“الحمراء” جزيرة محفورة في ذاكرة أهلها

مكان يفوح بعبق الزمن الجميل
13:04 مساء
قراءة 9 دقائق

الجزيرة الحمراء جزء مهم من تاريخ الدولة بشكل عام ورأس الخيمة على وجه الخصوص لما تحويه من مبان تاريخية وتراث محفوظ في ذاكرة أهلها الذين ما زالت علاقتهم راسخة بجزيرتهم التي ترعرعوا فيها ومازالت ذكرياتهم راسخة إلى درجة التمني للعودة إليها والسكن في منازلها المبنية من الجص والحصى ومنها ما بني من الدفعات الأولى من الطابوق ، والعودة بزمان يترقب المرء فيه نجوم الليالي وينتعش من نسيم البحر العليل على السبخة البيضاء ذات الحواف المخضرة.

تجولنا في المنطقة والتقينا بأهاليها ممن يقطنونها والذين انتقلوا إلى منطقة تجاورها فتحدثوا عن ماضيهم في الجزيرة وما يمثله المكان بالنسبة اليهم.

أشار سيف راشد العابر الزعابي 70 عاما إلى أن الجزيرة الحمراء منطقة تاريخية وتضم العديد من المباني التراثية والمساجد فريدة الشكل إذ يقف مسجد عائشة بنت عبيد الصميخ بمنبره الفريد شامخا وكذلك برج أحمد حسن الزعابي مسؤول الجزيرة سابقا.

وذكره حديثه عن الجزيرة في الماضي بالمطاوعة الذين تتلمذ العديد من أبناء المنطقة على أياديهم أمثال حميد المطوع، وحميد بن فلاو، وحسن بن علي، وراشد بن سيف المطوع، وصقر بن جمعة.

وأضاف ان أول مدرسة بنيت في الجزيرة الحمراء سميت بمدرسة زينب عام 1960 وبنيت بعدها بعامين مدرسة للأولاد سميت بمدرسة خالد بن الوليد وتدرج فيها أبناء الجزيرة في العلم إلى أن وصلوا إلى مراتب عليا في الجامعات.

وتذكر الزعابي كيف كانت الحياة رخيصة برخص التراب إذا قارنها باليوم الحالي موضحا أن المهور كانت رخيصة ومقننة، ومهر الفتاة كان 150روبية فيما الرايع أي المطلقة 80 روبية، مضيفاً أن الحياة كانت صعبة حيث يمضي الرجال أيامهم في البحر للصيد أو الغوص وينتظر الأهالي عودتهم بفارغ الصبر مؤكداً أن الكهرباء دخلت للجزيرة من حوالي 36 عاماً.

وأكد أحمد حسن العلكيم 80 عاما انه متمسك بمنطقته الجزيرة الحمراء ولم يغادرها، مشيراً إلى أنه يتذكر من الجزيرة قديماً محلاتها التجارية حيث كانت المحلات تعرض بضائعها المختلفة وقال: عاصرنا تحول المساكن من سعف النخيل الى الجص والحصى ثم الطابوق وتصاميم المنازل الهندسية.

مجلس الشواب

انتقلنا إلى مجلس الشواب الذين يجتمعون يوميا من العصر إلى صلاة المغرب بقرب مدرسة الأولاد الثانوية في منطقة الرفاعة المجاورة للجزيرة وأعرب حسن عبيد الغاوي الزعابي، 70 عاماً أحد شواب الجزيرة عن سعادته حين ذكرناه بتاريخ الجزيرة الحمراء وقال: إن المنازل كانت من سعف النخيل فيما تحولت بعد ذلك إلى المنازل المصنوعة من الجص الذي يؤتى به من منطقة المحارق على جمال إلى الجزيرة فيما يؤتى الحصى المسمى بالبيم من البحر مضيفا ان أول منزل بني من الطابوق كان لعبد الله عبد الكريم ثم شيد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله منازل شعبية للأهالي في المنطقة.

وأضاف الغاوي أن المنطقة تقسم إلى أربعة أقسام متمثلة بفريج الغربي، وفريج المياني أي المتوسط، وفريج الشرقي، وفريج المناخ نسبة الى السوق الواقع فيه، موضحاً أن الجزيرة يحدها من الغرب منطقة القرمة اما من الشرق فيحدها البر ومن الشمال مدخل الخور المسمى بأبو حماد ومن الجنوب برج البومة.

