الفلسطينيون يدفعون الثمن مرتين

03:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

القائمة المشتركة صمدت داخل الكيان، وحصدت 15 مقعداً داخل الكنيست، وهي قوة يعتد بها كمعارضة لها وزنها.

الآن وبعد توقيع كل من بنيامين نتنياهو وبيني جانتس، كشريكين على اتفاق تشكيل الحكومة الجديدة، الذي تضمن لأول مرة تحديد موعد واضح للبدء في الإجراءات التشريعية والتنفيذية ل «فرض السيادة «الإسرائيلية» على غور الأردن والمستوطنات المقامة داخل الضفة الغربية ابتداء من أول يوليو/تموز القادم، وبعد أن أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أنها مستعدة للاعتراف بضم «إسرائيل» أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، فإن الوقت لم يعد ملائماً الآن لوضع «القائمة المشتركة» التي تجمع الجزء الأكبر من فلسطينيّي الكيان «الإسرائيلي»؛ حيث إن هذه القائمة وقادتها أعطوا ثقتهم لبيني جانتس، الذي بدلاً من أن يفي بوعده والعمل على إسقاط زعامة بنيامين نتنياهو، ومنعه من أن يكون رئيساً للحكومة، وتهيئته للمحاكمة التي يمكن أن تنهي تاريخه ودوره السياسي، إذا به يجعل من نفسه «ترياق الحياة السياسية» لبنيامين نتنياهو، بالتحالف معه ليس فقط من أجل تشكيل الحكومة، بل وأيضاً، وهذا هو الأخطر، من أجل تفعيل قرار ضم غور الأردن ومستعمرات الضفة الغربية التي تشكل حوالي 60% مما بقي من الضفة إلى السيادة «الإسرائيلية».

لم يراهن قادة «القائمة المشتركة» على أن جانتس سيقود «إسرائيل» إلى السلام العادل مع الشعب الفلسطيني، وأنه سيعيد إحياء خيار «الدولتين»، وسيدعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة الدولة المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967، وأنه سيؤمّن الحقوق السياسية والاجتماعية للفلسطينيين العرب داخل الكيان، باعتبارهم مواطنين داخل هذا الكيان.

هم راهنوا فقط على الثقة في تعهد بيني جانتس لإسقاط بنيامين نتنياهو، واعتبروا ذلك بداية خيط لمشروع نضالي جديد داخل الكيان، لكن هذا الخيط كان لابد أن يكون له تواصل يغذيه من جسد آخر هو الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية: السلطة ومؤسساتها وكافة المنظمات الفلسطينية، مسنودة بالجسد العربي الأكبر للتمسك بالحقوق والصمود والإصرار على إسقاط مشروع ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، والإجهاز على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. رهان كان يمكن أن يكون مقبولاً وقتها، لكن هذا لا يعني أن يكون جُلّ اهتمامات كل المعنيين بالقضية الفلسطينية جمع الأحجار وإلقاءها فوق رؤوس القائمة المشتركة وقادتها، وتحميلهم مسؤولية تثبيت شخص بنيامين نتنياهو رئيساً مجدداً للحكومة، وإعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ مشروع ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني. هناك من هم أكثر تقصيراً بهذا الخصوص. القائمة المشتركة صمدت داخل الكيان، وخاضت الانتخابات وحصدت 15 مقعداً داخل الكنيست، وهي قوة يعتد

بها كمعارضة لها وزنها، وسوف تتصدى لكل التجاوزات سواء بحقوق الفلسطينيين داخل ما يسمى ب«الخط الأخضر»، أو مجمل القضية الفلسطينية، لكن من يجب أن يحاسب هو السلطة الفلسطينية التي لم تنفذ أيّاً من قراراتها لإسقاط صفقة ترامب. ومن يجب أن يحاسب أيضاً، هو حركة «فتح» وحركة «حماس» المتصارعتان على سلطة ليس لها وجود، لدولة كانت ما زالت حتى وقت قريب مجرد «دولة افتراضية»، وباتت معرضة للتلاشي بفعل قرار الضم الذي سيجعل ما سيتبقى من أراضي الضفة الغربية مجرد قطع ممزقة غير مترابطة داخل جسد الكيان، خصوصاً بعد ضم غور الأردن الذي سيجعل الكيان الفلسطيني المتبقي محصوراً ومحاطاً بالكيان «الإسرائيلي» من كل الجوانب، بعد عزل هذا الكيان عن الأردن نهائياً، إثر تنفيذ مخطط ضم الغور.

هل مازالت السلطة الفلسطينية وحركة «حماس» تملكان رهانات الآن، بعد أن أبقت السلطة على «التنسيق الأمني» مع سلطات الاحتلال، الذي من شأنه وأد أي مشروع لانتفاضة شعبية وإجهاضه قبل ولادته؟، وهل ما زالت «حماس» لديها رهانات بعد كل استنفاد طاقات شباب القطاع على الصمود في ظل بطالة وحصار قاتلين، وتنازع لم يتوقف مع السلطة؟.

ربما لا يكون هذا أيضاً وقت جلد الذات، بل وقت التفكير في ما يجب فعله لمنع ضم غور الأردن والمستوطنات؛ لأن الشعب الفلسطيني بات مضطراً لدفع أثمان وباء «كورونا» مرتين: الأولى عندما أدى إلى توحيد «الإسرائيليين» لتشكيل حكومة طوارئ، وأجبر بيني جانتس على خيار التحالف مع بنيامين نتنياهو، والمرة الثانية عندما فرض على السلطة أن تنكفئ على نفسها، وتتجاهل مضطرة خطة تنفيذ الضم «الإسرائيلي» لغور الأردن ومستوطنات الضفة، وتعطي الأولوية لمواجهة الوباء، وتتغاضى عن الوباء الأشد فتكاً «حكومة نتنياهو- جانتس» المدعومة من ترامب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"