الولايات المتحدة على الاحتفاظ بوجودها في سوريا، ورغم أن ترامب أعلن في نهاية العام الماضي عن نيته سحب قوات بلاده، إلا أنه تراجع لاحقاً، وقرر إبقاء 400 جندي من قواته نصفهم في التنف، كما أعلن عن نيته إنشاء «منطقة آمنة» في الشمال.
ويصل الخلاف مداه حول قضية الدعم الأمريكي للديمقراطية في روسيا، وقام لافروف خلال اللقاء بتسليم بومبيو مذكرة حول تدخل الولايات المتحدة المباشر في الشأن الداخلي الروسي، و«قانون دعم الحرية في أوكرانيا» الذي تم إقراره في ديسمبر/ كانون الأول 2014، وتم بمقتضاه تخصيص 20 مليون دولار لدعم الديمقراطية في روسيا من خلال العمل مع المنظمات غير الحكومية الروسية.
من ناحية أخرى، ما زالت المؤسسات الأمريكية ترى في موسكو العدو الأساسي للولايات المتحدة، ورغم إعلان نتائج تحقيق لجنة مولر الذي أكد عدم وجود أي نوع من التواطؤ بين روسيا وإدارة ترامب، فإن الجدل في الداخل الأمريكي لم يتوقف، وتعالت الأصوات المطالبة بنشر تحقيق مولر كاملاً، وليس ملخصه، واعتبرت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، أن وزير العدل الذي نشر ملخص التحقيق ليس «مراقباً محايداً»، وأن «رسالته تطرح أسئلة بقدر ما تقدم أجوبة».
وعقب يومين فقط، على زيارة بومبيو إلى روسيا، وفي 17 مايو/ أيار، قامت وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات جديدة ضد روسيا تضمنت إدراج كتيبة الاستجابة السريعة «تيريك» من قوات الأمن الخاصة في جمهورية الشيشان الروسية، وخمسة مواطنين روس، على قوائمها السوداء، على خلفية ضلوعهم، بحسب واشنطن، «في انتهاكات لحقوق الإنسان في روسيا»، وبموجب ما يُسمى ب«قانون ماجنيتسكي»، فيما اعتبرته موسكو خطوة عدائية جديدة ضدها وإحباط أي حصاد إيجابي لزيارة بومبيو، وأكدت عزمها تطبيق مبدأ «المعاملة بالمثل» في ردها على العقوبات الأمريكية الجديدة، مؤكدة أن قوة التدخل السريع المذكورة المتموضعة في الشيشان «معروفة بإنجازاتها في مكافحة المجموعات الإرهابية، وأفرادها يخاطرون بحياتهم دفاعاً عن أمن دول أخرى، وليس روسيا فقط، لأن الإرهاب والجريمة لا يعرفان الحدود».
من جانبه، ليس من المتوقع أن يُقدم ترامب على التصعيد بشأن تحسين العلاقة مع روسيا، وهو بصدد بدء حملته للانتخابات الرئاسية العام القادم، ورغم أن البعض يرى أن نتائج تحقيق لجنة مولر تدعم ترامب في مواجهته مع المؤسسات الأخرى، خاصة الكونجرس، فإنه سيكون أميل إلى إظهار نفسه أمام حزبه والناخبين الأمريكيين كزعيم قوي في مواجهة روسيا والصين، وغيرهما.
إن التعقيدات في العلاقات الأمريكية الروسية بلغت مدى يصعب تجاوزه في المدى المنظور، ورغم أن لقاء ترامب والرئيس بوتين المرتقب في يونيو/ حزيران على هامش قمة العشرين يعد خطوة إيجابية، إلا أنه سيقتصر، في الأغلب، على مزيد من الحوار بين البلدين من دون نتائج ملموسة تخفف من حدة التوتر بينهما، بل وقد يزداد الأخير اشتعالاً مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"