وأشار محمد سالم الغواص الزعابي 65 عاماً إلى أن الجزيرة كانت عبارة عن قرية ولكن بفعل الحركة والخيرات أطلق عليها مدينة مشيراً إلى أن الأهالي كانوا يعيشون على القحة أي الغوص ويجمعون القماش أي اللؤلؤ بمسماه المحلي والماء شحيح لذا درج الأهالي على الانتقال إلى المناطق المجاورة كمنطقة خت، والفحلين، والحيل، وكلباء لتوفر الماء فيها بكثرة فيزرعون نخيلهم ويهتمون بها ويتابعون الحصاد.

وأضاف: أن تسمية الجزيرة الحمراء جاءت نسبة إلى الند الأحمر الموجود فيها حيث يرى البحارة من على سفنهم بواسطة الدوربين أي المنظار ندوداً حمرا على الجزيرة فسميت بالجزيرة الحمراء نسبه الى لون تلك الندود.

وتذكر الغواص حدثا مؤلما أصاب الجزيرة إذ انتشر الجدري في المنطقة قبل 65 عاماً ومات عدد من الأهالي لعدم وجود المستشفيات والأدوية فيما خصص للمرضى أماكن منعزلة تسمى المعزل ومن أسماء تلك المناطق أم أنيفة وأم عويمر حيث تقترب تلك المناطق من المعشرة أي المقبرة.

وأوضح أن الجزيرة الحمراء لا تنبت بها الأعشاب الطبية ويجمعها الأهالي من المناطق القريبة كالرفاعة حيث يكثر الحماض والدغابيس أيام سقوط المطر.

وتذكر حمدان سيف عبيد العلكيم من أهالي الجزيرة الحمراء المعروف بتمسكه بتاريخ الجزيرة ما كان يحدث ايام الغوص وكيف كان يقسم الرجال إلى غيص أي المخصصين للغوص وجلب اللؤلؤ واليلاليس أي الذين يفلقون المحار ليخرجوا القماش اللؤلؤ حيث تقسم الأعمال كل حسب تخصصه ويظل البحارة في البحر لمدة ثلاثة شهور تقريباً فيما إذا مر عليهم ريح الشمال رسوا على الجزر الموجودة في هيارات الغوص أي أماكنها منها الحالول وبو الحنين وجزيرة دلما وداس التي تحول معظمها إلى جزر يُستخرج منها النفط.

ومن أهل العلم في الجزيرة الذين يتذكرهم العلكيم عثمان المطوع، وحميد بن فلاو، ومحمد نور ومن النساء المطاوعة خديجة، ومدية، مشيراً إلى أن العلم كان عبارة عن دروس في القراءة والكتابة.

وأكد العلكيم ان الجزيرة الحمراء لا يوجد فيها ماء ويحصل عليه الرجال من منطقة تسمى الرغمة والتي تبعد عن الجزيرة بحوالي 20 كيلو متراً وكان الأهالي ينتقلون من الجزيرة الى الضفة البرية من اليابس حينما ينخفض مستوى الماء او ينتقلون عبر الجمال التي يغطيها الماء الى ساقيها إلا أنها تعبر بسلام.

مجلس الحريم

أما عن مجلس الحريم فتتجمع العوائل كل جمعة في منزل الجد والجدة او في مكان بارز آخر في الشعبية وتقول فاطمة علي عيسى أم عبيد 62 عاماً في مجلسها بمنطقة الرفاعة ان أهل الجزيرة انتقلوا إلى الرفاعة يوم بنى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله الشعبية فيها.

وتضيف ان حياتهم قائمة على التمر والقهوة ولم يكونوا عرفوا الفواكه أو الأكلات المقلية، مشيرة إلى ان المنزل يقوم على المرأة ومتابعتها لجميع شؤونه من التربية الى الطبخ وحتى الخياطة بحيث لا يحتاج أفراد الأسرة لخدمات أخرى خارج المنزل الا تلك التي لا تعرف الخياطة فتعاونها جارتها على ذلك مؤكدة أن الحياة الماضية كانت تتسم بالتعاون والتضامن.

وجل ما يظهر ذلك التعاون تقول أم عيسى في المناسبات السعيدة حيث تجتمع النساء لتحضير العروس فيما يجهز الرجال حاجات الاحتفال من ذبح للمواشي أو نصب خيام وغيره من حاجات العرس فيما تجمل العروس والمعرس بأعشاب عطرية وأخرى تجميلية حيث تدهن جسم العروس لمدة أسبوع بالنيل والورس والنيل مادة لونها أزرق أما الورس فمن النباتات العطرية أما المعرس فيدهن بالصندل ودهن الورد وفي يوم العرس تظهر المرأة وقد أبلت بها تلك المواد بلاءاً حسنا من حيث المظهر مضيفة ان نساء المنطقة يشاركن في درية العروس أي زف العروس حيث تمشي النساء حول العروس الى أن يوصلوها للمنزل.

