شيكات وإشكاليات

04:27 صباحا
قراءة دقيقتين
محمد إبراهيم

من العلاقات الإنسانية ذات العمق والطابع النبيل، في حياتنا، تلك التي تربط بين إدارات المدارس وأولياء الأمور، فالرؤى موحدة، والأدوار فيها تكاملية، وأهدافها موجهة، لإنجاز مهمة إعداد الجيل وتعليم الأبناء، هكذا عُرفت الروابط بين المدارس والوالدين.
ولكن عندما تذهب بنا تلك العلاقات إلى مراكز الشرطة وأروقة المحاكم، فهذا يعني أنها فقدت صفات التراضي والود والمسؤولية تجاه الأبناء، وتحوّلت إلى صراعات ونزاعات، ضحاياها دائماً الطلبة، لنصطدم بظواهر سلبية لا تليق بساحة العلم ومكوناتها، من إدارات مدرسية، والوالدين والطلبة والجهات المعنية بإدارة التعليم.
جاءنا الميدان التربوي منذ أيام، بواقعة تجسد أسوأ صور العلاقة بين المدرسة وولي الأمر، حيث سافر أحد أولياء الأمور فجأة لظروف طارئة، دون أن يسدد أحد الشيكات المستحقة لمدرسة أبنائه، فاتخذت المدرسة الخاصة بدورها الإجراءات القانونية كاملة، وفتحت بلاغاً في الشرطة، ومنها إلى المحكمة، وصولاً لحكم قضائي، ثم التعميم على ولي الأمر، ليوضع على قائمة المطلوبين.
حقاً سيناريو مأساوي، يأخذنا بعيداً عن الأهداف التي وجدت من أجلها المدارس والطلبة، والسؤال هنا من الظالم؟ ومن المظلوم؟، نعتقد أن كليهما «ظالم»، يتعاطى مع الموضوع بحسب وجهة نظره، والمظلوم الوحيد هو الطالب، لاسيما إذا استطاع ولي الأمر الوفاء بالالتزامات، وسداد كامل المستحقات، وعجزت المدرسة عن حل الإشكالية والتنازل لانقضاء الدعوى بالتصالح، وهذا ما حدث بالفعل في تلك الواقعة.
على الرغم من وجود قوانين حددت الآليات للمدارس الخاصة، لتحصيل مستحقاتها المالية، ووجدت الإجراءات التي من شأنها ضمان حقوق المدرسة، بدءاً من التنبيه على ولي الأمر، مروراً بحرمان الطالب من بعض الخدمات، وصولاً إلى احتجاز شهادة انتقال الطالب لحين السداد، إلا أن المدارس اختارت «الشيكات» كوسيلة لضمان حقوقها لدى أولياء الأمور، وهنا نسأل: هل نجحت تلك المدارس في إدارة وسيلتها التي تبتعد عن نصوص القانون بالشكل الصحيح؟
الإجابة عن هذا السؤال، نراها في تفاصيل الرواية السابقة، التي أفرزت مؤشراً خطراً في علاقات المدارس بأولياء الأمور، ومع الأسف تحسب تلك المظاهر السلبية على الميدان، وتسهم في عدم استقرار العملية التعليمية، في الوقت الذي يستعد فيه المجتمع بمؤسساته، لانطلاقة جديدة نحو خمسين عاماً مقبلة، من التطور والازدهار.
نعم لكل صراع ضحايا، ومع الأسف ضحايا هذا الصراع هم الأبناء ومستقبلهم، وما حدث من إشكاليات نتيجة وجود شيكات ضمان لسداد الرسوم الدراسية، يؤكد أن هناك خللاً كبيراً في علاقات المدارس بأولياء الأمور، يدفعنا إلى ساحات المحاكم، فالمعالجة العاجلة هنا ضرورة ملحة، وإعادة هيكلة تلك العلاقات بما يصب في مصلحة الطلبة أيضاً ضرورة، لكنها أكثر إلحاحاً، للمحافظة على جودة المخرجات، ومكونات رسالة العلم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"