العملات الرقمية في الميزان

ورِقٌ ودين
02:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إبراهيم علي المنصوري *

[email protected]

مع التسارع الكبير في التقدم التكنولوجي تظهر وسائل وآليات جديدة ومتغيرة وذات صفات غير معتادة بحاجة إلى تقييم وتدقيق للوصول إلى أحكام فقهية عادلة وسليمة من خلال مراعاة الواقع والنظر إلى مقاصد الشريعة وضوابطها الفقهية.

وتُعد التكنولوجيا الرقمية ثورة في عالمنا اليوم، ومن أكثر صورها جدلاً هي العملات الرقمية، أو، كما يطلق عليها، العملات الافتراضية أو المشفرة، والتي تستخدم كبديل عن العملات النقدية المعروفة، وعُرِّفت على أنها: «عملة رقمية افتراضية ليس لها كيان مادي ملموس أو وجود فيزيائي منتجة بواسطة برامج حاسوبية ولا تخضع للسيطرة أو التحكم فيها من جانب بنك مركزي أو أي إدارة رسمية دولية، يتم استخدامها عن طريق الإنترنت في عمليات الشراء والبيع أو تحويلها إلى عملات أخرى، وتلقى قبولاً اختيارياً لدى المتعاملين فيها».

وتُعد عملة البتكوين Bitcoin أول وأشهر العملات والتي ظهرت في عام 2009 على يد ساتوشي ناكاموتوو ويتم التحكم فيها عن طريق تكنولوجيا تُدعى سلسلة الكتل Blockchain

وهي «عبارة عن دفتر حسابات إلكتروني غير قابل للتلاعب به للمعاملات الاقتصادية التي يمكن برمجتها، ليس لتسجيل المعاملات المالية فقط، بل لكل شيء له قيمة».

ويتم استخدام العملة الرقمية المشفرة كوسيلة للتبادل يصعب التلاعب بها إلا أنها لا تملك الغطاء القانوني من قبل أي بنك مركزي، وقد تم قبولها في بعض الدول الأوروبية بهدف تحصيل الضرائب من أصحابها وليس لقوتها القانونية.

وقد سعت بعض الدول في محاولة إصدار عملة رقمية بديلة عن البتكوين، كما هو الحال في مشروع «عابر» لإصدار عملة رقمية مشتركة بين مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي ومؤسسة النقد العربي السعودي، حيث يهدف المشروع إلى دراسة العملات الرقمية وكيفية إصدارها وتداولها إضافة إلى فهم عمليات المطابقة والتسويات بين البنوك باستخدام تقنية سلسلة الكتل Blockchain

، وفهم التقنيات المستخدمة والتأثيرات الفنية والتشغيلية على البنية التحتية الحالية ودراسة تأثير إصدار عملة مركزية رقمية على السياسات النقدية.

ما يجب معرفته الآن هو الإجابة على التساؤلات التي تدور في ذهن الكثير: هل التعامل بهذه العملات جائز شرعاً أم لا؟ وهل يحمي القانون مالكي هذا النوع من العملات؟ وهل هي معترف بها لدى المصارف المركزية دولياً؟ وفقاً للقاعدة الفقهية: «الحكم على الشيء فرع عن تصوره» وبالتالي حتى نحكم على هذه العملات يجب أن نفهم ماهيتها وآلية عملها والجوانب المالية والقانونية ودرجة المخاطرة فيها وأهداف إصدارها.

لقد انقسم الفقهاء المعاصرين والباحثين في الفقه والقانون في الحكم عليها إلى عدة آراء، فمنهم من يرى تحريمها وتحريم تداولها بشكل كامل بسبب عدم وجود غطاء قانوني لها يحمي حقوق أصحابها، بالإضافة إلى أنها ما زالت مجهولة المصدر، ولا ضامن لها، ولكونها شديدة التقلب والمخاطرة وإمكانية السطو والنصب والاحتيال، ويمكن استعمالها في عمليات محرمة كالمضاربة فيها وغسل الأموال.

أما من يرى جواز التعامل بها فيعتمدون على أصل الإباحة، وأن هذه العملة مالٌ متقوّم شرعاً بحكم ما آلت إليه في الواقع من أنه يمتلك بها غيرها من العملات والسلع والخدمات، بالإضافة إلى أنها تقوم بوظائف النقود أو العملات في الجملة، رغم عدم إصدارها من جهة حكومية، ولا يوجد حدٌّ اقتصادي أو شرعي للنقود يمنع من ذلك.

وخلاصة القول، يصعب وبشكل جازم تحريم هذه النوع من العملات أو جوازها، فهي بحاجة إلى بحث أكثر لمعرفة تفاصيلها وماهيتها، للحكم عليها، وعلى من يريد التعامل بها أن يتريث ولا يستعجل حفظاً لحقوقه وأمواله من الضياع في الوقت الحالي على أقل تقدير.

* أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية- المساعد بجامعة الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"