وتضيف أم عيسى أن المرأة تخيط التطريزات الجميلة بأنواعها المتعددة على ملابس بناتها وتبرع في حياكتها المحلية مشيرة إلى ان المرأة قديما كانت تستمتع بحياتها رغم انشغالها طوال الوقت.

وتسلمت آمنة سلطان أم عبد الله طرف الحديث، مشيرة إلى الحنة التي زينت فيها يديها قائلة ان الحناء كانت زينة المرأة قديما وحديثا فيما كانت طريقة نقشها قديما تختلف عن الطريقة الحالية التي طغت عليها النقوش الهندية موضحة أن تعدد طرق وضع الحناء تسمى غمسة أي تطمس اليد جميعها بالحناء او طريقة القصة أي توضع الحناء الى منتصف راحة اليد تقريباً.

أما عن مسميات الذهب الذي تتزين به المرأه فهي المرية، وأم شعيرة، وأم شناف، والمرتعشة، والنكلس، وجميعها مسميات عقود توضع على العنق. أما الفتخ فهي خواتم الرجل والخلاخيل الفضية هي ما تلبسه البنات على الأرجل. وكانت المرأة قديما ترتدي المداس أو الجرحاف وهو نوع من الأحذية أو النعال يصنع من الخشب.

مريم جمعة الكيبالي باحثة في التراث أكدت أن سبب تسمية الجزيرة بالحمراء يعود لعدة أسباب كما أكدت مصادر الكتب التاريخية منها نسبة للمعارك التي حصلت في المنطقة ومنها لرمالها الحمراء التي اشتهرت بها المنطقة فيما يقال إن سبب التسمية يرجع إلى بدايات عهد الإنجليز كمستعمرين في المنطقة حيث لاحظوا عند قدومهم أن الجزيرة محاطة أو محفوفة برمال يميل لونها إلى الحمرة مما حدا بهم إلى إطلاق اسم الجزيرة الحمراء على المنطقة في حين يرجع البعض سبب التسمية لكثرة الشعاب المرجانية التي انتشرت قبالة شاطئ الجزيرة.

وأضافت الكيبالي ان الجزيرة الحمراء تعد أقدم المناطق في رأس الخيمة وفق ما أكدته الهياكل والفخاريات وأدوات من الصوان التي تم اكتشافها.

وأشارت الكيبالي إلى أن الجزيرة تنقسم إلى قسمين: الجزيرة القديمة، والجزيرة الجديدة، وتتكون من رفاعة زعاب، ورفاعة بدو، والصبيت، والدفان حيث يقطن الجزيرة إلى جانب الزعاب الذين يعدون الغالبية العظمى البدو فيما تنقسم الأحياء الشعبية في الجزيرة (الفرجان) إلى عدة أقسام منها الفريج الغربي، و الفريج الشرقي ويعكس فريج الزعاب منظراً نادراً في الإمارة لكونه نموذجاً متكاملاً للحي أو القرية الإماراتية الشعبية والتقليدية الصرفة، كما كانت تماماً في الزمن الجميل حيث يحتفظ بملامح كاملة، حتى يكاد الزائر يداخله الشك بأن المكان مازال عامراً يضج بالحياة، وليست البيوت الفارغة والقرية الخاوية على عروشها إلا مرتعاً هجره قاطنوه وأصحابه فيما حول لمنطقة سينمائية لتصوير الأفلام القصيرة والمسلسلات الشعبية.

وأوضحت أن الأهالي في الجزيرة يستعملون اللغة الدارجة التي كان عليها أجدادهم مثل: الحوش، الدكّة، الصفّة، الدَّرَج، المصباح، الفرجة، الخابية، السماوة، الوجار، الكمر، الطاق، الدريشة، المُحكُمة وغيرها أو تلك الألفاظ المستخدمة في الأدوات المنزلية مثل: المنخل، الرحى، الصاع، النُّصَيف، الرُّبَيْع، السموّر، القربة، السقا، الميقعة، المقرصة، المجرفة، القنّارة، الصميل، الدلة، البريق، الفنجال، البيالة، الغضارة، الصينية، المهفّة، البيز، النجر، المبخرة، المبرّد، الملقاط، المشخالة، الكرسي، المسند، المركى، المحماسة، المنفاخ، المحراك، الفتيلة، الليفة، السراج، القاز، الغاز، القدح، الطاسة، الصحن، القدر.

أو الألفاظ المستخدمة في المجوهرات مثل: الخماخم، الخواتم، القلادة، العقد، الشميلة، الأساور، الكف، الحجول، الهامة، الصدرية، الرشرش، المرتعشة، السبته، الحلاق.

