النجم إذا هوى

القسم الإلهي
02:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

من أسرار البلاغة وفنون العلم التي جاءت في القرآن الكريم، ويجدر بكل مسلم التفكر فيها، والتدبر في معانيها، القَسم في القرآن. والمتتبع لآيات القسم في القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه أقسم في بعضها بذاته الموصوفة بصفاته وأقسم بآياته ومخلوقاته وبمظاهر الكون، ويوم القيامة، لتهيئة السامع، وإعداده إعداداً صالحاً لما يأتي بعد القَسم.
يأتي ذكر القسم تأكيداً، لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب، الذين عهدوا على إثبات مطالبهم بالحلف واليمين والقسم، إذ كانوا يقطعون كلامهم بالقسم، بهدف تحقيق الخبر وتوكيده.

قال تعالى«وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى». (سورة النجم:الآيات1-3).

أقسم سبحانه بالنجم عند هويه على تنزيه رسوله وبراءته مما نسبه إليه أعداؤه من الضلال والغي.
ويشير ابن قيم الجوزية في كتابه «التبيان في أقسام القرآن» إلى اختلاف الناس في المراد بالنجم: فقال الكلبي، عن ابن عباس: أقسم بالقرآن إذ نزل منجماً على رسوله: أربع آيات، وثلاثاً، والسورة، وكان بين أوله وآخره عشرون سنة، وكذلك روى عطاء عنه وهو قول مقاتل والضحاك ومجاهد واختاره الفراء، وعلى هذا فسمي القرآن نجماً، لتفرقه في النزول، والعرب تسمي التفرق تنجماً، والمفرق نجماً، ونجوم الكتاب أقساطها، ويقول: جعلت مالي على فلان نجوماً منجمة كل نجم كذا وكذا، وأصل هذا أن العرب كانت تجعل مطالع ومنازل القمر ومساقطها مواقيت لحلول ديونها وآجالها، فيقولون: إذا طلع النجم، يريدون الثريا، حل عليك الدين، ومنه قول زهير، في دية جعلت نجوماً على العاقل: ينجمها قوم لقوم غرامة ولم يهرقوا ما بينهم ملء محجم ثم جعل كل تنجم تفريقاً وإن لم يكن مؤقتاً بطلوع نجم.
وقوله:«هوي» على هذا القول، أي: نزل من عل إلى سفل، قال أبو زيد: هوت العقاب تهوي هوياً، بفتح الهاء، إذا انقضت على صيد أو غيره، وكذلك قال ابن الأعرابي، وفرق بين الهوى بفتح الهاء والهوي بضمها:الهوي بالضم: السريع إلى فوقه لقوله: والدلو في إصعادها عجلى الهوي.
وقوله:«والنجم إذا هوى» قال عنه ابن عباس، في رواية على بن أبى طلحة، وعطية: يعنى الثريا إذا سقطت وغابت، وهي الرواية الأخرى عن مجاهد، والعرب إذا أطلقت النجم تعني به الثريا، قال: فباتت تعد النجم.
وقال أبوحمزة اليماني: يعني النجوم إذا انتثرت يوم القيامة، وقال ابن عباس، في رواية عكرمة: يعني النجوم التي ترمى بها الشياطين إذا سقطت في آثارها عند استراق السمع، وهذا قول الحسن، وهو أظهر الأقوال، ويكون سبحانه قد أقسم بهذه الآية الظاهرة المشاهدة التي نصبها الله سبحانه آية وحفظاً للوحي من استراق الشياطين له على أن ما أتى به رسوله حق وصدق، لا سبيل للشيطان ولا طريق له إليه، بل قد أحرس بالنجم إذا هوى رصداً بين يدي الوحي، وحرساً له، وعلى هذا فالارتباط بين المقسم به والمقسم عليه في غاية الظهور.
وبين المقسم به والمقسم عليه من التناسب ما لا يخفى، فإن النجوم التي ترمي الشياطين آيات من آيات الله، يحفظ بها دينه ووحيه وآياته المنزلة على رسوله، بها ظهر دينه وشرعه، وأسماؤه، وصفاته، وجعلت هذه النجوم المشاهدة خدماً وحرساً لهذه النجوم الهاوية، ونفى سبحانه عن رسوله الضلال المنافي للهدى، وألغى المنافي للرشاد، فضمن هذا النفي الشهادة له بأنه على الهدى في علمه والرشاد في عمله، وهذان الأصلان هما غاية كمال العبد، وبهما سعادته وفلاحه، وبهما وصف النبي صلى الله عليه وسلم خلفاءه فقال:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي».
قال سبحانه: «ما ضل صاحبكم» ولم يقل: ما ضل محمد، تأكيداً لإقامة الحجة عليهم، بأنه صاحبهم، وهو أعلم الخلق به وبحاله وأقواله وأعماله، وأنهم لا يعرفونه بكذب ولا غي، ولا ضلال.
ثم قال سبحانه: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى» لينزه نطق رسوله، وبهذا الكمال هداه ورشده وقال: «وما ينطق عن الهوى» ولم يقل وما ينطق بالهوى، لأن نطقه عن الهوى أبلغ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"