مرض الحسد والعقوق وفائــدة التســامح والتقـبل

04:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
بقلم: عبدالغفار حسين

[email protected]

فيم هذا الضجيج حولك أضحى

يتعالى من حاسد وعقوقِ

قلت هذا الأنين من حشرات

عارضات سحقتها في طريقي

هذا الشعر لابن الرومي الشاعر العربي المعروف، وكان ابن الرومي يتعرض كثيراً لحسد الحُساد ويتشاءم منهم، ويهجوهم هجواً مّراً، وأحياناً يختبئ في بيته لأيام؛ ليبعد عن نفسه حسد الحُساد، كما نفعل نحن اليوم لنُحصن أنفُسنا ضد فيروس «كورونا»، وآفة ما يفعله في تعريضنا للمخاطر.

وكلنا يتضايق من الحُساد، ويود أن يحترق الحاسدون بغيظهم، ولكن الكثير منا ليس كابن الرومي، الذي يُريد لهم السحق والقمع؛ لأننا ضد السحق والقمع، ونرى أن لكل إنسان الحق في أن يفكر حسبما يشاء ويعبر حسبما يشاء، بشرط أن يكون تفكيره وتعبيره لا يتسببان في الإضرار بالناس، فهو حر إذا لم يضر، فإذا ضر بيده أو بلسانه فالقانون كفيل بمنعه وإيقافه عند حده.

وتقتضي الأعراف الإنسانية أنه بدلاً من السحق ومن القمع واستعمال العنف اللفظي واليدوي، فمن الأفضل والأحسن أن تشفق على الحاسد والعاق. والعاق هنا من تحسن إليه من القريب والبعيد ويبادل إحسانك بالإساءة، وقد يكون العاق هو من أقرب الناس إليك في النسب والرحم، وعقوقه قد ينجُم عن حسد؛ لأنه قد يرى أنك في وضع اجتماعي أفضل منه، وأنك ذو مال ويَسَار لم يُقدّر له أن ينالهُما، أو شيء من هذا، ومن الأوهام التي تُداعب خياله.

وعندي أن الشخص الحسود مريض بمرض نفسي يُعيقه عن الطموح والعزيمة والإقدام والإبداع والمنافسة، ويشعر بمركب نقص، فإذا تمكنت منه هذه العلة النفسية الخطِرة، فإنه يُصبح للأسف معقداً ليس بعيداً عن النفع فحسب، بل قد يغرق أيضاً في السلبية ويضر الناس من حوله، وهو لا يشعر بحجم الضرر وبحجم السلبية التي يعيش فيها، وقد يفرح ويُسرّ بما يراه من تأثير سلبياته على الآخرين.

ومن المعروف أن في المجتمعات التي يسودها الحُب والتسامح وقبول الغير، مهما كان هذا الغير بعيداً في انتمائه العرقي والثقافي والأيديولوجي، ويتساوى في محيطها الناس وتتكافأ فرصها في مجالات التقدم المجتمعي، فإن الحسد وما ينتج عنه من بُغض وكُره وعُنف وصدامات يقل بدرجة عالية عنه في المجتمعات التي يسودها الفكر الطبقي، بحيث تكون هناك طبقات من الناس يقبل بعضها بعضاً، لا بسبب الكفاءة العلمية والمعرفية، ومن الطبيعي أن تكون في الأعلى؛ إذ لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ولكن بسبب الانتماء الطبقي والفكري، القبيلة، والعشيرة، والأسرة ذات الجاه والثروة والغنى، والطائفية... إلى آخر هذه الفئوية البغيضة التي تغذي البغضاء، وتصبح مُتراكمة في النفوس والأفئدة وتولد الضغائن وتتحين الفرص للانقضاض والتخريب.

وتسعى المجتمعات المتقدمة أن تعمل ما استطاعت على تضييق الفجوة بين الناس، والقضاء على الطبقية بقدر الإمكان؛ للحيلولة دون أن تكون طبقة من الناس تعلو وأخرى تنحدر، وما النظام الضريبي وحقوق الضمان الاجتماعي والمساواة في الحقوق والواجبات، إِلَّا مثال لهذه المحاولة التي تُقرب بين الفئات، وتُزيل ما قد يتراكم في النفوس من إحن وبغضاء وأحقاد.

ومما يَحسُن التنويه به، أن في دول الخليج، أو قل في مُعظمها، كادت هذه الطبقية أو الفروق بين الناس أن تختفي ويَحلّ مَحلَّهَا النظام الاجتماعي المُماثل كما هو موجود في الدول المتقدمة، لا سيما في الفترة التي قامت فيها دول مستقلة ذات سيادة كدولة الإمارات العربية المتحدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"