“حفرة أريستاركوس” تعيد كتابة تاريخ القمر

انفجارات تم رصدها للمرة الأولى في القر ن العاشر الميلادي
13:17 مساء
قراءة 4 دقائق

تخيل المشهد التالي، المكان حفرة اريستاركوس على سطح القمر العام ،2019 منذ بضع ساعات هبطت مركبة ناسا اليتر 2 على القمر وخرج رواد المركبة الى السطح سيراً على الاقدام لأول مرة منذ نصف قرن، وفجأة تبدأ مساحة كبيرة من ارضية الحفرة بالانقباض ويحدث انفجار كبير من الغازات، ويقع الرواد على الأرض وعندما ينظرون خلفهم، يجدون ان مركبتهم التي هبطت بهم لم تعد موجودة، فكل ما تبقى منها مجرد غيمة من الغبار والحطام. هذا المشهد هو ما يخشاه أرلين كروتس عن أي هبوط في المستقبل على سطح القمر.

كروتس، عالم الفلك والكونيات في جامعة كولومبيا في نيويورك قام بتحليل أكثر من 1500 حالة تسجيل ظهور الوان غريبة على القمر اطلق عليها اسم ظاهرة القمر الزائلة ولعقود، احتار الخبراء ما اذا كانت هذه الظاهرة حقيقية أم من وحي الخيال، الآن يعتبر كروتس أنه يملك دليلاً قوياً على ان هذه الظاهرة حقيقية وتسبب انفجارات غاز ضخمة. واذا كانت نظريته صحيحة، فإن القمر لن يكون كما نعتقد خامداً ميتاً وأن هذه الانفجارات قد تكون تكملة لنشاط بركاني، واذا كان هذا الأمر صحيحاً فإنه سيعيد كتابة التاريخ الجيولوجي للقمر.

وتعتبر هذه الظاهرة من أكبر اسرار القمر وتستمر من دقيقة الى بضع ساعات وتتضمن امتدادات ضوئية باهرة أو باهتة أو مشوشة فوق بضعة كيلومترات على القمر.

وبعد بدء مهمات ابولو، قام علماء امريكيون وبريطانيون بأرشفة 1500 حادث رصد لهذه الحالة، وبمساعدة هذه الحالات عمل كروتس على دراسته.

أولى هذه الحالات رصدت في القرن العاشر عبر رهبان في انجلترا الذين قالوا إنهم شاهدوا انفجاراً على سطح القمر، حتى أن رواد المركبة ابولو ذكروا انهم شاهدوا توهجاً خفيفاً في حفرة اريستاركوس خلال مرورهم فوقها، أما البارز فهو ان معظم المشاهدات كانت من رواد مغمورين، ولحل هذه المعضلة، قام كروتس بتقسيم هذه المشاهدات حسب الأماكن المختلفة ثم شرع في اكتشاف ما اذا كان هناك أماكن مشتركة على القمر شوهدت فيها هذه الظاهرة، وراجع كل عارض خلال القرون الماضية وتبين معه وجود ستة اماكن ثابتة رصدت فيها هذه الحالة.

ومن هذه الأماكن، مكان واحد رصد فيه نصف الحالات وهو حفرة اريستاركوس التي يبلغ قطرها 45 كيلومتراً، في حين ان ربع الحالات رصد في حفرة بلاتو التي يبلغ عرضها 100 كيلومتر، في حين ان الأماكن الأخرى تضم حفر كريسيام وجريمالدي وتايكو وكوبرنيكس وكيبلر.

واستعان كروتس بأجهزة مركبات ابولو 15 وابولو 16 ومسبار بروسكتر من اجهزة قياس الطيف التي ترصد ذرات الفا المنبعثة من التحلل الاشعاعي لغاز الرادون على السطح.

واكتشف كروتس ان الانبعاثات العريضة للرادون مرتبطة حصرياً بالستة مواقع وخاصة حفرة اريستاركوس التي انبعث منها نصف هذه الاشعاعات، وجاءت نظرية كروست ان هذه الأماكن هي مصادر لتنفيس الغاز، وكل مكان مرتبط بالآخر، ويعتقد كروتس ان ما يجمع هذه الأماكن الستة هو وجود فلق أو شق في القشرة الأرضية حيث يمكن للغاز ان يتسرب من هذه الشقوق مجمعاً ضغطاً قبل الانفجار في الفضاء، ويضيف كروتس ان رحلة ابولو 18 كان مخططاً لها الهبوط عند حفرة اريستاركوس ولكن الغيت المهمة.

وبعملية حسابية قام بها كروتس مع تلميذه كاميرون هاميلز، وصل الى أن مجرد نصف طن من الغاز المتسرب الى الفراغ يمكن ان يحدث ثقبا في تربة القمر ويكون غيمة من الغاز والغبار على امتداد كيلومترات عدة لمدة تتراوح من 3 الى 10 دقائق وهي المدة التي رصدت معظم الحالات.

ويمكن للغيمة ان تغير انعكاس السطح عبر حجب بعض المكان أو مد ذرات الغبار على امتداد الفراغ القريب لدرجة انها تعكس 20% كمية اكثر من الضوء من عندما تكون متجمعة على السطح.

إذاً من أين يأتي الغاز؟ بما أن الرادون نتاج متحلل لليورانيوم، فإن الجواب سهل، لأن الغاز يأتي من اليورانيوم الموجود على صخور القمر، إلا أن المشكلة تبقى في كيفية تجمع النتاجات الاشعاعية في منافذ قليلة، ولكن كروتس يفضل نظرية أخرى، قال: اعتقد أنه يجب علينا ان نعيد النظر في امكانية وجود أماكن بركانية متبقية على هيئة تنفيس الغازات، ويشير كروتس الى ان حفرة اريستاركوس واقعة فوق سهل بركاني يعتقد أنه كان مسؤولاً عن معظم الحمم البركانية التي اجتاحت الاجزاء الغربية منذ حوالي 3 مليارات سنة، ويضيف كروتس أنه لا يعتقد بوجود مكان أكثر بركانية على القمر من الحفرة اريستاركوس.

ولاثبات نظريته، شرع كروتس في احتساب تأثير جاذبية الأرض على القمر، فتبين معه أن الجاذبية تطحن حوالي 100 ألف طن من صخور القمر كل سنة وهذا قد يطلق حوالي 100 طن من الغاز، هذا رقم يدق اجراس الانذار، حيث تخطط وكالة الفضاء الامريكية ناسا لإرسال الانسان الى القمر خلال عشر سنوات، ويتوقع ان تطلق مركبتا الفضاء التايرح واوريون 30 طناً من الغاز قرب سطح القمر في كل عملية هبوط.

إذاً نحن الآن في سباق ضد الزمن لنعلم كل شيء عن هذه الظاهرة وما الذي ستكشفه لنا عن باطن القمر، وقد حجز كروتس مع فريق من علماء الكون والفضاء والجيولوجيين تلسكوباً آلياً بمرآة 10 انش في تشيرو تولولو بتشيلي، ويقومون حالياً بمسح القمر عبر الاستعانة بالمزيد من التلسكوبات حول العالم لإنشاء شبكة مراقبة هذه الظواهر لدراستها اكثر وتحذير رواد فضاء مستقبليين خلال مهامهم، ويأمل كروتس ان يكتشف السر خلال العشر سنوات المقبلة قبل ان تبدأ الرحلات الى القمر وذلك لتفادي أي كوارث مستقبلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"