كتاب «خورفكان في ذاكرة الزمان» لمحمد خميس النقبي

03:37 صباحا
قراءة 4 دقائق
بقلم:عبدالغفار حسين

هذا الكتاب «خورفكان في ذاكرة الزمان» ألقى عنه مؤلفه الأستاذ محمد خميس بن عبود النقبي محاضرة في ندوة الثقافة والعلوم، في دُبي، بتاريخ 2012/9/26. وكنت من بين من عملوا مداخلات وملاحظات على ما أورده الأستاذ النقبي عن خورفكان من معلومات تاريخية، وكانت المداخلات موجزة وغير مسهبة، ولم تتناول جوانب كثيرة مما أورده المؤلف في كتابه هذا الذي بين أيدينا الآن، ووجدت الأستاذ محمد خميس النقبي كثير الحماس لما أورده في كتابه، ويعرض عن أية ملاحظات نقدية.
وبالنسبة لي، فإني كما تعودت، عزمتُ يومئذ أن أقرأ الكتاب بإمعان، وأستعرض المعلومات الواردة فيه، وأن أقف مع المؤلف عند المعلومة إما مستوضحاً أو ناقداً. والغرض من الاستيضاح والنقد، هو الوصول إلى حافة الحقيقة إيماناً مني بأن المؤلف طرح رأياً في مؤلفه معتقداً بصوابه أو اجتهد للوصول إلى الصواب.
والحقيقة أن مؤلف كتاب «خورفكان في ذاكرة الزمان» الأستاذ محمد خميس النقبي، بذل جهداً ليس بالهيّن في جمع معلومات كتابه هذا حتى أخرجه ووضعه بين أيدينا بهذه الصورة الأنيقة في المظهر والمخبر، فهو لم يتوان في البحث عن كل شاردة وواردة به على أي شيء يدل على التاريخ الجغرافي والديموغرافي لخورفكان وما حولها، والتي تعتبر إحدى أجمل المدن الإماراتية اليوم. وضَمّن المؤلف كتابه هذا صوراً في غاية الجمال للجبال التي تطل على البحر في المدينة وتحتضن الخور، الذي هو الميناء الطبيعي لهذه البقعة ذات المنظر البهيج.
والحقيقة أيضاً أن خورفكان منطقة حضرية من مناطق جلفار في القديم، وكانت تحت إدارة مملكة هرمز، وهي مملكة كانت مستقلة تحكم المناطق المحاذية لمضيق هرمز ومداخل الخليج من الشرق على الضفتين العربية والفارسية. وحكم مملكة هرمز ملوك وسلاطين قيل إنهم عرب في الأصل وقيل إنهم فرس، والأصح أنهم خليط بحكم التزاوج والتصاهر، وكانت الثقافتان العربية والفارسية سائدتين في هذه المملكة، وسكانها خليط من العناصر، كما هو الحال في هذا العصر الذي نعيش فيه. ومن جاء هرمز في عصور ازدهارها شعر بهذا الخليط المدني، وأقر بأنها عاصمة للمناطق المجاورة في اليابسة، وعبر البحر في المكان الذي كان يسمى جلفار، ومنها خورفكان، وهي أماكن غير بعيدة وعبر الساحل من هرمز، وكانت هيمنة السلطة ووضع اليد سجالاً بين مملكة هرمز واليعاربة سلاطين عُمان وحكامها في عهد اليعاربة بين عامي 1640 و 1718 ميلادي، ولم تقم مناطق نفوذ وانفراد بالسلطة كاملة، إلا بعد الضعف اليعربي ودولتهم المركزية.
ومنذ عهد الشيخ سلطان بن صقر الأول بين 1803 و1866، دخلت خورفكان في عهدة شيوخ القواسم شأنها شأن المقاطعة، التي كانت تسمى جلفار، وأصبحت جلفار تُدار باستقلالية.
وعندي أننا إذا تحدثنا عن منطقة بعينها في هذه البقعة، بقعة ساحل عُمان أو الإمارات الحالية، فإنه لابد من ربط المكان بالوطن القديم، جلفار، وهو الاسم القديم للمنطقة.
ويشير الأستاذ النقبي في مواضع كثيرة من كتابه هذا، إلى مواقع أثرية في خورفكان والجبال المحيطة بها، ويؤكد على أصالة هذه الآثار وانتمائها إلى جذور من عاشوا في المنطقة، ونحن لا نستطيع مناقشة المؤلف في دقة انتمائية هذه الآثار إلى عنصر معين من الناس، فلا شك أن هناك بشراً عاشوا في هذه المنطقة في فترات تاريخية معينة، ولكن هل ترك هؤلاء أثراً يدل على تجمع حضري ساهم في التطور التاريخي للمنطقة؟ هذا السؤال لا نجد له جواباً عند المهتمين بالبحث عن أثر هنا وأثر هناك له دلالات حضرية ومدنية، وإذا وجد الجواب، فإنه في الغالب مبني على التفاعل العاطفي، كما هو بائن في كتاب الأستاذ النقبي، الذي يظهر أنه مرتبط عاطفياً بهذه الآثار.
وفي كتاب الأستاذ النقبي «خورفكان في ذاكرة الزمان»، كما في بعض غيره من الكتب، التي ظهرت في الإمارات في السنوات الأخيرة، إسهاب إنشائي حول النشوء القبلي في الإمارات، وإسقاط كل حركة ذات طابع اجتماعي أو سياسي على القبيلة وعلى النشاط القبلي وحده. وتغفل هذه الكتب إغفالاً كبيراً وجود تجمعات حضرية مدنية قديمة في مدن عدة في الإمارات، خاصة في دُبي والشارقة، وبعد ذلك في أبوظبي، حتى في خورفكان، التي هي مدار حديثنا، والتي كانت جزءاً مهماً من مملكة جلفار وهرمز، وكانت هناك تجمعات مدنية مختلطة الانتماءات والأعراف، وعلى طول الساحل العُماني حتى صُحار.
والحقيقة أن كتاب «خورفكان في ذاكرة الزمان» كتاب كثير الأهمية من حيث المعلومات التي يحتويها، والتي تفيد المؤرخين والباحثين، وينبغي الإشادة بهذا الجهد الكبير، الذي بذله مؤلفه الأستاذ محمد خميس النقبي، وأنصح من يتصدى للبحث عن تاريخ هذه المنطقة أن يعود إلى هذا الكتاب ويستعين به. كذلك فإن الأستاذ النقبي ضمّن كتابه صوراً في غاية الجمال لمدينة خورفكان، وما يحيط بها من مناطق وبعض الآثار القديمة، والبحث عن الصخور في الجبال المحيطة، مما يثير الاهتمام والرغبة في القيام بدراسات وتحريات أكثر عن هذه الآثار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"