الكاظمي يواجه معركة حسم الولاءات

02:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

على الكاظمي أن يحدد ولاءاته وأن يعلن هو مع من: «الحراك الشعبي» الذي بات يمثل المستقبل العراقي، أم مع «الدولة العميقة»؟

على الرغم من أجواء التفاؤل التي أشاعها تخصيص رئيس الحكومة العراقية الجديد، مصطفى الكاظمي، أولى اجتماعاته، بعد موافقة مجلس النواب العراقي على منح الثقة لحكومته، بلقاء سفيري إيران، والولايات المتحدة، ثم تلقى هذا التفاؤل دعماً إضافياً بالاتصال الهاتفي الذي تلقاه الكاظمي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن استمرار التنازع بين الكتل السياسية على الوزارات السبع التي ما زالت خالية في حكومة الكاظمي، ومنها وزارتان سياديتان (الخارجية والنفط)، ثم عودة الحراك الشعبي مجدداً، إلى التظاهر ضد الحكومة الجديدة، يؤكد حقيقة مهمة هي أن أزمة العراق المتجذرة في بنية النظام الذي تأسس كأحد أهم مخرجات الاحتلال الأمريكي للعراق بعد غزوه عام 2003 ستبقى أزمة مركّبة، بين ضغوط الخارج، خاصة بين كل من إيران والولايات المتحدة، وبين التحديات الداخلية، والأزمات المتولدة من هذه التحديات، ابتداءً من نظام المحاصصة السياسية على أسس طائفية، وعرقية، وحزبية، والخطر المتزايد لوجود الميليشيات المسلحة التي تمتلك ترسانات من الأسلحة تهدد بها هيبة الدولة، واستقرارها، وتستخدم باتجاهين، الأول خدمة مصالح أطراف خارجية في العراق، وتنفيذ أطماع كتل سياسية بالتمكن من السلطة، ما أدى من ناحية أخرى إلى تفشي الفساد، ووجود مرتكزات قوية لحمايته.

لغة وعودة المتظاهرين إلى ساحات التظاهر رغم كل القيود التي فرضها انتشار فيروس كورونا، ورغم تعجيل رئيس الحكومة بالتحرك في الاتجاه الذي يريده الحراك الشعبي في أكثر من مجال، يضع الكاظمي أمام أهم تحدياته، بعد أن عوّل على كونه «مرشح الحراك الشعبي»، وأنه لا يرتكز على «قاعدة» و«كتلة سياسية»، ومن ثم فإنه سيكون مطالباً بجدية الحصول على دعم هذا الحراك، لأن البديل أمامه هو أن يعود كسابقيه من رؤساء الحكومات إلى التعويل على «استرضاء» الكتل السياسية، ومن ثم تأكيد فشله بنفسه في حل مشاكل العراق، وأزماته.

يدرك الكاظمي، أن الكتل والقوى السياسية تتربص به، خاصة الكتل الشيعية الموالية لإيران، وميليشياتها، وأن التوجه إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة سيكون فرصة لهذه الكتل والقوى السياسية لكسب إعادة انتخابها من خلال جعل نفسها «رأس حربة» موجهة ضد الكاظمي، وحكومته، لكسب الشارع، كما يدرك أن استكمال حكومته سيبقى رهناً بالرضاء الذي سيحصل عليه من هذه الأطراف، لكن الأهم أنه يدرك ما هو أصعب، وهو أن الحراك الشعبي من ناحية، والكتل والأحزاب السياسية، من ناحية أخرى يقفان الآن نقيضين لبعضهما بعضاً، حيث يطالب الحراك بإسقاط «الطبقة السياسية الحاكمة»، وإنهاء نظام حكم «المحاصصة السياسية»، وتأسيس نظام حكم مدني ديمقراطي قائم على أساس «مبدأ المواطنة»، ومحاربة الفساد والفاسدين، ومحاكمة المتورطين في قتل متظاهري الحراك الشعبي في كل ساحات التظاهر، وهي كلها مطالب

تجعل من مصطفى الكاظمي، وحكومته، في حال تبنى هذه المطالب والشروع في تنفيذها، طرفاً أساسياً في «صراع وجودي» مع هذه الكتل والقوى السياسية التي هي، في ذاتها، تشكل الطبقة الحاكمة في العراق، المطلوب إسقاطها.

هذا يعني أن على الكاظمي أن يحدد ولاءاته، وأن يعلن هو مع من: مع «الحراك الشعبي» الذي بات يمثل المستقبل العراقي، أم مع الحفاظ على «الدولة العميقة»، والطبقة السياسية الحاكمة، والدفاع عن مصالحها؟

حتى الآن، يمكن القول إن الكاظمي، كرئيس سابق للاستخبارات العراقية، يبدو حريصاً على الإمساك بمنتصف العصا، لأنه، وإن كان لا يستطيع إرضاء الطرفين المتصارعين، فإنه لا يستطيع الصراع ضدهما، ولكن الواضح أكثر، ومن خلال أولى مؤشرات أدائه، يبدو حريصاً على نيل ثقة الشارع السياسي، والحراك الشعبي.

فقد اختار الكاظمي «دائرة التقاعد العامة» ليصدر منها تحذيراته بمحاربة الفساد، وبدأ بشقيقه الذي حذره من استغلال اسم شقيقه كرئيس للحكومة في مصالح خاصة، كخطوة مهمة لمحاربة «الوساطات» باسم كبار المسؤولين، كما أصدر قراراً من داخل هذه الدائرة بصرف رواتب لنحو أكثر من 3 ملايين عراقي متقاعد، كانت حجبتها حكومة عادل عبد المهدي. وتلا هذه الخطوة قرار إطلاق سراح السجناء من المتظاهرين، وبادر بتشكيل لجنة حقائق بشأن التظاهرات، وهو أحد أهم مطالب المتظاهرين، ثم إقالة اللواء عبد الكريم خلف، المتحدث العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة)، وعيّن مكانه العميد يحيى رسول المتحدث السابق باسم «خلية الإعلام الأمني»، وكانت إقالة اللواء خلف من أبرز مطالب الحراك الشعبي.

ورغم هذا كله، تجددت التظاهرات في الميادين، والأرجح أنها سوف تتصاعد، وهذا سيضع الكاظمي أمام أصعب تحدياته، بأن يحدد ولاءه لمن: هل للشارع السياسي ومطالبه التي يعبر عنها «الحراك الشعبي» في ميادين التظاهر، أم للطبقة السياسية الحاكمة؟ خصوصاً أن كل منهما يطرح مطالب جذرية لا تقبل المساومة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"