“نظرية الدوائر الثلاث”راءة في نصف قرن

رصد تحولات الثورة المضادة في مصر
13:11 مساء
قراءة 3 دقائق

نظرية الدوائر الثلاث، التي صاغتها ثورة يوليو/تموز ،2195 هي التي حددت دوائر التحرك المصري: مصر، الوطن العربي، العالم الإفريقي والآسيوي، وعرفت هذه النظرية في الحركة الإصلاحية منذ الأفغاني حتى حسن البنا وعلال الفاسي باسم الوطن، العروبة، الإسلام.

وتعد مصر بؤرة الدوائر الثلاث، وعلى أساس هذه النظرية قامت نهضة مصر الثالثة، بعد نهضة محمد علي الأولى في القرن التاسع عشر، والنهضة الليبرالية الثانية في النصف الأول من القرن العشرين، فدافعت مصر عن استقلالها الوطني ضد التكتلات والأحلاف، وأسهمت في صياغة سياسة عدم الانحياز، وحاولت تذويب الفوارق بين الطبقات وسنت قوانين الإصلاح الزراعي، وأصدرت قوانين يوليو/تموز الاشتراكية.

وفي إطار هذه النهضة الثالثة أقامت مصر صرحاً صناعياً ضخماً للتحوّل من الإنتاج الزراعي إلى الصناعي، وقررت مجانية التعليم في كل مراحله من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة، وبنت المدارس للقضاء على الأميّة، وشيّدت القطاع العام لسد الحاجات الأساسية، ودعمت المواد الغذائية الأساسية لغير القادرين، وحددت إيجارات المساكن، وأقامت صرحاً ثقافياً وأدبياً وفنياً يجسد نهضة مصر، وكانت ذروة الاستقلال في الخمسينات والستينات، قبل أن تنتهي بهزيمة يونيو/حزيران 1967 للقضاء على المشروع النهضوي لمصر.

هذا ما يتعرض له المفكر د. حسن حنفي في كتابه الصادر في ثلاثة أجزاء عن دار العين للنشر والتوزيع وعنوانه نظرية الدوائر الثلاث.. قراءة معاصرة بعد نصف قرن، ويتناول حنفي في جزئه الأول مصر، حيث يؤكد أنه منذ السبعينات حتى الآن هدمت مصر ما بنته بسواعد أبنائها، وفرطت في استقلالها الوطني، واعترفت بإسرائيل، عقدت معها معاهدة سلام في ،1979 وزادت الفوارق الطبقية، وبيع القطاع العام باسم الخصخصة، وانتشر التعليم الخاص على كل المستويات من رياض الأطفال إلى الجامعة، وبدأ رفع الدعم عن المواد الغذائية واندلعت مظاهرات الخبز في يناير/كانون الثاني 1977 والأمن المركزي في 1986 والعمال في أكتوبر/تشرين الأول 2007.

وفي هذا الجزء من الكتاب تتحدث مصر عن نفسها أيام كانت بؤرة الدوائر الثلاث، قبل أن تتحول إلى ثورة مضادة، ويبدأ النيل من هيبة مصر وعكوفها على ذاتها لمداواة جراحها الداخلية من أجل استمرار النظام، وكانت الثورة المصرية بدأت بسياسة مقاومة الأحلاف، فتكاتفت مع سوريا في الوقوف ضد حلف بغداد في ،1954 وانعكست مقاومة الأحلاف في الخارج على الحركة الوطنية في الداخل، فحركة الاستقلال الوطني واحدة على الجهتين، أمم ناصر القناة في ،1956 وقاوم العدوان الثلاثي، وفجرت سوريا أنابيب البترول وتوحد القطران في 1958 في أول تجربة وحدوية عربية في تاريخ العرب الحديث، ثم صدرت قوانين يوليو (تموز) الاشتراكية عام 1962 كرد فعل على الانفصال في سبتمبر/ايلول ،1961 ويؤكد د. حنفي أن الانقلاب على الثورة بقوة مضادة من داخلها حدث في مايو/أيار ،1971 وبدأ التحول التدريجي من الثورة إلى الثورة المضادة بداية بقانون الاستثمار والانفتاح الاقتصادي في 1974.

ويوضح الكتاب أن حرب أكتوبر/تشرين الأول لم تكن آخر الحروب بل كانت بداية الحروب الإسرائيلية الأمريكية بغزو لبنان وحصار بيروت ،1982 وضرب المفاعل النووي العراقي، ولما قامت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ،1987 والتف حولها العرب تم غزو العراق في 1991 ثم فلسطين كلها ثم أفغانستان في ،2003 وبدأ تهديد سوريا وتقسيم السودان، ولما انتفضت المقاومة اللبنانية لتحرير مزارع شبعا والإفراج عن الأسرى، وانتصر حزب الله لأول مرة في تاريخ العرب بقذف مدن إسرائيل وتهجير الملايين من شمال إسرائيل إلى جنوبها، بدأ التفكير في عقد أحلاف جديدة.

أما الحدث الثاني فَجرت وقائعه في العام ،1971 فيما سُمي ثورة التصحيح عندما انقلبت الرئاسة على الجيش والحزب والإعلام والداخلية، واستولت على السلطة، وتحت ضغوط مظاهرات الطلاب في ميدان التحرير لمعرفة متى يتم التحرير، اندلعت حرب أكتوبر/تشرين الأول بالجيش الذي أعيد بناؤه عندما كانت الناصرية مازالت حية، وفي أيامها الأخيرة، بشعاراتها المعروفة إزالة آثار العدوان، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة واللاءات الثلاثة بعد مؤتمر الخرطوم، إثر هزيمة يونيو/حزيران 1967 لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"