العيش المحمر وعصير التمر

من أشهر الأكلات الشعبية في الجزيرة الحمراء العيش المحمر الذي يمتاز بلونه الأحمر الفاتح بسبب إضافة مادة الدبس عصير التمر أو إضافة عصارة التمر المنقوع في الماء بواسطة قطعة من القماش أو بإضافة السكر المحروق مع السمك الصافي والجش المقلي والعيش المودم يمتاز بلونه الأخضر يضاف إليه بودرة البهارات المختلفة ويكون مخلوطاً بقطع من سمك الهامور والشعري الكبير الحجم أو سمك القرش.

ومن الصناعات التقليدية التي كانت في المنطقة صناعة البراقع حيث يصنع البرقع من قماش هندي سميك يشبه الورق، ووفقا لمقاس وجه المرأة وكذلك عمرها، ويخاط ليستر معظم معالم الوجه تاركا للعينين فتحتين كبيرتين تلتقيان فوق الأنف بقطعة خشبية تسمى السيف وتربط الجزء السفلي من البرقع بالجزء العلوي المحيط بالجبهة والمسمى الشبق الذي قد تكون خيوطه فضيه أو ذهبية للأعراس والمناسبات، كما يمكن أن يغالى فيه فيكون من السلاسل الذهبية، ويصقل البرقع بعد خياطته بحفه بمحارة كبيرة أو بحجر خاص، وتتعدد البراقع وتتمايز فيما بينها، فهناك البرقع الأخضر والبدوي ذو الجبهة العريضة، وكذلك البرقع العيناوي، الذي يمتاز بجبهته الدقيقة وباتساع فتحتي العينين فيه.

وأضافت من الصناعات المحلية التي كانت تشتهر بها الجزيرة صناعة الجفير، وهو السلة المصنوعة من خوص النخيل ليستخدمها أهل البحر في حمل الأسماك، فيها يستخدمها أهل البر في حمل الرطب، كما تستخدم في حمل المشتريات من السوق وصناعة السرود وهي قطعة حصير مدورة توضع فوقها أطباق الطعام، وتصنع من خوص النخيل بعد نقعه بالماء لتليينه، ثم تصنع منه الجديلة السفّة وبعدها تخاط الجديلة باستخدام المسلة (الإبرة الكبيرة) والخيط السير وبشكل حلزوني دائري تتحدد مساحته حسب الرغبة، إذ تعرف السراريد بأحد الحجمين: خمسة وعشرون باعا أو ثلاثون باعا، وقد تصنع السراريد لتستخدم كمفارش للأكل أو كقطع لتزيين واجهات المنازل.

وتصنع النساء سابقا المكب: المكبّ، وهو غطاء هرمي يصنع من نوع خاص من خوص النخيل، وتغطى به الفوالة أو صينية الطعام لحفظ ما فيها من الحشرات كما تصنع النساء التلي، يقصد به الأشغال النسائية الهامة التي لا غنى عنها في تزيين الملابس ، وتستخدم في صناعتها ست بكرات من الخيوط الهدوب الملونة حسب الرغبة، تجمع أطرافها بعقدة مشتركة تثبّت بإبرة صغيرة على مخدة الكاجوجة التي يثبت عليها كذلك طرف بكرة من خوص التلي.

مسميات من زمن الأ جداد

أهل الجزيرة ما زالوا يستعملون ألفاظاً ومسميات كانت جرت على ألسن الناس قديماً، ويطلقونها على الحيوانات والنباتات حولهم مثل (أم العوف) على البقرة و(أم القبيس) على البومة، و(أم قرين) على النار، و(أم الخون) على العنز، و(أم الشحم) على الدنيا، و(أم عامر) على اليد اليمنى و(أم عابس) على الضبعة.

وكما هي الأمثال الدارجة والمسميات القديمة للأمراض مازالت تتداول في حديث الشواب كأم عابس تأكل الرطب واليابس، (أم سبعة أرواح) أي القِطّة، (أم الركب) مرض يصيب الركب والمفاصل ويعيق الإنسان عن السير، (أبو طبيق) مرض يصيب العين، (أبو رمح) مرض يصيب الغنم، (أبو دمغة) مرض يصيب الرأس من ضربة الشمس ومن البرد، ويعالج بالكي على شكل علامة تسمى العرقات، (أبو مسامح) الرجل الطيب المرن أبيض القلب، (أبو سبع وسبعين رجل) دويبة دودية طولها 6 سم متعددة الأرجل، (أبو حليمة) نوع من الجراد، (أبو موسى) الجوع أو الفقر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"